«السوشيال ميديا» تُشعل الانتقادات وتعمّق المسؤوليات.. صراع إيديولوجي بأدوات إعلامية حديثة وحسابات قيد المراهنة والتحقيق
تشرين – بارعة جمعة:
في عالم الميديا أصبح كل شيء متاحاً، التعبير عن الرأي بات بيد الجميع، لكن أي رأي ذاك الذي يشتعل تارة وينطفئ تارة أخرى، ربما هي حسابات وآراء يحكمها الوقت، كما هي حال الصلاحيات التي تذهب بغياب المركز أو المسؤولية، وأي مسؤولية تلك التي تتأجج في ساحات غير رسمية في وقت لم تلقَ استجابة في وقتها، فهل بات النظر والتقييم لمشكلاتنا المزمنة بتعاقب الحكومات وتواليها فقط من بعيد؟ نعم الكثير منا يتساءل عن حال المسؤول بعد تخليه عن منصبه، لاسيما أن الأمثلة التي ترافقنا يومياً باتت شبه مصادر خاصة لتحليلات لم نسمع بها من قبل، بل انتعش سوقها في الخفاء وعلى يد أصحاب قرار، الكثير ممن أخطأ ولم يصب إلا بعد استبعاده، حيث باتت الحلول واضحة لا بل ممكنة، لسياسات ممهورة بقلم منتقدها اليوم، ليبقى السؤال المتداول اليوم: هل ما يقوم به المسؤول في مركز المسؤولية من أخطاء ترافقه بعد عودته كمواطن عادي؟ وهل بات ارتكاب الخطأ هو سياسة تمهيدية لإنعاش سوق الميديا؟
د. تيشوري: ما تعاني منه سورية اليوم هو غياب الدقة بالتوصيف الإداري والاعتماد على سبل الترشيحات عبر منافذ غير الكفاءة
مشكلات إدارية
ما تعاني منه سورية اليوم هو غياب الدقة بالتوصيف الإداري، والاعتماد على سبل الترشيحات عبر منافذ غير الكفاءة، وهي مشكلة كبيرة جداً، وفق توصيف الخبير الإداري والاستشاري الدكتور عبد الرحمن تيشوري، لانحياز بعض المسؤولين في مختلف المفاصل إلى العمل لمصالحهم الخاصة، بعيداً عن التفكير بمصلحة الهيكل الإداري أو التنظيمي أو بضرورة تنفيذ القوانين بما ينعكس إيجاباً على الإدارة وخدماتها أو على نجاح الاقتصاد السوري.
بكل الأحوال، لكل مشكلة سبب، لكن اليوم لدينا مجموعة أسباب تتعلق مباشرة بما يواجهنا من عقبات وعوائق تحد من كفاءة وفاعلية الإدارة، التي تعد مشكلات قديمة ومزمنة لا بل لها تفرعاتها السلبية أيضاً برأي تيشوري، التي تؤثر في عملية التنمية وبكل الاتجاهات (سياسياً، ثقافياً، اجتماعياً، اقتصادياً، وإدارياً)، ما يتطلب منا إصلاحاً شاملاً متكاملاً مستمراً سريعاً وعاجلاً.
التوصيف الوظيفي
تتداخل المهام والمسؤوليات في هياكلنا التنظيمية، لتبدو الأمور صعبة للغاية في حضور المسؤول على رأس عمله، وبسيطة فور استبعاده عن المنصب، هو خلل يرافق كل عملية تغيير يرجعها الخبير تيشوري إلى غياب مفهوم التوصيف الوظيفي لدينا، والكثير من الصعوبات منها ما هو تاريخي نشأ مع نشوء الجهاز الإداري، ومنها ما هو أكثر أهمية يتمثل بقصور العناية والمتابعة والمساءلة لهذا الجهاز الإداري.
د. تيشوري: التوصيف الوظيفي الوارد تحت بند التوصيف لمهام الوزير أو المدير العام فضفاض.. لذا تحديد الاختصاص يضيق هامش المناورة
ويضيف تيشوري شارحاً هذه الصعوبات: “بتقديري، لدينا اليوم مشكلة بالقوانين والتشريعات الناظمة لعمل الهياكل التنظيمية والأنظمة الداخلية للوزارات والإدارات والمؤسسات والعنصر البشري والرواتب والأجور والرقابة المركزية الهشة، بما فيها الجهاز المركزي للرقابة المالية وسياسات الانتقاء للتعيين والترفيع، إضافة إلى مشكلة تتعلق بتنظيم السلك الوظيفي بشكل عام”.. فالتوصيف الوظيفي الوارد تحت كل بند توصيف لمهام الوزير أو المدير العام فضفاض، وعندما نقول مثلاً: مطلوب (فئة أولى) تحت هذا البند تحدث الكوارث والعجائب، وفق توصيف تيشوري للواقع، هنا ينبغي علينا تحديد المهام بدقة، كأن نقول: “مطلوب مدير كهرباء، وتحديد الاختصاص متل “هندسة شبكات”، هكذا فقط يضيق هامش المناورة، وبالتالي، فإن التوصيف الدقيق يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لذا يجب إعادة النظر بالتوصيف الوظيفي ومن ثم كتابته بعناية.
أمام هذا المشهد، لا بد لنا أن نذكر بتجربة المعهد الوطني للإدارة، التي تمثل أعلى تخصص إداري في سورية، والتي تم القضاء عليها، برأي الخبير عبد الرحمن تيشوري، وفي موضوع الوزير والمدير، وأمام عدم أهلية الأغلبية منهم لهذا المنصب، نجد أن العمل بات لا غاية أو هدفاً برأيه، ما أنتج بدوره ظاهرة وصفها تيشوري بـ«دكتاتورية البيروقراطية»، وبالتالي تحول الجهاز الإداري السوري إلى قوة كبيرة من دون مراقبة من السلطتين التشريعية والقضائية، واكتساب الجهاز الإداري المناعة ضد أي نوع من أنواع المساءلة والحساب والعقاب.
محاسبة أم محاباة؟
نقد الأخطاء والمحاسبة لم يتعدَيا صفحات “فيسبوك”، وإن نظرت إلى واقع الحال فستخونك الذاكرة التي باتت تستجمع الأخطاء وتنسى الحلول في وقتها، هو حال أي مسؤول ينظر إلى المشهد من بعيد، يلتقط الخطأ ويجترح الحلول، بينما معظم الأخطاء مرت من أمامه، لسان حال الأكثرية ممن يتابعون التحليلات اليومية، إلا أن لأهل القانون نظرة مختلفة، تأخذ بالجزئيات والتفاصيل الدقيقة وتعطي الحكم للجميع.
المحامي سعيد: إذا أردنا محاسبة المسؤول قانونياً وثبت ارتكابه خطأ في قضايا الدولة ترفع الدعوى إلى القضاء الإداري لا الجزائي
قانونياً لا توجد مشكلة أبداً، كما أن غياب المحاسبة هو تقصير من السلطة نفسها، وفق حديث المحامي فراس سعيد لـ”تشرين”، وفي حال أردنا محاسبة المسؤول قانونياً وثبت ارتكابه خطأ في قضايا الدولة ترفع الدعوى إلى القضاء الإداري لفسخ القرار الخطأ، من دون أي محاسبة بل الاكتفاء بإلغاء القرار الذي تسبب بالضرر فقط.
لم يسبق في تاريخ سورية أن تم رفع دعوى ضد وزير وتمت محاسبته، يؤكد المحامي سعيد هذا الأمر، مبيناً أن العقوبة الجزائية تتم في حال ضبط قضايا فساد أو رشوة وتتم بعيداً عن القضاء الإداري.
حرية التعبير
لذا ما يتم تداوله عبر صفحات “فيسبوك” من أشخاص غير معروفين بكشف قضايا فساد، لا يحيل أي مسؤول إلى المساءلة أو المحاسبة في ظل غياب الأدلة على أرض الواقع، برأي المحامي فراس سعيد، مفنداً هذا السلوك تحت بند التعبير عن الرأي، حيث يحق لأي مسؤول انتقاد مسؤول آخر أو سياسة تحت هذا البند، ليبدو اللجوء إلى معاقبة هؤلاء الأشخاص بحد ذاته خروجاً عن القانون.
سعيد: ما يتم تداوله عبر صفحات “فيسبوك” من أشخاص غير معروفين بكشف قضايا فساد لا يحيل أي مسؤول للمساءلة أو المحاسبة هو سلوك تحت بند التعبير عن الرأي
حرية التعبير ليست حكراً على المسؤول فقط، بل يحق لأي شخص رفع دعوى ضد مسؤول، وبشكل عام فإن البحث بقضايا الفساد من الإعلام يعد الأفضل بنظر المحامي فراس سعيد، لما سيجلب له من فضيحة إعلاميه، كما تعد هذه القضايا من وظائف الإعلام وليس القضاء برأيه، من خلال فضح الفاسد أمام الرأي العام، وبهذه الناحية يكون الإعلام أقوى من القضاء، الذي يحتاج شهوداً وإثباتات ومن الممكن التلاعب به.
استراتيجية التطوير الإداري
ثمة إطار قانوني موجود من أجل إعداد توصيف الوظائف، وثمة أيضاً نظام داخلي جرى فيه وضع صيغة نموذجية لتوصيف الوظائف، وينتظر أن تضع الوزارات توصيف الوظائف فيها استناداً إلى هذا النموذج، لكننا حتى اليوم لا نعرف ما إذا كان هناك توصيف وظائف موجود حتى الآن، وفق حديث الخبير الاستشاري والإداري د. عبد الرحمن تيشوري لـ”تشرين”، وإن كان موجوداً فهو ثمرة بمبادرة وزارات بعينها، وهو مقتصرٌ عليها.
إدارة فاعلة كفوءة تحقق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلينا السير بخطا متوازنة، برأي د.تيشوري، بالاستفادة التامة والفاعلة والجيدة من خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة وتحديث نظم الترقية ومعاييره، ونظم التقييم والمساءلة عن الأداء والإنجازات، يضاف لذلك تدوير الوظيفة القيادية بين المواقع المختلفة لتحقيق الخبرة الشاملة، ونشر ثقافة التدريب واختيار العناصر الواعدة لتكوين القيادات المستقبلية، وتكوين جهاز إداري هيكلي متخصص بدراسة ومتابعة مسائل التطوير والتنمية الإدارية، واعتماد برنامج الإصلاح المقترح على الرؤية الحالية والمستقبلية لدور الدولة في ظل التغيرات الحاصلة محلياً وعربياً ودولياً، والأهم هو الانطلاق في عملية الإصلاح من قمة الهرم الإداري الحكومي باتجاه المستويات الوسطى والدنيا للإدارة.
نعم.. عملية التنمية الإدارية وإعداد وتنفيذ برنامجها هي مسؤولية الجميع من دون استثناء، وبالتالي على كل الوزارات والهيئات أن تكون معنية بصياغة وتصميم هذا البرنامج ومتابعة ومراقبة تنفيذه، كما لابد أن يتناول برنامج التنمية الإدارية آليات التعامل مع أسباب الأمراض الإدارية المنتشرة كالفساد وتراجع مستوى الخدمات وارتفاع تكاليفها وسيطرة الروتين والإجراءات المعقدة والوساطة والمحسوبيات وغير ذلك.