جغرافية جديدة في الدراما السورية تنتصر للمدينة
دمشق- لؤي ماجد سلمان:
استطاعت الأعمال الدرامية هذا الموسم أن تخلق جغرافية جديدة في تكوين أعمالها حتى بات المكان جزءاً مهماً من الهوية البصرية وبطلاً شريكاً من أبطال العمل وبغيابه يمكن أن يفقد العمل ركيزة مهمة ويؤثر سلباً على بنيته الدرامية فالمكان لم يعد مجرد إكسسوار بصري نزيّن به العمل الدرامي.. بل يمكن الجزم أن المدن والقرى السورية بمجملها تحولت إلى استوديوهات مفتوحة منذ ما عرف بدراما العشوائيات التي باتت منتشرة في كل عمل درامي وكأنه لازمة مرافقة للأحياء الحديثة التي لا نشاهدها إلا من داخل البيوت الارستقراطية..
المدينة العصيّة
لكن مع ذلك بقيت المدينة عصية على النص الدرامي إذ كانت صورتها نمطية عن مختلف المدن الأقرب للنموذج المجرد من الزمان والمكان إلا بما يتوافق مع القصة وبقيت الأسوار بأنواعها خارج المشهد الدرامي بغض النظر عن نوعه سياسي أو ديني أو اجتماعي ..
مع الأشارة إلى أن المدينة كانت موجودة في أعمال المخرج حاتم علي “عصي الدمع” و”أحلام كبيرة” لكنها جاءت كصورة مرافقة تصور المجتمع فقط حتى قدم نقلة نوعية إلى الريف من خلال مسلسل”التغريبة الفلسطينية” لكن بقيت الصورة والمكان لخدمة القصة الدرامية ومرافقة لها واستطاع المخرج نجدة إسماعيل أنزور تقديم صورة مبهرة جمعت بين الريف والمدينة في مسلسلات مثل: “نهاية رجل شجاع” و”إخوة التراب”.. ورغم أن الصورة كانت أقرب للواقعية في العملين خاصة في مشاهد المينا والبحر والقرية والمدينة، لكنها بعد ذلك كانت سياحية بامتياز رغم تعدد الأمكنة والعوالم خاصة في أعمال الفنتازي: “البواسل، الكواسر، والجوارح”..
كما حاول المخرج باسل الخطيب تقديم جمالية خاصة للجغرافيا السورية عبر السينما وأعماله التلفزيونية فقدم لنا: “هوى بحري” لكن لم يكن للبحر خصوصية إلا من خلال دمج المشاهد المفتوحة على الحكاية.
ترييف المدينة
بينما استطاع الليث حجو تقديم البيئة كبطل أساسي في أعمال متتالية من المدينة المزدحمة بالبشر والمكتظة بالعمران من غير أي رتوش مسلسل كما في “الانتظار” إلى الريف الذي جمع بين البحر والجبل والذي كان غائباً عن معظم السوريين كمسلسل “ضيعة ضايعة” التي حولت قرية (أم الطنافس- السمرا) إلى مزار سياحي فكانت القرية ببساطتها وعذريتها تحمل ثلاث أفكار رئيسية.. الأولى: عدم قدرة أهلها على التناسل شأنها شأن الكثير من القرى السورية التي لم يعد يسكنها إلا المتقاعدون والعجائز ، والفكرة الثانية: رفضها للوافدين الغرباء حتى من القرى المجاورة أو أبناء المدينة الذين يبحثون عن استثمارات اقتصادية وإطلالات لمواقع سكنية.. أما الثالثة: فهي البساطة التي كانت سمة الشخصيات والمكان . لكن بقي مسلسل: “الخربة” صورة عن المدينة المريفة فهو استطاع الخروج من المدينة لكنه لم يصل إلى الريف إلا من خلال بعض العادات والمناظر.
رشا شربتجي خرجت هذا الموسم من عباءة الراحل هشام شربتجي بعد مسلسل “قانون ولكن” المخرج الذي كان يقدس الاستوديوهات المغلقة لاسيما في مسلسسلات: “مرايا، بنات أكريكوز، مبروك، عيلة خمس نجوم، وجميل وهناء” وقدمت هذا العام “ولاد بديعة” في الدباغات بعد أن أخذتها الحارات الدمشقية المسبقة الصنع والمغلقة لتبين لنا ضحالة المدينة على مختلف المستويات في مسلسلات: “الإخوة الأعداء، الزنا، الراقصة؟ والعصابات وغير ها”.
تعويض الصورة
بدوره المخرج سامر البرقاوي كانت أعماله في السنوات الأخيرة خارج الاستوديوهات المغلقة لكن الجانب السياحي لم يطغ على الواقعي كما شاهدنا في”عاصي الزند والهيبة” و استطاع هذا الموسم في مسلسل “تاج” خلق استديو افتراضي تعويضي بيّن معالم مدينة دمشق قبل مئة عام تقريباً.. غير أنه استعان بما تبقى من مبان قديمة وأسواق لخدمة العمل إذ صوّر العمل بعض المظاهر العمرانية التي يفخر فيها السوريون: ” السينما، ساحة المرجة، سكة الحجاز، والمباني “.
وظيفة المكان
اليوم نشاهد كيف استطاع صنّاع الأعمال الدرامية فهم وظيفة المكان ودمجوا بين المكان الافتراضي والواقعي وتجنبوا الاستوديوهات المغلقة والسياحية واقتحموا أماكن جديدة لم تدخلها الدراما سابقاً وبعد أن كنا نسمع من خلال الحوار طبيعة عمل الأسرة أو البطل مثل مسلسل “أبو عبدو الغول” ومعامل المرتديلا أو من خلال الزي الذي يشير إلى المهنة بتنا اليوم نشاهد في مواقع التصوير المكان بكل تفاصيله كما في مسلسل “على صفيح ساخن” ومسلسل “ولاد بديعة . و”مال القبان” للمخرج سيف الدين سبيعي.
من المعروف أن النص يفرض مكان التصوير إلى حد كبير لكن أحيانا كثيرة يفرض الإنتاج على المخرج إيجاد حلول بديلة عوضاً عن صعوبة ووعورة الحركة في المكان لاسيما مع بالمعدات والتكاليف الباهظة وقد شاهدنا في بعض الأعمال التاريخية والأعمال التي تحاكي زمن الاستعمار كيف تحول العمل إلى بيئة شامية وكأن التاريخ ومقارعة المحتل انحصرت بأرض ديار وبركة ماء وشجرة نارنج أو كبادة وبيت مونة وبقيت المعارك مرهونة بالحوارات الإنشائية والعنتريات.