«قمة أوكرانيا» في سويسرا.. تصعيد محسوب أميركياً يُراكم خيبات نظام زيلينسكي

تشرين:
عملياً، لم يكن يُنتظر مما يسمى قمة السلام في أوكرانيا، التي اختتمت أعمالها اليوم الأحد، وكانت قد بدأت أمس السبت في سويسرا، لم يكن ينتظر منها أن تقدم الكثير لنظام فلوديمير زيلينسكي، باستثناء الإبقاء على الأضواء الإعلامية مفتوحة على «حرب أوكرانيا» لهدف لا يخفى على أحد وهو إبقاء الضغط على روسيا قائماً، بالمستويين المادي والمعنوي، كحرب استنزاف من جهة، وكإحراج دولي من جهة ثانية.
وبالنظر إلى البيان الختامي للقمة فإن هذا الهدف بدا واضحاً، حيث إن القمة اختصرت أعمالها على ثلاث نقاط فقط مما يسمى «خطة زيلينسكي» المتضمنة عشر نقاط.. والنقاط الثلاث التي جاءت في البيان الختامي هي ضمان سلامة المنشآت النووية، الأمن الغذائي، وتبادل الأسرى. وهي نقاط سعى المنظمون للقمة- أي أميركا ودول الناتو- عن عمد لدفعها إلى الواجهة بعيداً عن القضايا التي تمس أوكرانيا/نظام زيلينسكي بصورة مباشرة، فهي بمجملها قضايا ذات شأن دولي/أممي، أما فيما يخص أوكرانيا بصورة مباشرة فقد تم تجنب ذلك على طاولة القمة منعاً لتصعيد غير محسوب مع روسيا ولإبقاء الضغط في السياقات التي تريدها أميركا.
في كل الأحوال يمكن اعتبار هذه القمة خيبة أمل جديدة لنظام زيلينسكي، خصوصاً أن أميركا كانت ممثلة فيها من المستوى الثاني/مستوى نائبة الرئيس كاميلا هاريس/ رغم ما مارسه زيلينسكي من استجداء لحضور الرئيس الأميركي جو بايدن، حتى إنها هاريس غادرت القمة في يومها الأول تاركة اليوم الثاني لمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان.. هذا عدا غياب الدول الوازنة وعلى رأسها الصين، بينما الدول الأخرى التي حضرت ولها دورها ووزنها تم تمثيلها على مستوى منخفض.
أما بخصوص الإعلان أن القمة هي بمنزلة «طاولة حياد» فإن هذا الحياد لم يكن قائماً ولا بأي حال من الأحوال في ظل عدم دعوة روسيا، وفي ظل أيضاً أن القمة اقتصرت على مناقشة نقاط زيلينسكي (وإن تم اختصارها إلى الثلاث نقاط آنفة الذكر) مع تجاهل المقترحات الروسية. يضاف إلى ذلك سياق التصعيد قولاً وفعلاً فيما يخص تهديد روسيا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، من خلال مضاعفة التسليح كماً ونوعاً، والإذن الأميركي لنظام زيلينسكي باستهداف الأراضي الروسية بأسلحة أميركية.
القمة لم تكن فقط مُخيبة لزيلينسكي على مستوى الحضور والمشاركة وجدول الأعمال، بل على مستوى التوقيت أيضاً، فهي تأتي بعد تقدم ميداني كبير وحاسم للقوات الروسية على محور خاركوف، كذلك تأتي في ظل المد الدولي المتسع لروسيا وحضورها النافذ والمؤثر في دول الجنوب، خصوصاً الإفريقية، على حساب الحضور الأميركي، ما ساهم في اتخاذ دول الجنوب موقفاً مسانداً لروسيا بعدم حضورها «قمة زيلينسكي».
وكان البيان الختامي قد أشار إلى أن المشاركين لديهم رؤية مشتركة بشأن ثلاث نقاط أساسية: أولها سلامة المنشآت النووية، بما فيها محطة زابوروجيه، وعملها الآمن «تحت الإدارة السيادية لأوكرانيا بالتوافق مع مبادئ الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت رعايتها»، إضافة إلى رفض «أي استخدام للأسلحة النووية في سياق الحرب المستمرة ضد أوكرانيا».
النقطة الثانية تخص الأمن الغذائي، حيث أكد المشاركون في المؤتمر أهمية عمل الموانئ على البحر الأسود وبحر آزوف من دون أي عائق، ورفض الهجمات على السفن التجارية والموانئ والبنية التحتية المدنية لها.
أما النقطة الثالثة فتتعلق بضرورة «تبادل جميع الأسرى» وإعادة من وصفوهم بـ«الأطفال الأوكرانيين المهجرين بصورة غير شرعية وجميع الأوكرانيين الذين تم احتجازهم بصورة غير شرعية» إلى أوكرانيا.. إضافة إلى الديباجات المعتادة لناحية «تأكيد الالتزام بالامتناع عن استخدام القوة لتهديد وحدة الأراضي أو الاستقلال السيادي لأي دولة، ومبادئ السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي لجميع الدول، بما فيها أوكرانيا، ضمن حدودها المعترف بها دولياً، بما في ذلك المياه الإقليمية، وتسوية الخلافات بوسائل سلمية مثل مبادئ القانون الدولي».
علماً أن هذه الديباجات تبدو أميركا ودول الناتو هي المعنية بها بصورة أساسية باعتبارها هي من يمارس التهديد والاعتداء على الدول.
وحتى موعد القمة المقبلة، التي ربما تكون في السعودية، وعلى أساس تلافي الخطأ الفادح بعدم دعوة روسيا، فإن الآمال لا تبدو كبيرة فيما يخص أوكرانيا، أو على الأقل لن نشهد تسوية في المدى المنظور، لأن بنك الأهداف الأميركية فيما يخص روسيا لم يتحقق منه سوى القليل الذي لا يعتد به لإبعادها عن ساحة المنافسة الدولية من جهة، والأهم إبعادها عن الصين، من جهة ثانية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار