نقطة نظام…

تشرين- ادريس هاني:
– فشل النّظام الدّولي في إرساء علاقات دولية وإقليمية عادلة، فشل في تحقيق السلام العالمي، كلّنا يدرك مسار تشكّل عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة وكل المؤسسات التي بات همّها الالتفاف على القانون الدّولي، تعزيز مركزية القوى الإمبريالية، الفيلسوف والمؤرّخ يدركان فشل هذا النّظام، لكن السياسي بغريزته مازال يأمل، ثمّة على كلّ حال فسحة لتكرار المشهد وتبسيط الأزمة ومسرحة الأمور.
– بعد كل ما جرى اليوم من إبادة، الأفضل تجنّب المجاز، تجنّب الأوهام، تجنّب المسرح، لا شيء بات ملتبسًا أو قابلًا للنقاش، الاحتلال جاوز المدى نفسه الذي أتاحه العرف الدولي للمُستعمِر، بوصفه مسؤولاً عن أمن المُستَعْمَر، حتى حثالة القانون الدولي ابتلعها الاحتلال وحلفاؤه، هذا تهديد لمستقبل السلام العالمي، حيث الأزمة لا يمكن أن تظل في بؤرة من دون أن تمتد إلى سائر أطراف العالم.
– على ماذا يُراهنون بعد انتهاء الانتخابات في إيران؟ أما زالوا يستهلكون البضاعة نفسها، ما هذا الجمود؟ من الصعب أن تُقدّم رؤية منصفة حول دولة تكرهها، وأغلب من يقرأ المشهد الإيراني، يجهل إيران جدًا ويكرهها جدًا، بينما وضع التضليل أجهزة تلقّي موحدة في أذهان النّاس قوامها الاختزال والكيدية، ثمة رأي عام صُنع على أساس التّحفّظ والريبة والتشنيع، متى نصل إلى لحظة الإنصاف، لحظة الشجاعة من أجل قول الحقيقية خارج هذا المرض المهيمن على السياسة الإقليمية والدولية، بخصوص بلد أكبر في الشروط الجيوسياسية من أن نتعامل معه كمارق؟ ماذا عن المارقين الذين يكفرون بالدستور والانتخابات وبالديمقراطية؟ شهادة حسن السلوك من قبل الإمبريالية هي إدانة تاريخية.
– في معركة الوعي، يتعين على الجميع المطالب بالاقتصاد في بناء العلم والوعي بالحدث، في الاستشراف، نحن في سياق تحدّي يصيب العقل العربي بالبلهارسيا السياسية، لماذا نسخر من العقل والمصير بهذه الكهانة التبسيطية وبهذه النبرة الشعبوية التي قضمت أنوف العرب في تاريخ هزائمهم؟ أحيانًا لا أفهم ماذا يقصدون بهذا التكرار؟
– أردوغان ومن باب “مكره أخوك لا بطل”، سيضطر إلى الجلوس مع الأسد، وهذا ما فرضه الصمود السوري عن جدارة واستحقاق، ألا تتذكرون يوم قلنا: سيُبسط السجاد الأحمر لفخامته؟! اليوم بوتين هو الضامن، يشعر تيار خصوم سورية التقليديون، أنّهم ليس مرغوبًا فيهم في المرحلة القادمة، لقد خسروا الرهان، وسينحنون للعاصفة على طريقتهم القديمة، هذا ما يفسر بحثهم عن صكّ مرور ووساطات، وكأنّ شيئاً لم يحدث، لا يريدون الهروب فقط، بل يسعون ليكونوا أصدقاء لسورية.. من كان أبو يعرب وسائر ذيول الفار قد اعتبروه معاوية العصر، ها هي الشعرة تتجه به نحو ما وصفوه بمحور الشّر. لقد كنا أمام فيلم كارتون وليس مقاربات موضوعية للمشهد، انتصر الأسد على المؤامرة، لكن كلّ ما يجري يفيد بأنّ من كان يراهن على سقوط سورية، سقط، وتاه، وتشرد، هل يا ترى انهزم خصوم سورية وغيروا لهجتهم بسبب أنّ العالم خذلهم؟ كلا، بل العالم كله كان معهم، ولكنهم سقطوا وسقط معهم العالم الذي ظنّ أن سورية قابلة للابتلاع، هكذا علّموهم، بل حتى سفهاؤهم باتوا يومئذ يُوَقِّتُون لسقوط سورية، اليوم يتسللون بلصوصية قذرة، يحاولون الهروب إلى الأمام، وهناك من يسهِّل لهم المأمورية، لقد كانوا أغبياء في لعبة أكبر منهم، ولكنهم أيضا كانوا انتهازيين وما زالوا، معركة الوعي تقتضي كتابة تاريخ المؤامرة بصدق ووضوح، أليس الغالب هو من يكتب التاريخ؟ بلى، لن نسمح للمنافقين أن يتآمروا على حقائق الواقع ويكتبوا تاريخنا من جديد.
– لعبة الدومينو في ذروتها، الاحتلال فاشل في تكوين اجتماع سياسي، فاشل لأنّه لا يعيش حالة استقرار، هشاشته انتقلت إلى حُلفائه الدوليين، اليوم إما أن يسقط الاحتلال أو يسقط الغرب.
– بعض الفاعلين الذين يغيرون مواقفهم بشكل غريب، هم أهون من أولئك الذين جعلوا من القضايا العادلة بضاعة أو خدمة تجارية، إنّني أخشى فقط من تُجار الأزمات، ومن الدكاكين الصغيرة التي أفسدت المبادئ ومقاصد النّضال، حين يفقد النّضال نُبله وصدقه وعدالته، فعلى ماذا الرّهان؟
– بين الطمع والكذب رواية في التاريخ السياسي، وهي أحد شروط الهزيمة، حتى الآن، ما نال من العرب سوى هذه الفوضى، هذا الالتفاف على الحقائق، هذا الخلط الفاحش بين الأوراق، الطِّعان حيث لا يصدقون، الهرولة حيث لا يعقلون، التّفاهة حيث يخونهم الذّوق والرُّقيّ، الجبن حيث فقدوا شجاعتهم وجبنهم.
– آفة السياسة الكذب والطّمع، من دخل السياسة من دون أن يتربّى على الإنصاف، ضلّ وضلّل، قيل للدّجال أخبرنا عن وجهة نظرك، قال: جاء الفرج، متى كان للمجاهيل رأي، وأي غباء أن لا نميّز بين الجديد والتكرار؟ نحن جميعًا شركاء في التمكين للدّجل، لأنّنا لا نملك مجلس أعلى للحسابات، ولأنّنا نحكم من جهة واحدة ونهرول.. المهرولون والأغبياء فرضوا الجمود على فكر الأمّة.

– كلّ شيء إذن يحيل هنا إلى الضعف والهشاشة، لا شيء مبنيًا على أسس صلبة، كل المفاهيم نمضغها مضغاً من دون معنى: الأنسنة، التسامح، العدالة، الموضوعية، حتى فلسطين، هناك من يموت من أجلها، وهناك من يتاجر بها ويرقص باسمها فوق الرّؤوس، متى نتصالح مع نداء الضّمير؟
– لا إشكال في تعايش الباكتيريا مع الجسد، حينما تكون حالة محصورة ومحشورة، لكن حين تتراجع المناعة وتكثر الباكتيريا غير النّافعة، يصاب الجسد بالوهن، وكذلك حال أمّة، تنطوي على بنية تناقضية، ما يبسطه الوعي تطويه الانتهازية.
– حين تكون صادقاً ومنصفاً وعادلاً، حين لا تكون انتهازيّاً أو قوّاداً، فارساً يصدح بالحق ولا يتلوّى في كواليس الغدر والإساءة والجبن، حين تكون زاهداً ومتعاليّاً على الأوباش والأبواش، ستخسر الكثير ممن وجب خُسرانهم، لأنّه وببساطة، خسران المنحطين والوصوليين هو مكسب عظيم لأهل النُّهى، هم من يخسرونك ولست أنت من يخسرهم، الرُّقيّ محنة في أزمنة الاستذئاب.
– من السهولة تكرار ما هو تحصيل حاصل، الميل إلى غير ذات الشّوكة، التسامح في أدلّة الدّجل، إنّ للإنصاف وللعدالة تكلفة تتطلّب ضميراً فائق الحساسية، إنّ طريق الشجاعة لا يرسمه الجبناء والوصوليون، إنّ معركة الوعي هي معركة ضدّ التضليل وخلط الأوراق، ضدّ حركة النّفاق في المجتمع والعالم، إنّ المنافقين الجبناء في الدرك الأسفل من الاعتبار، الزيت والماء لا يمتزجان، المنافق لا يحسن النّضال النبيل، لا يحسن السير باستقامة، لا يحسن الفروسية، لا يُحب إلاّ من كان على شاكلته، ولا عجب إن رأيت ابن آوى يتجاسر على الأسود، وابن آفة يتطاول على الفُرسان.

كاتب من المغرب العربي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار