تعيش الصناعة الوطنية واقعاً صعباً من حيث البنية الخدمية والإجرائية، والمستلزمات المرتبطة بكل منتج، الأمر الذي يفرض معاناة متنوعة منها باتجاه الداخل، وكثيراً باتجاه الخارج، وهذا هو العنصر الأهم في مفردات السلع التي تعد نفسها باستهلاك مُرض في الأسواق!
صناعة المياه المعبأة تعيش الواقع نفسه، إلا أنها ليست الوحيدة التي تعاني ضعف القدرة التصديرية، وتحقيق انتشار يتماشى مع أهميتها الاقتصادية، ليس في السوق المحلية فحسب، بل في الأسواق العالمية أيضاً، بل هناك سلع كثيرة تحمل المعاناة نفسها، وتشترك معها بالهموم وتطلق صرخاتها المتتالية، باتجاه أصحاب الشأن وأهل القرار، مهددة بفوات الأوان أمام حالة انفتاح كاملة للأسواق قد تحدث في أي لحظة، لأن المؤشرات كلها ذاهبة بهذا الاتجاه، الأمر الذي يضع الجميع في خانة المسؤولية الوطنية عن تدهور الكثير من المنتجات، وفقدان هويتها ووجودها في أسواق شهدت لها بجودة البقاء ومتانة التصنيع وقوة المنافسة عبر عقود مضت!
وهنا يحضرني منتج يستحق الاهتمام وتقديم كل أشكال الدعم له، لأنه قد يصبح بديل واردات النفط للخزينة العامة، ويكمن في منتج “المياه المعبأة”، الذي تضيع معظم ثروته في البحار والأنهار، وقليلها يستثمر بشكل لا يغطي حاجة السوق المحلية إلا بمساحة ضيقة، والباقي متروك لمعادلات التهريب والاستيراد وغيرها.. وبالتالي هذا الأمر يفرض على صناعة المياه أن تأخذ طريقها باتجاه المزيد من التعقيد، وجملة الصعوبات التي تبدأ من أولى حلقات الإنتاج، وما يتبعها من رسوم مفروضة، وانتهاء بمزايا تشجيع التصدير الخجولة، التي يضيع في متاهاتها العائدية الاقتصادية لهذه الصناعة؟
بالمقابل هناك أسواق مفتوحة بكل الاتجاهات للمستورد والمهرّب على السواء، وهذه مسألة في غاية الخطورة تحتاج إلى مزيد من الاهتمام، لاسيما من أصحاب القرار الاقتصادي والصناعي وحماة الحدود وعقول الجمارك الحيّة وإجراءاتها الصادقة!
فالمشكلة كبيرة، وحجمها أكبر، مقابل صناعة للمياه تموت في معوقاتها ومحدودية انتشارها وضعف مواردها، ومنتج عذب مصنوع من مياهنا المشهود لها بالعذوبة وصلاحية الاستهلاك.. غير مصنوعة من تحليه البحار أو من مصادر قد تكون مجهولة!
وما يثير الاستغراب أن من يروج للأمر هو الجهات العامة نفسها، ، حيث نجد العديد منها يستخدم مياهاً مستوردة ومياهنا غائبة تماماً عن جدول الضيافة، وخاصة في الاجتماعات الرسمية واللقاءات والمؤتمرات، وهذه قضية تحمل الكثير من الدلالات وإشارات الاستفهام، أهمها غياب المسؤولية الوطنية عن مورد اقتصادي كبير يمكن أن يكون الخزان الاحتياطي للخزينة العامة وبديلاً عن قطاع النفط، شرط استثمار المياه التي تذهب الى البحار والأنهار أثناء ذروة الفيضان، ووضعها في خزانات لإعادة تعبئتها لاحقاً، وزجّها في الأسواق مستفيدين من عنصر مهم هو توافر المادة الأولية “المياه” والبيئة الملائمة للتصنيع، والتي يمكن من خلالها تحقيق إنتاجية، وعائدها الاقتصادي يوفر مصادر دخل جديدة تسهم في زيادة الناتج الإجمالي المحلي، الذي تنعكس إيجابيته بصورة مباشرة على تحسين واقع معيشة المواطنين.
والسؤال إلى متى تبقى مياهنا مهدورة، وعائدها الاقتصادي في خبر كان؟!
سامي عيسى
165 المشاركات