ما قالته صناديق الاقتراع!

في أيار الماضي، عندما خسرت المعارضة التركية الانتخابات الرئاسية لم يكن ذلك يعني أنها فقدت كل أوراقها وحظوظها ومكانتها لدى الناخب التركي، كما أن فوز رجب أردوغان في تلك الانتخابات بولاية جديدة لم يكن يعني تحكمه في جميع المفاصل وامتلاكه كل أوراق القوة أو أن الناخب التركي راضٍ عن الأداء.. هذا ما أفرزته الانتخابات البلدية التي شهدتها تركيا أمس وانتهت إلى فوز المعارضة ممثلة بحزب «الشعب الجمهوري» ولا سيما في البلديات الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة التي تقدمت فيها على حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، بما تشكله إسطنبول على وجه الخصوص من معيار الانتصار السياسي الحقيقي والاقتصادي أيضاً للحزبين كما هو معروف.
فتحت نتائج الانتخابات التي فاز فيها «الشعب الجمهوري» بـ35 بلدية مقابل 24 بلدية لـ«العدالة والتنمية» الباب مبكراً أمام تحديات سيواجهها أردوغان طول فترة رئاسته وصولاً إلى رئاسيات 2028، فالمراهنة على الفوز وبالتالي توسيع نفوذه وتعزيز سلطته وطنياً ومحلياً للبحث عن تغييرات دستورية لمنحه ولاية أخرى كرئيس قد خابت، في حين ارتفعت حظوظ المعارضة لإعادة الثقة بها شعبيّاً وتأثير ذلك في المنافسة بين السلطة والمعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
بلا شك أن من شأن نتيجة كهذه أن تترك تداعياتها على مستقبل تركيا في السياسة والاقتصاد داخلياً وخارجياً، بشكل خاص على أردوغان الذي يتجه في علاقاته الخارجية إلى حد التطرف والعدوانية والمراوغة ولا سيما تجاه سورية والجوار الإقليمي، إذ إن هذه النتيجة إذا تمّ ربطها بالرئاسيات القادمة منذ الآن فتعني أن تركيا أردوغان ستدخل في طور سياسات متغيرة بالضرورة لم يتضح بعد إن كانت أكثر تشدداً مما هي عليه الآن أو أقل لكن التغيّر سمة ضرورية خارجياً، فخسارة بلديات لها ثقلها ووزنها السياسي- هذا غير الاقتصادي- تفقد الحزب الحاكم إحدى أهم أوراق القوة المزدوجة داخلياً وخارجياً، وربطاً بذلك فإن النتائج بحد ذاتها أعطت مشهداً سياسياً في الداخل لا بد أنه سيحمل احتداماً بين السلطة والمعارضة في قادم الأيام، هذا إن لم يترافق مع حملة اعتقالات ينفذها الحزب الحاكم كما جرت العادة عند كل عقبة تواجهه وتحت ذرائع جاهزة مسبقاً.
أما إذا نظرنا إلى النتيجة بعين الاقتصاد، فقد كان «الاقتصاد الانتخابي» حاضراً كما جرت التسمية في تركيا، وغلبت الأزمة الاقتصادية التي شهدت ارتفاعاً بمعدلات التضخم إلى 67 في المئة وزيادة أسعار الفائدة إلى 50 في المئة، على كل الوعود التي قدمها أردوغان بتحسين الوضع الاقتصادي، إذ من الواضح أن صوت الاستياء الشعبي معيشياً واقتصادياً كان أعلى من أردوغان ووعوده الانتخابية، التي لم تحُل دون توجيه الانتقادات لسياساته الاقتصادية التي على ما يبدو سيكون لها الفصل في توجهات الناخب التركي حالياً ومستقبلاً.
إذاً.. مبكراً وقبل إتمام السنة الأولى في الرئاسة، يجد أردوغان نفسه أمام واقع جديد وربما أصعب مما كان عليه الوضع قبل وخلال الانتخابات الرئاسية الماضية، فخصومه رغم التشتت في صفوفهم مازالوا قادرين على تغيير المشهد، هذا ما قالته صناديق الاقتراع أمس.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار