بيرنز وماكغورك أعطيا الضوء فماذا في جعبة بلينكن؟.. «الطعم» الأميركي يرتد على الكيان و«إنجاز» النصيرات يُعمّق الحفرة وحزب الله يضع الاحتلال على مفترق طرق مصيري
تشرين- هبا علي أحمد:
جاءت مجزرة مخيم النصيرات وسط قطاع غزة أمس، التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني مع دخول عدوانه شهره التاسع، لتلغي كل ما سبق قبلها من المقترح الأميركي لإنهاء العدوان والمزاعم التي تمّ سوقها حول الضغط الأميركي على كيان الاحتلال، بل الأكثر من ذلك يمكن القول إنّ الرئيس الأميركي جو بايدن أراد «خداع» المقاومة عبر مقترحه، لكن المقاومة كانت متيقظة وحذرة ومتمسكة بمواقفها وشروطها ولن ينطلي عليها «الطعم» الأميركي.. ونلحظ أنهّ مع كل ضغط مزعوم يرتكب الاحتلال المزيد من المجازر تحت الرعاية الأميركية وبضوئها الأخضر، في مزيد من الأدلة على التورط الأميركي في الحرب، وإذا كانت المجزرة أتت غداة زيارة مدير المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز وكبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك إلى المنطقة، فلا بد أن الفلسطينيين على موعد مع مجزرة جديدة غداة زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المرتقبة غداً.
حكومة الاحتلال مستمرة بالغوص في الحفرة التي حفرتها لنفسها وعملية النصيرات لا تحلّ المشكلات التي تواجهها ولا تعفيها من التوصل إلى صفقة تبادل
مجمل التطورات يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أنّ واشنطن – كما الكيان- لا تريد إيقاف الحروب ولا التفاوض ولا أي خطوة من شأنها أنّ تضع حداً للعدوان، ولا سيما أنها تبحث وسائل أخرى غير الصفقة بين المقاومة والعدو لاستعادة الرهائن، وهنا «طعم» جديد تلقي به واشنطن.. وأمام مجمل التطورات أيضاً يبدو أنّ التصعيد سيكون سيّد الموقف والجبهات في المرحلة المقبلة، وبالتالي لا تهدئة ولا تفاوض.
الغوص في الحفرة
«الإنجاز» الذي ظنّ كيان الاحتلال أنه حققه أمس باستعادة 4 من أسراه لدى المقاومة الفلسطينية تحت غطاء القصف الوحشي الذي استهدف مئات المدنيين وبمساعدة وتغطية أميركية، والذي يعتقد من خلاله أنّه ليس بحاجة للتفاوض وبمقدوره «تحقيق» أهداف الحرب المزعومة، لم يكن بالصورة التي أرادها الكيان، إذ بقيّت الانقسامات داخل الكيان مُتصدرة والتحذيرات من استمرار الحرب وتداعياتها على مستقبل الكيان الوجودي والسياسي، مع الدعوة إلى ضرورة التوصل إلى صفقة لاستعادة الأسرى ولا سيما أنّ استعادة الأسرى الأربعة رافقها مقتل أسرى آخرين، وبالتالي مراكمة معضلات الكيان ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ أفادت الإذاعة الإسرائيلية بأنه لا يمكن الاستمرار في غزة من دون وضع خطة لـ«اليوم التالي» للحرب في القطاع، موضحة أنّ نتنياهو يعلم أنّ ساعة «إسرائيل» الدولية تنفد، وقدرتها على تنفيذ والقيام بعمليات كبيرة مثل عملية استعادة المحتجزين الأربعة تعتمد على الشرعية الدولية.
الاحتلال على مفترق طرق تاريخي ومصيري وحرب واسعة مع حزب الله ستؤدي إلى تقويض قدرته على العمل وتشلّ منشآته الحيوية وتهدد الرؤية الصهيونيّة
كما تحدّثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أنّ عملية الأمس لم تحلّ أي واحدة من المشكلات التي تتعامل معها «إسرائيل» منذ السابع من تشرين الأول: لا أزمة الشمال، لا أزمة غزّة ولا باقي الأزمات التي تهدّد «إسرائيل» على الجبهة الدولية – في كل واحدة من هذه القضايا الحكومة مستمرّة بالغوص في حفرة حفرتها لنفسها، مضيفة: من يعتقد أنّ عملية النصيرات تعفي الحكومة من التوصل إلى صفقة تبادل فهو يعيش في أوهام – بل على العكس تماماً، فرحة إنقاذهم توضح الحاجة إلى صفقة – فهناك من يجب أن ننقذهم، وبشكل أسرع قدر الإمكان.
وتحدّثت «هآرتس» عن أنّ عملية النصيرات ستوفر جرعة من التشجيع، فقط، مؤكّدةً أنّه ليس من الواقعي توقّع استعادة بقية الأسرى بهذه الطريقة، وأنّ «إسرائيل» ليست قريبة من النصر المطلق في حربها، كما أنّ الحدث «لا يبشر بتغييرٍ استراتيجي في صورة الحرب».
مخيم النصيرات يشكّل بؤرة الفاجعة التي يعيشها القطاع ويُذكّر بأنّ الرعاية الصحية في غزة معلّقة بخيطٍ رفيع
بالتوازي، نقلت صحيفة «معاريف» عن الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، واللواء في الاحتياط الإسرائيلي يسرائيل زيف، تأكيده أنّ الصفقة وحدها هي التي يمكنها إعادة الأسرى الإسرائيليين، قائلاً: الصفقة يجب أن تكون جزءاً من صفقة شاملة لإنهاء الحرب، مشيراً إلى أنّ الصفقة تصبّ في مصلحتنا أكثر لأننا نواجه تهديداً وجودياً في الشمال.
تهديد الشمال
أما تهديد الشمال فلا يزال الحدث الأبرز في وسائل إعلام العدو، وغدا معه حدث استعادة الأسرى حدثاً ثانوياً، وعادت التقارير الإعلامية لتركز على أنّ الاحتلال على مفترق طرقٍ تاريخيّ ومصيريّ، والصواريخ التي يملكها حزب الله وتصل إلى مسافة 200 كيلومتر ويمكنها تفجير حقول الغاز الإسرائيلية خلال ثوانٍ، أي إنّها تُغطي كلّ نقطة في الكيان، وتساءلت كيف ستُواجِه «إسرائيل» هذا التهديد؟ وكيف ستعمل عندما يقوم حزب الله بتدمير عشرات المنشآت الحيويّة؟ وهل توجد لدى الجيش الإسرائيليّ خطّةً أوْ نظريّة لتقصير الحرب بهدف تقليل الخسائر؟ لافتة إلى أنّ حرباً واسعة مع حزب الله ستؤدي إلى تقويض قدرة «إسرائيل» على العمل وبالتالي تهديد الرؤية الصهيونيّة.
وأشارت تلك التقارير إلى أنه إذا اندلعت الحرب في الشمال فإنّ صواريخ حزب الله ستشل «إسرائيل» بما في ذلك مطارا «بن غوريون»، أي مطار اللد ومطار حيفا في الشمال، مُشدّدة على أنّ الحرب الواسعة ستجعل مصير عكا وحيفا وطبريا وربّما «تل أبيب» مثل «كريات شمونة» التي تمّ تهجير جميع سكانها نتيجةً للقصف الصاروخيّ الذي قام به حزب الله منذ الثامن من تشرين الأول.
بؤرة الفاجعة
وفي سياق تداعيات مجزرة النصيرات، أكّد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث أنّ مشاهد القتل في النصيرات التي أعقبت العملية الإسرائيلية والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 200 وإصابة 400 من المدنيين الفلسطينيين، تثبت أن الحرب تزداد بشاعةً، معتبراً أنّ مخيم النصيرات يشكّل بؤرة الفاجعة التي يعيشها قطاع غزة.
وأضاف: برؤية الجثث الملقاة على الأرض، نتذكر أنّه لا يوجد مكان آمن في غزة”، ورؤية المرضى الملطخين بالدماء، ويتلقون علاجهم على أرضية المستشفيات، تذكّر بأنّ الرعاية الصحية في غزة معلّقة بخيطٍ رفيع.
«إسرائيل» استخدمت أسراها كتمويه لإضفاء الشرعية على قتل الفلسطينيين في غزة وتجويعهم
من جهتها، صرّحت المقرّرة الأممّية المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، بأنّ «إسرائيل» استخدمت أسراها كتمويه لإضفاء الشرعية على قتل الفلسطينيين في غزة وتجويعهم، لتستمر في الوقت نفسه بتكثيف العنف ضد الفلسطينيين في باقي الأراضي المحتلة.
وشدّدت المسؤولة الأممّية على أنّه كان من الممكن أن تستعيد «إسرائيل» جميع أسراها أحياء وسالمين، منذ 8 أشهر، عندما تمّ إبرام أول وقف لإطلاق النار وتبادل أسرى، لتذكّر أنّ الاحتلال رفض ذلك من أجل الاستمرار في تدمير غزة وتدمير الشعب الفلسطيني، واصفة ذلك بأنّه نية واضحة وضوح الشمس لارتكاب إبادة جماعية تحوّلت إلى فعل.