مجدل شمس.. عدوان مدبر يفضح المخططات المبيتة إسرائيلياً وأميركياً.. هدفان من وراء حرف مسار التصعيد باتجاه الجولان: سورية ولبنان
تشرين – مها سلطان:
هدفان كبيران صوّب عليهما الكيان الإسرائيلي من وراء عدوانه المُدبر على مجدل شمس، البلدة السورية التي يحتلها منذ عام 1967، على الرغم من أن الأمم المتحدة تعترف بها إلى جانب بقية أراضي الجولان المحتل كجزء لا يتجزأ من سورية، وأهله جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وهي تجدد في كل عام هذه الحقيقة وتثبتها، وتؤكد أن كل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في سبيل تغيير هوية الجولان العربية السورية هي إجراءات باطلة.
الهدف الأول
الهدف الأول سورية، فمنذ اللحظة الأولى بدا أن الكيان الإسرائيلي يريد أن يستغل مسار التصعيد ليحقق بُعداً جغرافياً/ديمغرافياً في الجولان السوري من جهة، وبعداً تصعيدياً ضد المقاومة اللبنانية/حزب الله، من جهة أخرى.
يريد الكيان الإسرائيلي أن يحرف مسار التصعيد ليحقق بعداً جغرافياً ديمغرافياً ضد سورية.. وبعداً ميدانياً ضد حزب الله.. يفلت بهما من طوق الهزيمة الكاملة
طوال الساعات الماضية وحتى كتابة هذه السطور ما زال الكيان الإسرائيلي يملأ فضاء المنطقة (والعالم) أكاذيباً باتهام حزب الله وبالتهديدات التي يطلقها ضده وضد كل لبنان.. وتباكياً مخادعاً على من سماهم (المواطنين المدنيين الإسرائيليين الضحايا) وأن رده بالتالي سيكون انتقاماً لهم، ودفاعاً عنهم، ليسوق صورة كاذبة مخادعة تطمس سوريّة الجولان وأهله. أراد حرف كامل الأنظار عن غزة باتجاه الجولان/مجدل شمس، مستغلاً أن الدولة السورية- وبحكم واقع الاحتلال- لا تستطيع ممارسة دورها تجاه مواطنيها، وبشكل يجعلها تبدو غير معنية بهم، أو لنقل مقصرة، لكنه استغلال قوامه اعتقاد واهم زائف خاطئ، فلا الجغرافيا المحتلة ستكون عائقاً ولا الصورة الكاذبة التي يسوقها الاحتلال الإسرائيلي ستكون عائقاً في تحقيق التواصل والدعم والمواساة. أهلنا في الجولان المحتل يثبتون في كل مرحلة وفي كل شدة ومحنة وفي كل استحقاق أنهم سوريون أولاً وآخراً وأن الاحتلال إلى زوال مهما طال أمده. لا يحتاج أهلنا في الجولان لمن يؤكد لهم أن الاحتلال الإسرائيلي هو أصل العدوان والإرهاب، ولا يحتاجون لتحقيقات تثبت أن الصاروخ الذي أصاب منهم مقتلاً، في فلذات أكبادهم، هو صاروخ إسرائيلي متعمد مدبر ولغايات لا تخفى على أحد، فكيف يمكن لها أن تخفى على أهلنا في الجولان وهم الأخبر والأعلم بهذا الكيان الغاصب.
أهلنا في الجولان المحتل يثبتون في كل مرحلة وفي كل شدة ومحنة وفي كل استحقاق أنهم سوريون أولاً وآخراً وأن الاحتلال إلى زوال مهما طال أمده
قد ينجح الكيان الإسرائيلي في تمرير صور لمتزعميه في زياراتهم لمجدل شمس ولقاءات لهم مع الأهالي، لكنه لن ينجح مطلقاً في انتزاع اعتراف منهم أنهم (مواطنون إسرائيليون) وهم الذين يرفضون الهوية الإسرائيلية بإصرار نضالي قلّ نظيره، ويتحملون جميع إجراءات التضييق الإسرائيلية المشددة ضدهم في العيش والعمل وفي التواصل مع وطنهم الأم سورية.
التحقيق المزعوم
لنلاحظ كيف صاغ جيش الاحتلال الإسرائيلي نص ما سماه التحقيق الأولي لما جرى في بلدة مجدل شمس السورية المحتلة، ولن يخفى حتى على المراقب العادي، فكيف بالسوريين، حالة الكذب التي ظهرت في النص، وحالة التبرير الفاشلة المقدمة للأسئلة المثارة حول عدم اعتراض الصاروخ أو تفعيل صافرات الإنذار.
جيش الاحتلال الإسرائيلي زعم أنه تم تفعيل صافرات الإنذار مع وصول الصاروخ، أي وقت الاصطدام (ولسوء الحظ لم يكن الوقت كافياً أمام الضحايا للوصول إلى مكان محمي) على حد زعم جيش الاحتلال.
ورغم أن الجميع دون استثناء يعلم النيات الإسرائيلية الحقيقية من وراء كل ذلك، ومن وراء العدوان الصاروخي على مجدل شمس، إلا دولاً عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ستتماهى مع هذه النيات وتدفعها باتجاه الواقع العملي حتى لو قادت إلى حرب كبرى في المنطقة، ولا يغرّن أحداً كل تلك التصريحات الأميركية/الغربية عن القلق والمخاوف من وصول مسار التصعيد في المنطقة إلى نقطة الغليان.. وفي حال وصلت فإن ساحات المقاومة جاهزة لها، والعدو يعلم ذلك جيداً ولذلك لم تصل المنطقة إلى لحظة الانفجار بعد.
لا يحتاج أهلنا في الجولان لمن يؤكد لهم أن الاحتلال الإسرائيلي هو أصل العدوان.. ولا يحتاجون لتحقيقات تثبت أن الصاروخ الذي أصاب منهم مقتلاً في فلذات أكبادهم هو إسرائيلي متعمد مدبر
ما يريده المحتل الإسرائيلي ومن ورائه أميركا هو إعادة توجيه مسار التصعيد، وتحديداً منطلق لحظة الانفجار، وبما يمنح الكيان الإسرائيلي فرصاً أكبر ومضمونة النتائج أكثر في حال شن هجوم على لبنان بذريعة حزب الله. التصعيد في مجدل شمس محسوب بصورة لا توسع الاحتجاجات والإدانات العالمية ضد الكيان الإسرائيلي في حال وسع دائرة حرب غزة باتجاه لبنان، وفي الوقت نفسه يعفي الولايات المتحدة من مسألة تبرير دعمها اللامحدود لما وصل إليه الكيان الإسرائيلي من وحشية في القتل والتدمير.. ورفع الحرج عنها تجاه أي عدوان إسرائيلي موسع على لبنان.
بالمحصلة، فإن استهداف مجدل شمس يأتي في سياق الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية مطلع عام 2011، وفي كل مرحلة يوغل الكيان الإسرائيلي في هذه الاعتداءات، في محاولات مستميتة لإضعاف الدولة السورية، لكن هذه المرة العدوان على مجدل شمس هو الأخطر بتوقيته ودلالاته وأهدافه المبيتة إذا ما وضعناه في سياق التصعيد عالي المخاطر الذي تشهد المنطقة، وتجديداً في إطار التهديدات الإسرائيلية المستمرة ضد لبنان.
الهدف الثاني.. لبنان والإقليم
إذا أخذنا بالاعتبار ما أوردته القناة 14 الإسرائيلية من أن متزعم كيان الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي يزور واشنطن حالياً، أخذ موافقة أميركية على تنفيذ هجوم موسع على لبنان قبل التصعيد في مجدل شمس.. فهذا يعني أن التدبير الإسرائيلي قام على أن تتزامن الموافقة الأميركية مع إيجاد «صاعق تفجير» يتناسب بجغرافيته مع المُبيت إسرائيلياً، فكان استهداف مجدل شمس. ولنلاحظ كيف أنه وعلى الفور بدأ الإعلام الأميركي يسوق لفكرة أن الإدارة الأميركية لن تكون قادرة هذه المرة على منع توسع الحرب باتجاه لبنان، كما فعلت خلال الأشهر العشرة الماضية.
وسبق لصحيفة «فوربس» الأميركية أن حددت قبل أيام أن نقطة الانفجار باتجاه حرب موسعة ستكون على جبهة الشمال/جنوب لبنان، وأن الحرب الموسعة لا مفر منها.
واليوم، وسائل إعلام أميركية/غربية ركزت بصورة موسعة على مجدل شمس، في سياق سؤال مشترك حول ما إذا كانت هذه البلدة السورية المحتلة ستكون بداية لحرب موسعة في المنطقة.
وإذا أخذنا بالاعتبار أن أميركا وكيانها الإسرائيلي باتوا على إدراك تام بأن المنطقة لن تعود إلى حالتها السابقة، أي كونها إحدى المناطق الاستراتيجية للمصالح الأميركية، من دون القضاء على المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.. فهذا يعني أن الحرب الموسعة بداية من لبنان باتت أقرب من أي وقت مضى. الفارق هنا أن أميركا لا تريد أن تكون نتيجتها كما كانت عليه عندما قرر الكيان الإسرائيلي القضاء على المقاومة اللبنانية/حزب الله في صيف عام 2006 وانتهى به الحال مهزوماً مدحوراً.
وعليه، لا بد أن يكون التخطيط أكثر دقة، والاستهداف أكثر تحديداً، لتكون النتائج مضمونة.
مع ذلك لا يبدو أن استهداف مجدل شمس سيقود إلى ذلك، أي إلى النتائج المضمونة في حال قاد الاستهداف فعلياً إلى اشتعال حرب موسعة.
«الرد الإسرائيلي» وفق تهديدات متزعمي الكيان سيكون خلال الساعات المقبلة، باتجاه لبنان، علماً أن التهديدات لم تحدد حجم ومدى الرد، ورغم أن التشاؤم سيد الموقف إلا أن فريقاً من المحللين يؤكدون أن الكيان أعجز من أن يشن هجوماً موسعاً على لبنان، وهو لن يشنه إذا ما كان يحسبها ميدانياً، حيث إن كل المؤشرات ليست في مصلحته بالمطلق.