أسعار “البالة” تقترب من أسعار “الجديدة” والفقراء مهددون بالخروج من هذه السوق
تشرين- منال صافي:
فرضت سوق الألبسة المستعملة “البالة” في البداية نفسها كخيار للمستهلكين من ذوي الدخل المحدود بعد ارتفاع أسعار المنتج الوطني وعدم قدرة الغالبية على شرائه، وكخيار للباحثين عن إشباع شغفهم باقتناء الماركات، ورغم أن الجهات الرسمية تقر بأن هذه الألبسة تدخل بطريقة غير نظامية وهي مخالفة، لكنها في واقع الأمر تكتسح الأسواق من دون حسيب أو رقيب، وأصبح كل من لديه رأسمال ويفكر بمشروع يوظفه في هذه التجارة الرائجة نظراً للأرباح التي تحققها.
من قلب السوق
ومع الارتفاع المطرد لأسعار هذه الألبسة يمكننا القول إن شريحة الدخل المحدود مهددة بالخروج منها، رغم أنها كانت الزبون الأول لفترة طويلة، وخلال جولة لنا على هذه الأسواق سمعنا سيدة تجادل البائع على سعر بنطال لابنتها وتقول له إن التسعيرة تقارب سعره فيما لو كان جديداً، فيرد عليها: “أختي هي قطعة أجنبية وتقيلة ما بتلاقي منها بالسوق “، فأجابته: “لكنها مستعملة، وأنت لم تصنعها حتى تفرض السعر الذي تريده” وتركت البنطال من يدها وخرجت لأن السعر لم يناسبها.
سيدة أخرى تبحث في أكوام الملابس علها تجد ما يناسبها ويناسب أفراد عائلتها، تقول: إن الأسعار غير مناسبة أبداً وهي مرتفعة، ولكن الجديد سعره مرتفع وجودته أصبحت منخفضة، وعبرت عن أملها بعودة الصناعة الوطنية إلى ماكانت عليه قبل الحرب الإرهابية على البلاد، لأن المواطن السوري يستحق أن يرتدي ما تنتجه بلاده لا ما ترميه الشعوب من مخلفاتها.
يقول محمود وهو صاحب أحد محلات “البالة”: أدفع شهرياً /٥/ ملايين ليرة ثمن إيجار المحل، وهناك فواتير مياه وكهرباء يجب دفعها، ولدي عمال، أدفع لهم أجورهم كل ذلك يؤدي لارتفاع سعر القطعة.. هناك زبائن يدفعون ثمن القطعة مهما كان سعرها ومن دون نقاش وهم من شريحة ميسورة، أما أصحاب الدخل المحدود فهم يجادلون كثيراً لتخفيض السعر.
التقسيمات الطبقية موجودة حتى في سوق المستعمل فالقطع داخل المحلات أسعارها مرتفعة ولها زبائنها الخاصة بينما يجد الفقراء وأصحاب الدخل المحدود في بالة البسطات ضالتهم، لأن أسعارها أقل، فالقطع التي لا تباع داخل المحلات بعد فترة يكون مصيرها البسطات في الشوارع بأسعار أقل.
حبزة: محلات ألبسة جاهزة بأماكن راقية تبيع ملابس من البالة على أنها أجنبية ومستوردة
أمر حتمي
عبد الرزاق حبزة أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي أوضح في حديث لتشرين أن الألبسة المستعملة “البالة” كانت في وقت من الأوقات الملجأ الوحيد للمواطن الفقير في ظل ارتفاع أسعار الألبسة الوطنية، وتدني نوعيتها من حيث متانة الخيوط ونوع الأقمشة والأصبغة والإكسسوارات، بينما قفزت أسعارها في الأعوام الاخيرة بشكل كبير فأصبح الفقراء غير قادرين على شرائها.
وأضاف: هذه المنتجات وجودها أصبح أمراً حتمياً، وهي تدخل تهريباً وتعرض في الأسواق بشكل علني على مرأى من الجهات الرسمية التي لا تحرك ساكناً، وهي أصبحت أمراً واقعاً، ونحن طالبنا بشرعنتها وقوننتها بحيث تدخل بفواتير نظامية وتحدد أسعارها وأرباحها، مثلها مثل أي مادة أخرى مستوردة، يجب حماية المستهلك الذي قد يتعرض للغبن فعندما يكتشف عيب بالسلعة لا يردها البائع له لعدم وجود أي مستند بأنه اشتراها منه وهناك خلافات كثيرة ومستمرة تحدث بين الطرفين، والحكومة لا توافق على شرعنة الألبسة المستعملة بحجة حماية المنتج الوطني، لكن الوطني أسعاره مرتفعة وجودته متواضعة، اليوم أصبحت الشرائح الميسورة زبائن لدى هذه الأسواق نظراً للأسعار المرتفعة، إذ يتجاوز سعر الحذاء الرياضي في بعض المحلات مليون ليرة، وأصبح البعض يطلق عليها تسمية “بضاعة أوروبية مستوردة”، ويلجأ باعتها إلى غسيل وكي القطع ووضع لصاقة عليها لإيهام الزبون بأنها جديدة وتباع بأسعار خيالية.
وأكد ضرورة مراقبتها من حيث خضوعها لعمليات التعقيم لأن هذه البضائع تسبب انتشار الأمراض، وضرورة تخصيص ساحات وأماكن خاصة لتداولها، فمن غير المعقول هذا الكم الهائل من البسطات التي تملأ الأرصفة وتشوه المنظر العام وتعرقل حركة المارة، مضيفاً إنه في الدول المجاورة هناك أسواق خاصة بالبالة فيها كل شي (ستائر، أغطية طاولات شراشف، وغيرها الكثير من المستلزمات).
وأشار إلى أنه وصل الأمر أن بعض محلات الألبسة الجاهزة في الأماكن الراقية تشتري قطعاً من البالة وتبيعها على أنها مستوردة وأجنبية، لذلك يجب ضبط سوق المستعمل لأنه اقتصاد ظل يضيع الكثير على الخزينة ولا حماية للمستهلك الذي يتعرض للغش والخداع أسف وحسرة.
طيفور :لا يمكن تشريع التهريب ولا يمكن تأييد إكساء المواطن من البالة والأجدى دعم القطاع النسيجي
بالمقابل يرى الصناعي عاطف طيفور أنه لا يمكن تشريع التهريب ولا يمكن تأييد إكساء المواطن السوري بالبالة، والأجدى هو دعم القطاع النسيجي، وعبر عن أسفه أن أقوى دول زراعة وصناعة القطن في العالم، يتحول اغلب شعبها للبالة، وتنخفض صادراتها للهاوية.
وأضاف: قطاع الصناعات النسيجية كان من أهم القطاعات الصناعية في سورية قبل الحرب الإرهابية على بلادنا فكان يساهم بنسبة 27% من صافي الناتج الصناعي غير النفطي وبحوالي 45% من الصادرات غير النفطية، كما يعمل فيه حوالي 30% من إجمالي العاملين في الصناعة، وحوالي 20٪ من المواطنين السوريين، وهناك حوالي 24000 منشأة مختلفة الحجم مسجلة رسمياً تعمل في الصناعات النسيجية عدا المنشآت غير النظامية.
صباغ: نحن مع إعادة دراسة أسعار الألبسة الوطنية وأسباب ارتفاع أسعارها
عواقب وخيمة
من جهة أخرى يرى الصناعي محمد صباغ أن قوننة دخول البالة بشكل نظامي له أثر سلبي على الصناعة الوطنية وانعكاسات لا تحمد على الجزء المتبقي من الصناعات النسيجية، والتي تعمل بشكل لا بأس به، ولنا تجارب في هذا المجال، وهي السماح باستيراد الأقمشة المسنرة في القرار 790 المخصص للصناعيين والتي لا تنتج محلياً، ورأينا دخول بعض الأقمشة التي تنتج محلياً تحت هذا القرار وكان له أثر كبير على الصناعات النسيجية وتباطؤ وتوقف بعض معامل النسيج في حلب وبعض المحافظات، بسبب دخول هذه الأقمشة تحت مسمى القرار 790.
وأضاف: أتوقع أن الأخطاء ذاتها ستحصل تحت مسمى دخول الألبسة المستعملة وسيتم دخول ألبسة “ستوك “، وسيتم اعتبارها ألبسة مستعملة وستؤثر بشكل كبير على هذه المنشآت وتؤدي الى توقفها.. نحن مع إعادة دراسة أسعار الألبسة الوطنية وأسباب ارتفاع أسعارها،
وإيجاد تسهيلات للصناعيين لتخفيض اسعار الألبسة من خلال تخفيض أسعار الكهرباء واستيراد المواد الأولية، وحماية الصناعة الوطنية بدلاً من استيراد البالة وضرب ما تبقى من الصناعة السورية.