بلينكن في زيارته السادسة للمنطقة.. محاولات للبحث عن تهدئة مرحلية في غزة تنقذ رأس بايدن انتخابياً.. والكيان الإسرائيلي يخشى ما بعد رفح
تشرين – هبا علي أحمد:
ليس واضحاً عن ماذا تبحث أمريكا، ولكن الواضح حسب المعطيات أن كيانها المدلل أدخلها في حال من التخبط وتعميق أزمتها داخلياً لناحية السباق الانتخابي ودخول العدوان الإسرائيلي على غزة على خطه، وبالتالي التأثير في حملة الرئيس الأمريكي جو بايدن.. وخارجياً لناحية الضربات التي تتلقاها في المنطقة والمرتبطة بضرورة الحال بجبهة غزة.
التوترات الأمريكية – الإسرائيلية لا ترقي لأن تكون استراتيجية.. وبلينكن يبحث عن وضع حد لها تمهيداً لمرحلة أكثر تعقيداً وتصعيداً في غزة والإقليم
حال التخبط يمكن إدراكها في عدة نقاط منها التوترات القائمة بين الحليفين التقليديين أي واشنطن وتل أبيب، وحول معركة رفح، وفي سياق المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار على غزة، إلى جانب المشروع الأمريكي المنتظر تقديمه في مجلس الأمن الدولي للغرض السابق ذاته، وأخيراً في الزيارة السادسة المرتقبة غداً لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط.
– بلينكن والزيارة
ما يريده بلينكن هذه المرة ليس معروفاً بعد، وبعد الزيارة تتضح الأمور أكثر، والمؤكد أن واشنطن عبر وزير خارجيتها لا تبحث عن تخفيف الوضع الكارثي الإنساني في غزة، ولا في موضوع المساعدات، وإن كنا نعلم مسبقاً أنه سيكون أحد العناوين العريضة، ولا في ردع الكيان عن عملية رفح، لأن العملية متفق عليها بين الجانبين، لكن الترتيبات فقط هي التي تختلف، ربما يبحث بلينكن اليوم موضوع الخلافات الأمريكية – الإسرائيلية والعمل على احتوائها، وبالتالي وضع حد لها، ولاسيما أنها باتت بصورة علنية وعلى مرأى الجميع، وإن كانت توترات مرحلية لا ترقى إلى أن تكون استراتيجية بأي حال من الأحوال (الجانبان لديهما علاقات عريقة كما صرحت الخارجية الأمريكية)، أي تهدئة الوضع للاتجاه نحو مرحلة أكثر تعقيداً وأكثر تصعيداً في غزة وإقليمياً، إذ بات واضحاً أن واشنطن لا تبحث التهدئة إلّا في التصريحات، وإن هي تحتاج التهدئة فهي مرحلية إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، ومن الضرورة إيجاد فاصل زمني في مسار الأحداث في المنطقة ريثما تمرّ هذه المرحلة، ولاسيما أن الأمريكيين هم منْ بدؤوا الحرب كما قالت وسائل إعلام إسرائيلية، وطبيعي أن واشنطن لا تريد إنهاءها، لذلك إن تمّ التوصل إلى اتفاق بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي راهناً فسيكون الأمر بضغط أمريكي يستجيب له الاحتلال لتمرير المرحلة كما أسلفنا.. وعليه سيزور بلينكن مصر والسعودية، وهدف الزيارة كما قيل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وتأمين إطلاق سراح الأسرى.
لن تشن عملية في رفح من دون التشاور مع الجانب الأمريكي، وهذا يعني أن المعركة إذا بدأت قريباً فلا بد أنها بضوء أخضر أمريكي علني وصريح
– بايدن ونتنياهو
احتواء التوترات بين واشنطن و«تل أبيب» بدأ قبل الزيارة المرتقبة لبلينكن من خلال اتصال هاتفي بين بايدن ونتنياهو وبعد«القلق العميق» للأول حول احتمالية إجراء «إسرائيل» عملية عسكرية في رفح «اتفق الجانبان على إجراء مباحثات ثنائية، قريباً في واشنطن، لتبادل وجهات النظر حول الأساليب البديلة التي تستهدف عناصر من حماس الرئيسيين، وتأمين الحدود بين مصر وغزة، من دون تنفيذ عملية كبيرة في رفح» لتصرح الخارجية الأمريكية بالتزامن أن «تل أبيب» لن تشن عملية في رفح من دون التشاور مع الجانب الأمريكي، وهذا يعني إن بدأت معركة رفح قريباً فلا بد من أنها بضوء أخضر أمريكي وموافقة علنية وصريحة.
– المفاوضات في جولتها الجديدة
رغم أن واشنطن تضغط باتجاه إتمام اتفاق بين المقاومة والاحتلال للأسباب التي تمّ ذكرها آنفاً، لكن في الوقت نفسه فإن كل الاحتمالات تبقى واردة، وبالتالي قد لا يتمّ التوصل إلى أي اتفاق، فمن جهة تجري مفاوضات ومن الأخرى معركة رفح باتت لازمة على لسان الاحتلال، وفي سياق المفاوضات بين المقاومة والاحتلال التي انطلقت أمس في الدوحة بغياب الجانب الأمريكي والتي ستستمر لنحو أسبوعين، كشف موقع «أكسيوس» الأمريكي أنّ الرد الذي قدمته حركة «حماس» على اتفاق «باريس2» أتاح التقدم من الإطار العام إلى وضع تفاصيل أدق لاتفاق حول وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى للمرة الأولى منذ أشهر، لكن يزعم الاحتلال أنه لا يزال هناك فجوات بسبب ما تطلبه الحركة بأن ينسحب الجيش الإسرائيلي من الممر الذي أنشأه جنوب مدينة غزة، والذي يمنع عودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع، تتضمن المرحلة التالية من الصفقة وقفاً دائماً لإطلاق النار.
وتضمن ردّ «حماس» الذي قدمته يوم الخميس الماضي إطلاق سراح 950 أسيراً فلسطينياً، من بينهم 150 يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، لكن الاحتلال يرفض هذا الطلب.
– رفح ومعركتها
في خضم كل هذه التقاطعات فإن الوحشية الصهيونية تتفاقم في قطاع غزة ومعها تتفاقم الكارثة الإنسانية، حيث ارتكب الاحتلال الإسرائيلي العديد من المجازر ضد العائلات في مناطق متعددة من قطاع غزة راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى بينهم أطفال، كما شنت طائراته غارات متفرقة استهدفت مخيم جباليا في شمال قطاع غزّة، ومخيم النصيرات في وسطه، ورفح في الجنوب، وأدت تلك الغارات إلى استشهاد أكثر من 20 فلسطينياً وإصابة آخرين، واستهدفت غارات الاحتلال منازل في حي الرمال ومخيم الشاطئ ومحيط مستشفى الشفاء، إضافةً إلى منطقة الميناء غرب مدينة غزة، كما أطلقت دبابات الاحتلال النار بشكلٍ متقطع في المناطق الغربية لمدينة غزّة.
رغم ضغط واشنطن باتجاه إتمام اتفاق بين المقاومة والاحتلال، لكن في الوقت نفسه كل الاحتمالات واردة وقد لا يتمّ التوصل إلى اتفاق
من جهة ثانية، استهدفت طائرات الاحتلال مخزناً للمساعدات تابعاً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» في مخيم جباليا شمال القطاع، ما أدى إلى استشهاد اثنين من العاملين ووقوع عدّة إصابات.
وحول رفح، اعتبرت الخارجية الفلسطينية، تصعيد القصف في مدينة رفح بداية جدّية لتوسيع جرائم «إسرائيل» فيها، بالرغم من وجود أكثر من مليون نازح في المنطقة، من دون إعطاء أي اعتبار لحياتهم.
ورأت الخارجية أن توسيع جرائم الإبادة لتشمل رفح يتزامن مع بداية جولة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن الذي أكد في تصريحاته الأخيرة غياب أي خطة إسرائيلية جدية لـ«حماية المدنيين في رفح وطالب إسرائيل بذلك»، معتبرة ذلك «استخفافاً إسرائيلياً رسمياً بالمطالبات الدولية والأمريكية لحمايتهم وتأمين كامل احتياجاتهم الإنسانية».
المشكلة الأمنية الكبيرة لـ«إسرائيل» في قطاع غزة ليست (رفح) بل في ما سيأتي بعد رفح
إلى ذلك، ذكرت وسائل إعلام العدو أنّ المشكلة الأمنية الكبيرة لـ«إسرائيل» في قطاع غزة ليست رفح، بل في ما سيأتي بعد رفح، وقال موقع «يديعوت أحرونوت»: عاجلاً أم آجلاً، إذا لم يخشَ نتنياهو ردّ المجتمع الدولي، فإنّ الجيش سيبدأ بإجلاء السكان المدنيين من المدينة ومحيطها.
وأشار الموقع إلى أنّ إصرار نتنياهو على الامتناع عن نقاش حقيقي واقعي لـ «اليوم التالي» لرفح قد يُدخل «إسرائيل» في ورطة عسكرية وسياسية وفي مستنقع من غير الواضح كيف نخرج منه.