في الرحلة الشّامية (1).. حزب البعث العربي الاشتراكي.. شعبة المدينة الأولى
تشرين- ادريس هاني:
دُعيت للالتحاق بوفد جمعية البندقية، إلى دمشق، في رحلة مرهقة، لكنها ماتعة، لأنّها دمشق مجدداً بعد طول انتظار، ليكون المستقر بشارع المستقيم، الممشى التاريخي لبولس الرسول، دمشق القديمة تنتعش عراقة، ببيت زماني، ينقلك إلى البيوت الدمشقية القديمة، هناك ليس بعيداً عن باب توما، يستقرّ بنا النوى، هنا شعرية المكان، أطياف باب الحارة، مع مغنية الأوبرا البولاندية العالمية دومينكا زمارا ود، سناء نائبة رئيس جمعية البندقية وغياب باولو الذي كان من المفترض حضوره في هذه الملحمة، ورفقة الصديق الدكتور غزوان رمضان من مكتب الإعداد في القيادة المركزية لحزب البعث، جئنا لنرسل صوتاً أوبرالياً من دمشق، معلنين انتصاراً كان مفعولاً.
كانت المحطّة الأولى شباب البعث شعبة المدينة الأولى، شباب متوثّب ترتسم على ملامحه صورة مستقبل صامد، شباب احتوى الضربة بقوة، لكنه راكم من الوعي ما بدا لي أنّ القادم هو الولادة الثانية لقلعة الصمود التي تنكأ جراحها بتفاؤل قلّ نظيره في تاريخ النكبات، في تلك المسامرة الجميلة، نطق مناضلو الحزب بما يعزز الأمل بالمستقبل، التطلع إلى الغد، تحويل الأزمة إلى عبرة ومن ثمّ العبور إلى مرحلة البناء والتنمية والتعايش السلمي، دمشق التي عرقلوا وثبها التنموي، وكادوا من أجل إيقاف وتيرتها التنموية العالية في صمت من كان يستقل بقراره السياسي والاقتصادي، ورشات مفتوحة لم تجد فرصة لإكمال مهمّتها، لأنّ الحرب فُرضت على سورية بغتة لإيقاف مسارها التنموي بشعارات سيقرؤها التاريخ يوماً بالكثير من فنّ الإضحاك، لكننا قرأناها كذلك استباقياً، مسامرة نظرية على وقع حيوية وبشاشة الرفيق شاذي حكمت الخيمي أمين شعبة المدينة الأولى لحزب البعث العربي الاشتراكي.
شيء كان حاضراً، لم يجعل احتفاءنا تامّاً، فالوجع ما زال يسكن بين الضلوع، والشعب السوري كما قادته متألّمون لما يجري في غزّة، إنها حاضرة بقوة، الفرق أنّهم أدركوا أنّهم دفعوا الثمن من قبلُ نتيجة الموقف التاريخي من القضية، حينما يتحقق الوعي، تتحقق معه الإرادة الواعية، إنّ عروبة دمشق لا اعوجاج فيها، وهي ما زالت بطراوتها تتطلّع إلى انبعاث ميثاق عربي لطالما تعرّض للتجاهل والبتر والنسيان.
كان في الاستقبال لفيف من الرفاق والرفيقات، أساتذة ومخاتير وأطر.
لم نكن في حاجة إلى بطاقة تعريف، أهل الشام النشامى يعرفون التفاصيل، يميزون بين الصديق والعدوّ، وكذلك ما بينهما من البرّمائيين المتزحلقين، كان يهمّني أن أرى بسمة الياسمين تعود شيئاً فشيئاً إلى تلك الثغور، شباب الحزب باتوا مدركين لمهمّتهم التاريخية، والأهم أنهم مدركون للخط الفاصل بين الاستقامة الأيديولوجيا والزيف الطارئ على سرب الأفهام الطائشة، في ليل عربي أليل، إنها معركة وعيّ أدركوا حكايتها منذ اليوم الأوّل، لقد انتصرت إرادة البقاء على ثقافة الموت والخراب، لم يستطع الإرهاب الملوّن أن يمنع تلك الولادة الجديدة، أجل، دمشق بخير، من حيث مقوّمات الصمود والبقاء والتفاؤل المرسوم على وجنتيها، إذ ها هي تتهيّأ لارتداء فستان مُستقبلٍ بهيّ، بعد عشرية الموت والخراب.