أميركا «تشترط» على الكيان هجوماً على رفح يُناسب وضعها الإقليمي.. وتساؤلات عن موقع «ميناء غزة المؤقت» على خريطة ترتيبات أميركية جديدة في المنطقة
تشرين – مها سلطان:
عادت الأنظار لتتركز على رفح بالتوازي مع التركيز على «ميناء غزة الأميركي»، علماً أنه لا يمكن بأي حال القول بأن التركيز غاب عن رفح، حيث إن استمرار التهديدات الإسرائيلية، بصورة يومية، بأن الهجوم على رفح قائم وبشكل لا يمكن الرجوع عنه، يُبقي التركيز مستمراً على رفح وإن كان الميناء الأميركي استحوذ على جزء كبير من التركيز منذ الإعلان عنه في خطاب حال الاتحاد للرئيس الأميركي جو بايدن يوم الجمعة الماضي.
وكان الحديث عن الميناء سابقاً لخطاب بايدن بعدة أيام قبل أن يتحول إلى صورته الرسمية في ذلك الخطاب، وعليه فإن الجدل يتواصل حول أهدافه، المُضمر منها والمُعلن، وإن كان أي أحد تقريباً لا يشك بخبث الأهداف والنيات من خلفها مادام ذلك يتم بثنائية أميركية – إسرائيلية.. وفي كل الأحول ولأن عمليات الانتهاء من الميناء تستغرق شهرين، كما يُصرح الأميركيون، فهذا يعني تمديداً أميركياً للعدوان على غزة شهرين جديدين، عسى ولعل أن يستطيع الكيان الإسرائيلي خلالهما تحقيق ما يمكن أن يمهد لإنهاء العدوان من دون دمغه بالهزيمة الكبرى.. أو أن تستطيع أميركا نفسها تحقيق ما ترمي إليه من وراء هذا الميناء الذي يتجاوز بدوره المستقبلي غزة إلى ترتيبات إقليمية تعمل عليها واشنطن منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى في الـ7 من تشرين الأول الماضي، وهي ترتيبات اكتسبت زخماً أكبر وتركيزاً مختلفاً لناحية التكتيات في التعامل مع منطقة باتت تشكل معضلة حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.
عودة التركيز على رفح
إذاً، عاد التركيز على رفح إلى ما كان عليه قبل الميناء الأميركي، مع تأكيدات جديدة للكيان الإسرائيلي باقتراب الهجوم على رفح، ومع تحذيرات مصرية جديدة، ومع ما كشفته صحيفة «بوليتيكو» حول أن إدارة بايدن أبلغت الكيان بنوع العملية التي ستدعمها في رفح، حيث يزعم بأن فصائل المقاومة باتت تتمركز في رفح جنوب قطاع غزة على الحدود المصرية.
واشنطن تخشى من التداعيات الإقليمية للهجوم على رفح وليس على حياة
الفلسطينيين لذلك هي تطالب الكيان بخطط واضحة تريدها مفصلة على قياس رفح
وحسب «بوليتيكو» فإن واشنطن «تشترط» على الكيان تجنب عدوان واسع النطاق على رفح مقابل أن تدعمه في«ضرب أهداف ذات قيمة عالية لحماس». وقالت: إن الخط الأحمر الذي رسمه بايدن قبل نحو أسبوع هو أنه لا ينبغي لـ«إسرائيل» بعد الآن مواصلة حملتها من دون وجود خطط موثوقة لحماية المدنيين، وأنه ما زال يتعين على جيشها وضع مثل هذه الخطط.
لكن الصحيفة تزعم بأن الخلافات ما زالت قائمة بصورة كبيرة حول هذه الخطط، حيث تكتظ رفح بحوالى مليون ونصف مليون فلسطيني من أهلها ومن النازحين إليها، وترى أن أميركا تريد تجنيب «إسرائيل» وتجنيب نفسها حرجاً دولياً أوسع يُضاعف الغضب العالمي من الحرب على قطاع غزة.
وتنقل الصحيفة تشكيك مسؤولين أميركيين بإمكانية مضي الكيان قدماً في الهجوم على رفح، أو أن يكون الهجوم وشيكاً بزعم أن هذا الهجوم يحتاج إلى تموضعات عسكرية على الأرض، وهو ما لم ينفذه الكيان بعد.. وعليه فإن هؤلاء المسؤولين قرؤوا ذلك من باب أن الكيان يأخذ التحذيرات الأميركية في الاعتبار، لكنهم في الوقت ذاته يرون أنه لا يمكن التنبؤ بما سيفعله وإن كانت الرسالة الأميركية وصلته، وهو سمعها جيداً.
تحذير مصري جديد
وتواصل إدارة بايدن العزف على الجانب الإنساني في مسألة ترددها في دعم الهجوم على رفح، لكن لا يخفى على أحد أن واشنطن تخشى من التداعيات الإقليمية للهجوم، وليس الخشية على حياة الفلسطينيين الذين يكابدون المآسي منذ أكثر من خمسة أشهر، موتاً وجوعاً ودماراً، مع استمرار العدوان الإسرائيلي.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قد جدد يوم الثلاثاء الماضي بأن بايدن لن يدعم هجوماً على رفح لا يحمي المدنيين، مشيراً إلى أن البيت الأبيض لم يرَ بعد خطة يمكن الوثوق بها لتنفيذ ذلك.
يأتي ذلك فيما جدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التحذيرات أمس الأربعاء من الهجوم على رفح، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، في القاهرة.
وقال الرئيس السيسي: إن هذا الهجوم يهدد حياة أكثر من مليون ونصف مليون نازح فلسطيني لجؤوا إلى المنطقة، مشدداً على حتمية الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء العدوان الإسرائيلي الذي «يمثل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».
كذلك حذر الرئيس السيسي من التصعيد في الضفة الغربية من خلال إطلاق العنان لعنف المستوطنين والأنشطة الاستيطانية، مؤكداً أن معاناة الشعب الفلسطيني لن تتوقف سوى بالاعتراف بدولة فلسطينية، وأن التسويف في هذه المسألة يعرض المنطقة والعالم بأسره «لمخاطر عدم الاستقرار».
وشدد الرئيس السيسي على تحذيرات مصر المستمرة من الهجوم على رفح، مؤكداً أن الكيان يتحمل المسؤولية القانونية الدولية لحماية مليون ونصف مليون فلسطيني يوجدون في رفح.
«الرد الإسرائيلي»
ويأتي التحذير المصري الجديد عقب تهديد جديد أطلقه يوآف غالانت وزير ما يسمى الأمن القومي الإسرائيلي بـ «الوصول إلى كل مكان في غزة بما في ذلك رفح»، بينما قال بيني غانتس عضو مجلس الحرب الإسرائيلي: إن المجلس موحد بشأن ضرورة تنفيذ عملية برية في رفح.
جديد الهدنة مقترح أميركي جديد هدفه تبرئة الكيان من مسؤولية عرقلة التفاوض وتخفيف
الضغوط الداخلية و«الدولية» عليه.. والكيان يعوّل على «هجوم رفح» لإغلاق ملف الرهائن
بالتوازي، جدد متزعم حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، أنه لا تراجع عن الهجوم على رفح «رغم الرفض الدولي» وقال: إن الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل في جميع أنحاء القطاع، وهذا يشمل رفح أيضاً، مضيفاً: من يطلب منا عدم العمل هناك فهو يقول لنا اخسروا الحرب، وهذا لن يحدث أبداً.
وكان مسؤولون عسكريون إسرائيليون قد صرحوا، قبل أيام، بأن «العمليات في خان يونس جنوب قطاع غزة على وشك الانتهاء، وأنه من المتوقع أن يتخذ الجيش في الأيام المقبلة قراراً بشأن الهجوم المحتمل على رفح».
جديد المفاوضات
أما جديد مفاوضات الهدنة فيبدو أن إدارة بايدن طرحت مقترحاً جديداً، ترمي من ورائه إلى إحراج المقاومة الفلسطينية ووضعها في خانة من يعرقل مسار التفاوض.. هذا ما يُفهم من تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس، حيث أشار في مؤتمر صحفي بمقر وزارة الخارجية في واشنطن إلى وجود «مقترح أميركي على الطاولة لوقف إطلاق النار»، متسائلاً بخبث: «هل ستوافق حماس؟».
واعتبر بلينكن أن أفضل طريقة فعالة لتعزيز المساعدات إلى غزة هي وقف إطلاق النار، وقال: إن بلاده تعمل كل يوم وساعة لتحقيق صفقة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
هذه التصريحات لا تختلف عن سابقاتها ولا عن غيرها من تصريحات المسؤولين الأميركيين التي تبرىء الكيان من مسؤولية عرقلة التفاوض، والتي بدورها تسهم في تخفيف الغضب المتصاعد في الداخل الإسرائيلي ضد نتنياهو وحكومته ومجلس حربه، حيث يصعد أهالي الرهائن ضغوطهم باحتجاجات عارمة، لكن كما يقولون بأن «لا أحد مهتماً بلقائهم» لا حكومة نتنياهو ولا مجلس الحرب.
وكانت فصائل المقاومة قد جددت تأكيدها بأنه لا اتفاق أو صفقات تبادل أسرى إلى بوقف شامل لإطلاق النار وضمان ألا يعود الكيان الإسرائيلي إلى مواصلة عدوانه على القطاع.
جبهة البحر الأحمر
بالتزامن، تستمر «الجبهات المساندة» في تحقيق المزيد من الإنجازات الميدانية ضد الكيان، وبما يدفعه إلى مزيد من «الاغتيالات» هرباً من ضغط هذه الجبهات الذي يُضاعف حدة الهزيمة من جهة، ويفاقم حدة الانقسام الداخلي من جهة أخرى.
وفيما يرد الكيان بتصعيد خطر شمالاً يهدد بتوسيع غير محسوب لجبهة غزة إقليمياً، يبدو أن إدارة بايدن تتجه لمزيد من التوسط والتفاوض جنوباً «أي الجنوب الإقليمي على جبهة البحر الأحمر».
وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، يوم أمس، ومنها هيئة البث الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة أجرت محادثات سرية مع إيران «لإقناعها بالضغط على المقاومة اليمنية لوقف الهجمات في البحر الأحمر».
ولم تفصّل هذه الوسائل في تفاصيل المحادثات ولا مجرياتها أو مستوى المسؤولين الذين أجروها، ولا ما توصلت إليه.. لكن وبكل الأحوال يبدو أنها لم تكن مفاوضات ناجحة على اعتبار أنها جرت خلال شهر كانون الثاني الماضي، بينما تتواصل الهجمات اليمنية وتتوسع في البحر الأحمر وبشكل يومي، «علماً أن هذا ليس بالكشف الجديد حيث إن الكثير من التقارير تؤكد أن واشنطن تسعى بصورة مستمرة إلى فتح باب إيران للتوسط على جبهة البحر الأحمر، فيما ترد إيران بأن قرار هذه الجبهة هو بيد اليمنيين فقط».
وفي اليومين الماضيين أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سنتاكوم) تعرّض مدمرة في البحر الأحمر لقصف يمني، بينما أعلنت المقاومة اليمنية مهاجمة سفينة أميركية بعدة صواريخ، مؤكدة «أن عملياتها ستتصاعد خلال شهر رمضان الجاري نصرة للشعب الفلسطيني في غزة».