عطية: منظمة حظر الأسلحة الكيميائية غير مؤهلة لتحقيق الغرض منها ويستخدمها الغرب لتنفيذ أجنداته السياسية
أكد مندوب سورية الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية السفير ميلاد عطية أن سورية بذلت قصارى جهدها، وعملت بكل جد والتزام ومصداقية وشفافية ونفذت كل ما يترتب عليها من التزامات بموجب عملية انضمامها إلى الاتفاقية لكن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها عملوا على استخدام هذه المنظمة لتنفيذ أجنداتهم السياسية العدوانية ضد سورية.
ولفت عطية في بيان خلال افتتاح الدورة الخامسة بعد المائة للمجلس التنفيذي التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أن سورية واجهت حملة غير مسبوقة تاريخياً من التشكيك والاتهامات الباطلة بعدم التعاون مع المنظمة وأمانتها الفنية، وبأنها تخفي أسلحة كيميائية، ولكنها تعاونت مع الأمانة الفنية للمنظمة وقدمت كل التسهيلات لفرقها، وخير مثال على ذلك التعاون والتسهيلات التي قدمتها سورية لفريق تقييم الإعلان خلال جولتي المشاورات رقم 25 و26 اللتين أسفرتا عن حل ثلاث مسائل عالقة في الإعلان الأولي السوري، وهذا التعاون وما نتج عن المشاورات بين الجانبين، يُثبت بالدليل القاطع كيف عملت الدول الغربية على استباق نتائج تلك المشاورات الجارية بين سورية وفرق الأمانة الفنية، وكيل الاتهامات المُسيسة الباطلة ضد سورية.
وقال عطية: “لقد باتت التجربة السورية ولاحقاً الروسية، وقبلهما خوسيه بستاني مع المنظمة، دليلاً قاطعاً كيف عملت بعض الدول الغربية على تسييس عمل هذه المنظمة وحرفها عن الأهداف التي أُنشئت من أجلها، وهناك الكثير من الأدلة لا يتسع المجال لذكرها في هذا البيان” مشيراً إلى أن شكل اعتماد وتمرير قرار الدورة الاستثنائية الرابعة لمؤتمر الدول الأطراف في حزيران عام 2018 وما نتج عنه من إنشاء فريق غير شرعي يخالف نصوص الاتفاقية ويعد نقطة فاصلة في تاريخ هذه المنظمة رغم أن أغلبية الدول الأعضاء طالبت بوصفها الهيئة المُنفّذة للاتفاقية بالتنفيذ الأمين والنزيه وغير التمييزي لما تنص عليه الاتفاقية.
وبيّن عطية أن بعض الدول الغربية اعتادت فرض إملاءاتها على بعض الدول الأخرى ورفض سماع أي رأي يخالف توجهاتها وما لا يخدم أجنداتها السياسية، حتى لو تطلب الأمر ترجمة ذلك عبر العدوان المباشر على سيادة الدول الأخرى وبشكل يخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ويخالف نصوص هذه الاتفاقية، كما حصل في العدوان الأمريكي- البريطاني- الفرنسي على سورية في نيسان 2018.
وجدد عطية موقف سورية المطالب في أكثر من مناسبة بأن تقوم الأمانة الفنية للمنظمة بالولاية المنوطة بها بموجب الاتفاقية وأن تلتزم بما تنص عليه الاتفاقية في الفقرة 46 من المادة الثامنة، وأن تتعامل بمهنية ونزاهة بعيداً عن الضغوط، مبيناً أن ما حصل في جلسة الإحاطة يوم 29 شباط وللمرة الثانية من منع الوفد السوري شرح وجهة نظره في جلسة مخصصة للملف الكيميائي السوري يؤكد أن بعض موظفي الأمانة الفنية هم جزء من حملة الدول الغربية العدوانية ضد سورية.
وقال عطية: “لقد حولت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى ساحة لتصفية حساباتها الجيوسياسية العدوانية الاستعمارية حيث أضحت استقلالية هذه المنظمة على المحك، ونقول بكل وضوح، لم تعد المنظمة مؤهلة لتحقيق الغرض منها في ظل هذا الواقع، وبات من الصعب استعادة مصداقيتها وقيامها بإنجاز المهام المنوطة بها”.
وتابع عطية: “نتيجة التدخل السياسي من الدول الغربية تواجه المنظمة حالياً أزمة مصداقية وخلافات واستقطاب وانقسامات داخلها وتستكمل هذه الدول نهجها باعتماد قرارات مسيسة تستهدف دولاً أطرافاً في الاتفاقية من خلال اللجوء إلى التصويت، وخير مثال على ذلك، القرار المُسيس الذي تم اعتماده من خلال التصويت في الدورة الـ 28 لمؤتمر الدول الأطراف ضد سورية، هذا القرار المُثير للجدل للغاية الذي لا يعكس إرادة الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة الكيميائية، بل يعكس إرادة 69 دولة فقط من أصل 193 دولة”.
وأضاف عطية: “إن هذا القرار الذي يتعارض مع ولاية المنظمة وبُني على فبركات وأكاذيب وخداع وتضليل واتهامات باطلة لا أساس لها، يمثل خطوة خطيرة أخرى نحو فقدان هذه المنظمة لمصداقيتها ويعمل على تحقيق أغراض تتعارض مع أهداف المنظمة، بينما تُشير نتيجة التصويت إلى أن أكثر من ثلثي الدول الأطراف في الاتفاقية يرفض هذا النهج والسلوك الغربي الهدام”.
ولفت عطية إلى أن ما يجري في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هو جزء من عمليات الخداع ذات الدوافع الجيوسياسية التي تم تنفيذها قبل ثلاثة عقود في العراق وغيرها من الأماكن الأخرى في العالم، والشواهد كثيرة، وقال: “في دليل إضافي آخر جديد، عملت الدول الغربية على إبعاد الاتحاد الروسي عن عضوية المجلس التنفيذي بشكل يخالف ما تنص عليه الاتفاقية في الفقرة الفرعية (ج) من البند 23 من المادة الثامنة”.
وشدد عطية على ضرورة دعم طلب دولة فلسطين في التحقيق بحوادث استخدام الكيان الصهيوني للأسلحة الكيميائية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مطالباً الأمانة الفنية بالتحرك والقيام بمهامها وفقاً لولايتها، كما تحركت في أماكن أخرى، وقال: “إن التذرع بعدم وجود أدلة وأن الوضع الأمني لا يسمح بالتحقيق هو أمر غير مقبول ويكشف الازدواجية في المعايير، والسؤال: هل قامت فرق التحقيق التابعة للأمانة الفنية بزيارة مواقع الحوادث المزعومة في سورية؟ الجواب لا، وللمعلومات فقط، كل التقارير التي صدرت عن المنظمة في حوادث مزعومة في سورية لم تقم فرق المنظمة بزيارة مواقع تلك الحوادث على الإطلاق”.
وبيّن عطية أن بعض تقارير فرق التحقيق التابعة للمنظمة يستشهد بما أكدته سورية ودول أخرى بأن التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيمي “داعش وجبهة النصرة” استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد السوريين في أكثر من حادثة للتدليل على صحة استنتاجاتها، كما تقول الأمانة الفنية للمنظمة في مذكرة لها صدرت بتاريخ 27 أيلول 2023 بأن سورية زودتها بأكثر من 200 رسالة عن محاولات الإرهابيين التحضير لفبركة حوادث استخدام للمواد السامة كأسلحة لاتهام الحكومة السورية بها.
وقال عطية: “إن هذا التناقض والازدواجية يدعو للاستغراب والاستهجان، فقد تجاهلت الأمانة الفنية بشكل مُتعمّد كل ما قدمته سورية من معلومات وأدلة في تلك المذكرات، بينما تستشهد بما تقوله سورية ودول أخرى عن امتلاك الإرهابيين في سورية للأسلحة الكيميائية واستخدامهم لها، كما تتجاهل الأمانة الفنية للمنظمة، كل التقارير الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة وتلك التي تُقدمها اللجان والفرق المتخصصة إلى مجلس الأمن والتي تؤكد جميعها بأن التنظيمات المدرجة على قوائم مجلس الأمن ككيانات إرهابية مثل تنظيمي “داعش وجبهة النصرة” قد تمكنت من امتلاك أسلحة متطورة ومنظومات جوية استخدمها الإرهابيون في مناسبات متعددة بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، كما تقوم بتصنيع وتطوير وإنتاج صواريخ وقذائف هاون كيميائية”.
وأكد عطية أن النهج الذي تتبعه الدول الغربية هدفه إبعادِ أيّ تهمة أو شبهة عن الإرهابيين في سورية بإمكانية حيازة أو استخدام أسلحة كيميائية والتغطية على جرائمهم، وإثبات الاتهامات الباطلة لسورية باستخدام أسلحة كيميائية، وهذا بحد ذاته مخالفة صريحة لأحكام الاتفاقية ولقرار مجلس الأمن 2118 الذي أكد أن على جميع الدول الأعضاء أن تمتنع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم للجهات من غير الدول التي تحاول استحداث أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية ووسائل إيصالها، كما يدعو جميع الدول الأعضاء ولا سيما الدول الأعضاء المجاورة للجمهورية العربية السورية إلى إبلاغ مجلس الأمن على الفور بأي انتهاكات لهذه الفقرة.
وأشار عطية إلى أن الدول الغربية قدمت كل أنواع التسهيلات والدعم والغطاء للمجموعات الإرهابية في سورية، ولا تزال تقوم بهذا الدور لغاية الآن في خرق واضح لكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمحاربة الإرهاب ولقرار مجلس الأمن رقم 2118 لافتاً إلى أن المعاقل المتبقية للإرهاب الدولي على الأراضي السورية تنتشر في المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلالين الأمريكي والتركي.
وجدد عطية تأكيد موقف سورية بأن اختبار مهنية فرق المنظمة ونزاهتها ومصداقيتها، هو رهن تجاوزها للعيوب المرتبطة بنهج وطرائق عملها واحترامها لأحكام الاتفاقية والالتزام بالمعايير المهنية وإثبات عدم انحيازها في التقارير التي ستصدر عنها، إذ كيف يمكن أن تكون تقارير هذه الفرق ذات مصداقية وهي تخالف الإجراءات والأحكام الواردة في الاتفاقية.
وقال عطية: “تُعيد الجمهورية العربية السورية التأكيد على موقفها الثابت من فريق التحقيق وتحديد الهوية منقوص الشرعية والذي أُعطي ولاية تخالف نصوص الاتفاقية، ولهذا فإن سورية إلى جانب دول أخرى لا تعترف بشرعية هذا الفريق وعمله وترفضُ أي مخرجات صدرت أو تلك التي ستصدر عنه مستقبلاً انطلاقاً من احترامها وتقيدها والتزامها بنصوص اتفاقية الأسلحة الكيميائية”.
وبيّن عطية أن تحقيق عالمية اتفاقية الأسلحة الكيميائية يمثل خطوة مهمة في ضمان إقامة نظام عالمي فعّال ضد الأسلحة الكيميائية لكن هذا الأمر لن يتحقّق من دون إلزام “إسرائيل” بالانضمام إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية وبقية الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، مشيراً إلى أن تصريح أحد وزراء حكومة الاحتلال بأن أحد الخيارات هو ضرب غزة بالسلاح النووي يؤكد ما دأبت “إسرائيل” على إخفائه حول حقيقة امتلاكها لهذا السلاح خارج أنظمة الرقابة الدولية بدعم من حلفائها في الإدارة الأمريكية وبعض الدول الغربية، الأمر الذي يشكل تهديداً جدياً للأمن والاستقرار وحياة شعوب المنطقة.