البداية من الدفع الإلكتروني.. أتمتة سير العمل والسير في مفهوم الحوكمة طريق الإصلاح الإداري الحصري
تشرين- حيدرة سلامي:
من أجل المساهمة مع الحكومة الإلكترونية في صنع الرفاهية الإدارية للموظف والمواطن ومن أجل فهم الدور القانوني الذي سيلعبه الدفع الإلكتروني في المرحلة القادمة في بلادنا يجب أن نوضح الفرق اليوم بين مفهومين دامغين في إدارة حياة الدول المعاصرة وهما مصطلح الحكومة الإلكترونية والحوكمة الإلكترونية.
الحوكمة الإلكترونية ظهرت لملء الفراغ والثغرات التي حصلت حديثاً في منظومة الحكومة الإلكترونية وبسبب اتفاق الخبراء على صعوبة وضع تعريف يفرق بين المفهومين، سنذكر الفرق في التطبيق العملي بينهما..
لا بد من شبكة مالية تنظم عمل المؤسسات والأفراد معتمدة وسريعة بتدفق الأموال وذكية قادرة على أن تجري عمليات المقاصة، من دون أن تصنع التأخير أو المديونية أو أن تفتح مجالاً للتهرب الضريبي
عملية الدفع الإلكتروني هي أحد مخرجات الحوكمة الإلكترونية التي تعنى بأتمتة سير العمل وتحقيق النزاهة والشفافية وديناميكية العمل والحلول والقياس في صياغة العملية الإدارية داخل دوائر الدولة.. والحوكمة هي التي تعطي نتائجها العملية للحكومة الإلكترونية، التي تكون مسؤولة عن حماية المواطن، من خلال بوابة الدفع الإلكتروني، وبذلك يتكامل العمل في المنظومة الإدارية التقنية.. وهذه المنظومة، التي سيتكافل ضمنها عمل هاتين المنظومتين، هي باعتقاد المختصين، ستكون نهاية حقبة الروتين الإداري التقليدي.
لماذا الدفع الإلكتروني هو البداية؟
يعد قانون الدفع الإلكتروني أكثر من مجرد طريقة لدفع الفواتير، بل يمكننا أن نقول إنه هو أول الطريق في صنع القاعدة المالية للمواطنين، في مرحلة الاقتصاد الإلكتروني، الذي سيعتمد نظام المدفوعات المباشر غير الوثائقي، أي إنه سيحدث شبكة مالية ذكية قادرة على تغطية حاجات المواطنين، ليس في تنظيم المدفوعات والفواتير فقط، بل لاحقاً في تنظيم الإنفاق والصرف عموماً، أي ما يمكننا أن نطلق عليه إدارة المنظومة المالية داخل الحكومة، حيث تعد هذه السوق المالية الداخلية النشطة حجر الزاوية في صنع المرحلة القادمة، لأن النظام الإداري الجديد يختصر العمل التقليدي بثلاث خطوات، هي: التبيلغ، الدفع وتقديم الخدمة.
أي لا بد من شبكة مالية، تنظم عمل المؤسسات والأفراد، وتكون معتمدة وسريعة بتدفق الأموال، وذكية قادرة على أن تجري عمليات المقاصة، من دون أن تصنع التأخير أو المديونية، أو أن تفتح مجالاً للتهرب الضريبي.
بيروقراطية الطوارىء
لعل من أهم التحديات التي تواجه النظام الإداري، هي بيروقراطية الطوارىء، إذ تستند تلك الإجراءات المكتبية والإدارية، التي تم العمل بها ضمن فترة الطوارئ، إلى تقنين منح التسهيلات لمعاملات المواطنين لمصلحة تحقيق المصلحة العامة.
ومع أن هذا الطريقة جيدة من حيث المبدأ، لأنه تم اعتمادها خلال سنوات الحرب على سورية، وذلك لضبط الغش والتلاعب في حالة الفوضى، إلا أنها اليوم جعلت العمل الإداري يخسر الكثير من المرونة في تقديم الخدمات، بل إنه يعوق بعضها أيضاً، من دون أن يكون وراء هذا التمنع سبب يحمي المصلحة العامة، بل هو غالباً مجرد نقص، أو زيادة في تطبيق نصوص اللوائح الإدارية بشكل غير مدروس، وإن كان ذلك ينم عن شيء، فهو أنه ناتج عن عجز التشريع الإداري، وهذا العجز في المنظومة التقليدية يهدر الكثير من الأموال والمصالح، التي من الممكن أن تحصل عليها الخزانة العامة، فإذا تشعبت القيود القانونية على العمل الإداري، ووضعت إشكاليات إدارية جديدة، فتكون بذلك قد منعت أيضاً تدفق أموال المستثمرين والأفراد، وجعلتهم يتوجهون بأموالهم إلى أماكن أخرى، في ظل فترة نحن في أمسّ الحاجة فيها إلى رأس المال.
السلاسل الإدارية المعقدة والأرشفة
هي التحدي الثاني أمام النظام الإداري بشكل عام، وفي أي دولة، يكون من أخطر نتائج سلوك هذه الطرق الإدارية، على المدى الطويل، هو ظهور التسلسل على المعاملات الإدارية، فقد أصبحت المنظومة الإدارية في سورية قائمة على نظام السلسلة الإدارية في تمرير المعاملات بالدوائر، وأصبحت دوائر الجهة الإدارية التي تقدم الخدمة للمواطنين حلقات ضمن هذه السلسلة، والإجراءات التي تتبعها هذه الدوائر معقدة وطويلة للغاية ودقيقة جداً، لا تحتمل الخطأ أو النقص، فأصبحت المعاملة تحت خطر الاعتراض أو الأرشفة، أي التوقف للبت بأمرها، وذلك حتى قبل أن يتم طرحها على الدائرة، فبمجرد أن تتوقف المعاملة في هذه الدوائر حتى تنقطع السلسلة، أو يعزف المواطن عن المتابعة، لما تتخذه هذه الإجراءات من وقت طويل وصعوبة في التنفيذ.
مبدأ احترام الحقوق المكتسبة وتوازي الأشكال
كتحدٍّ ثالث، لم يعد من الممكن في النظام الداخلي للمؤسسة الإدارية، أن تتخلص من هذه الإجراءات التي باتت عبئاً على العمل، ففي المنظومة التقليدية، تصدق الوثائق بالتواقيع والأختام التقليدية على عدة مراحل، وما إن تكتسب هذه الأوراق الرسمية الأختام، حتى تترتب عليها آثار مادية على الواقع المحسوس، فيستحيل حينها إصدار قرار بإلغاء أثرها، ومن الصعب على أي نظام إداري أن يلغي لوائحه الإدارية بلوائح أخرى، أو أن يصدر لوائح إدارية تقضي بإبطال العمل بالإجراءات المتبعة ضمن الدائرة، لأن ذلك سيلغي كل المكاسب أو النتائج التي تحققت للأفراد أثناءها، فيجب ألا ننسى أنه ترتبت آثار ونتائج على هذه الإجراءات الطارئة، ومن الصعب إلغاء العمل فيها بأثر رجعي، في حين ظهرت منها نتائج ملموسة على الواقع العملي.
واستناداً إلى المنظومة التقليدية، فإن إيقاف تداعيات هذه الإجراءات الإدارية يكون من خلال إصدار إجراءات أخرى تضفي تعديلات عليها لا تلغيها، وذلك عملاً بمبدأ توازي الأشكال في القانون الإداري، التي تقتضي بأنه فقط السلطة نفسها التي أصدرت القانون، هي التي يحق لها أن تصدر التعديل، لكن وعملاً بقاعدة مبدأ احترام الحقوق المكتسبة، فهذه السلطة الموازية لا تستطيع أن تمسّ الحقوق التي ترتبت على القوانين في أثناء فترة تطبيقها.. وهذا الأمر يعني أن تغيير نمطية الإدارة الحالية سيوجد المزيد من الإجراءات المتداخلة، وسيفتح الباب على مزيد من اللغو الإداري، ما يعيدنا إلى نقطة البداية.
تشعبت القيود القانونية على العمل الإداري ووضعت إشكاليات إدارية جديدة.. فتكون بذلك قد منعت أيضاً تدفق أموال المستثمرين والأفراد
تكريس مبدأ اللامركزية الإدارية بشكل مطلق
أما رابعاً، فقد صارت دوائر الدولة تتمتع باستقلالية إدارية شبه مطلقة، وذلك نابع من إصدار الكثير من الحيثيات القانونية ضمن الدائرة، التي صار صعباً على المرجع الإداري الأعلى أن يتمكن من أن يحيط بها أو يضبطها، بل هو يترك، في هذه المسائل، أمر البت في هذه النزاعات الناشئة للدائرة نفسها، وذلك لتقليل الضغط عن المركز، ما يعد أحد محاسن نظام اللامركزية الإدارية عموماً، لاسيما في الوضع الشائك الذي تعاني منه بلادنا، وظهور الحاجة إلى حماية المصلحة العامة وأمن المواطن في آن معاً.
ولكن رغم النجاحات الذي حققها مبدأ اللامركزية الإدارية من ناحية تيسير معاملات المواطنين، وكذلك تيسير علاقاتهم في المسائل التي تعد الدولة طرفاً فيها، إلا أن التاريخ والتجربة أثبتا أن أي مبدأ لا يمكن أن يترك على إطلاقه، فالسماح أو التفويض من الحكومة لدوائر لدولة بإصدار اللوائح الإدارية ضمنها، على هذا الشكل من الحرية، أعطى الدائرة الحكومية نوعاً من الاستقلالية المفرطة، وهذه المرونة في صنع القرار الداخلي للدائرة عن طريق صنع اللوائح الإدارية، التي تقوم بتنسيق العمل بين الدائرة والمراجعين من دون اتخاذ معيار الحاجة الشعبية، بل تستند إلى الإمكانات المتوافرة، ينتج عنها الاختلاف الذي يراه المواطنون بين دائرة وأخرى من ناحية التسهيلات والتعقيدات، وذلك يكون غالباً من أجل الحصول على الوثيقة، أو على الخدمة نفسها، ما يظهر حجم التفاوت الكبير وانعدام التنظيم في تقديم الخدمة، حيث يعطي هذا التفويض وبشكل مطلق تقرير مصير مصالح الأفراد للدوائر، وذلك عن طريق اللوائح الإدارية التي تصنعها الدائرة نفسها، والتي لا تعد قواعد قانونية، بل مجرد أوامر تنظيمية ضمن الدائرة، تطبق من أجل سير عمل الدائرة، لا على سير عمل المواطن.
الهوة المعرفية وتحريف منظومة الاجتهاد الإداري
التحدي الخامس، يكمن بأن المواطن في كثير من الأحيان، وفي ظل المنظومة الإدارية القائمة، لا يكون لديه أي علم مسبق بالإجراءات المتخذة، وفي كثير من الأحيان الموظف أيضاً لا يكون عنده العلم الكافي وهذا أمر اعتيادي، فتتراكم اليوم اللوائح والإجراءات الإدارية ضمن فترات زمنية قصيرة، ومن دون وجود تقنية حديثة تسهل على الموظف التعامل مع تراكم هذه اللوائح والإجراءات، أو تسهل عليه الإحاطة التامة بها، فهو في كثير من الأحيان يضطر للجوء إلى البحث اليدوي، والبحث في الثغرات الإدارية في اللوائح الإدارية من أجل تأمين الخدمة للمواطن.
وبذلك حولت المنظومة التقليدية، الاجتهاد الإداري من مفهومه التقليدي الذي يخدم المواطن في كل ما لم ترد فيه قاعدة أو نص قانوني للتطبيق، إلى أسلوب مراوغة وولوج بين الثغرات القانونية والإدارية في الدائرة، ما يعد مساساً بسير العمل النزيه، الذي تترتب عليه آثار خطرة في حرف منظومة العمل الإداري والاجتهاد عن هدفها الأساسي، وتحويل هذه المنظومة الفقهية السامية إلى مجرد أدوات يستند إليها أصحاب المعرفة بتحقيق مكاسبهم، وإن كانت غير محقة.
خطر الأرشفة
تعد الأرشفة أكبر التحديات التي تقف في وجه إعادة البنية الإدارية إلى مسارها الصحيح، وأمام تفعيل مسار الحكومة الإلكترونية والأرشفة، عادةً ما تكون ناتجة عن الاتجاه العمودي في عملية صياغة التشريع الإداري، أي إنها تقوم باحتواء كل الإجراءات الإدارية الجديدة، وكل القوانين وتعديلاتها، ضمن نظام الأرشيف، الذي يعنى بالترقيم اليدوي لكل المعاملات، أي إخضاعها لنظام التدوين والتوثيق، والتأكد من إدخالها في السجلات على عدة مراحل، يدوية، أي إن أي إجراء جديد يستهدف تطبيق منظومة الحكومة والحوكمة الإلكترونية، سيكون تحت رحمة توثيقه للتحقق اليدوي على عدة مراحل، فرغم أن التقنية الحديثة دخلت إلى العالم، فلا تزال الجهات الرسمية تعطي أمر الرقابة على عمل هذه الأجهزة الحديثة إلى الكوادر البشرية، التي ليست لها القدرة على مواءمة سرعة تحرك هذه الأجهزة واستشعاراتها، ما يخضع منظومة الحوكمة الإلكترونية للعمل اليدوي ويعيدنا إلى مرحلة البداية.
ستة تحديات تواجه النظام الإداري
وحالياً نتج عن أرشفة الملفات المطلق، تحويل كل المعاملات الإدارية التي يتقدم بها المواطن إلى الدائرة، ضمن احتمال الاستجابة أو عدمه، فالأرشفة الطويلة وإهدار كل هذا الوقت والموارد على إدخال البيانات اليدوي، وصلا إلى مرحلة تضع المواطن أحياناً أمام خيارين، إما ترك ملفه أمام الجهات المعنية من دون أن يقوم بمتابعته، فتحتفظ الدائرة بهذا الملف عندها، من دون أن تصنع فيه قراراً، وهو ما نعاني منه بالدوائر التي ما زالت تسير بالاحتفاظ بالوثائق الرسمية منذ زمن يعود لأكثر من أربعين إلى خمسين سنة تحت مسميات وقف السير إلى البت بأمره وغيرها..
وقد درج اليوم مصطلح بين المواطنين المتنازعين، هو صلح خاسر من دون قضية رابحة، ما يظهر عدم استعداد الكثير من المواطنين للجوء إلى الطريق القانوني لحل النزاعات أو الإشكاليات الإدارية والقضائية.
النظم الخبيرة
أما عن الحلول، التي يوفرها اعتماد مبدأ الأتمتة والحوكمة والحكومة الإلكترونية، فهي اعتماد النظم الخبيرة، وردم الهوة المعرفية بين النظام الإداري والمواطن، وإعادة تفعيل دور منظومة الاجتهاد القانوني في خدمة المجتمع.. إذ تختصر المنظومات التقنية الذكية الجهد على كل من الموظف والمواطن، وتنهي مسألة تشعب الإجراءات الإدارية وإرهاق الدائرة والمواطن، وذلك من خلال أتمتة سير العمل وأرشفة المعاملات إلكترونياً، مع البحث في الاجتهاد الإداري والقياس عليه على الحالات الموضوعة في الدراسة.
وهذا ما نسميه بالنظم الخبيرة، فقد تم اعتماد النظم الخبيرة في الدول الرائدة، كالأردن والإمارات والسعودية، وساهمت هذه النظم في ردم الهوة المعرفية بين المختصين والمواطنين، من خلال وضع نظم قانونية تعطي استشارات بغاية الدقة للمستخدمين، الأمر الذي ردم الهوة المعرفية من حيث نقص معلومات المواطنين عن الإجراءات الإدارية الطويلة في بلادهم، حيث تخزن هذه النظم كمية كبيرة من المعلومات في قاعدة بياناتها، تفيد في القياس لحالات مطروحة والتي كانت سابقاً ملقاة على عاتق الخبراء في الدائرة، وكانت تستغرق وقتاً طويلاً للدراسة، وهنا تبرز أهمية النظم الخبيرة واعتماد الأرشفة الذكية.
منظومة للاجتهادات الإدارية
لقد آن الأوان لحصد ثمار الناتج الفكري الذي حققته المنظومة الإدارية في سورية على مدى العقود الماضية من خلال إنشاء منظومة تُعنى بالاجتهادات الإدارية، وتكون منصة للقياس وحل المسائل المطروحة للدراسة.
الأتمتة مقابل الأرشفة
تعد الأتمتة صميم عمل الحكومة الإلكترونية، وفي الاستناد إلى التعريف فإن الحوكمة هي سلسلة الإجراءات التي تسعى إلى تنظيم معاملات العملاء وبياناتهم، ضمن منظومة المستندات الرسمية وغير الرسمية في الدولة، وذلك لتصنع التوازن بين مصالح الحكومة والمواطن، معتمدة في ذلك على الأتمتة من أجل تحقيق أهدافها، والتي تتكون من عدة مراحل: الأرشفة الذكية والرقمية، التسلسل الرقمي للبيانات، وآلية الاسترجاع المرنة، والتزويد بالمراجعات الفورية عن الخدمة، ومن ثم تقديم هذه المخرجات إلى البوابة الإلكترونية، وتوفير الخدمة للمواطن.
التنسيق بين الرقابة المركزية واللامركزية
كما أثبت التاريخ والتجربة، فإن العمل المشترك الذي يجتمع فيه الإبداع والرقابة والضبط، هو أفضل الحلول التي تسعى الدولة إلى صناعتها في أجهزتها الإدارية على مدار أي حقبة، ومن أجل ذلك لابد أن يجتمع الأسلوب اللامركزي مع الأسلوب المركزي، في عملية تقديم الخدمة، حيث إن المنظومة التقنية الحديثة ستخفض عدد الواجبات الملقاة على عاتق الدائرة، بما في ذلك كوادرها البشرية، وذلك إلى مصلحة الجهة المركزية التي تخدمها الدائرة كالوزارات أو المديريات الأساسية، التي ستعتمد على تبسيط إجراءات تقديم الخدمة للمواطن.
الحلول تكمن باعتماد النظم الخبيرة وردم الهوة المعرفية بين النظام الإداري والمواطن وإعادة تفعيل دور منظومة الاجتهاد القانوني في خدمة المجتمع
الحاجة الشعبية
إن الأمور الفنية الدقيقة ستصبح من اختصاص الدائرة الرسمية، بينما ستكون الإدارة المركزية، هي المسؤولة عن تزويد المواطنين بالخدمات الأساسية، ويستند القانون في إصدار هذه الإجراءات إلى معيار الحاجة الشعبية.. وهو معيار أكثر بساطة في تقديم الخدمة للمواطن، لأنه قائم على توافق الخدمة مع الحاجة المطلوبة، وبهذه الحال تسترد المركزية الإدارية قوتها وخصائصها، التي يفترض أن تكون هي الرقيب الأساسي عليها في عقد الخدمة بين المواطن والحكومة.
بشكل عام فإن العالم بأسره وفي كل منظوماته التجارية والحكومية، كشركات وبنوك ودول، يتجه إلى التعلم من التجربة الرائدة في العمل الإلكتروني، حيث إن جميع الدول توقفت على الإنفاق التقليدي على إنشاء المؤسسات وشراء المعدات وتجهيز أماكن العمل، وتأمين المواصلات والخدمات وغيرها، بل هي اختصرت هذه النفقات على نفسها وعززت دخل الموظفين من هذا الإنفاق، ووصلت إلى حصيلة أعلى في الأرباح وكفاءة العمل، حيث قدم الموظفون العاملون في منظومة العمل عن بُعد أداء أكثر عملية وإبداعاً وكفاءة وتركيزاً في إنجاز أعمالهم الإدارية، وتعد منظومة الدفع الإلكتروني اليوم أول الخطوات القادمة في صنع القاعدة المالية للعالم، فمبجرد أن يتحرك المال إليها ستتبعه كل الجهات المعنية إلى دخوله وتعزيزه، وهنا يجب علينا المتابعة، فلنجاح منظومة الحكومة الإلكترونية، وإعادة توجيه العملية الإدارية في نصابها الصحيح، لا بد من دراسة آلية الحوكمة الإلكترونية، التي تعنى بالتشريع الإداري داخل الدولة، والتي ستكون الأساس الذي تستند إليه الحكومة الإلكترونية في علاقاتها مع المواطن، فلن يكون هناك أي تقدم في عمل الحكومة الإلكترونية إذا استمرت في الاعتماد على النظام التقليدي في تقديم الخدمة للمواطن عبر بواباتها، بل ستغدو بذلك مجرد حلقة أخرى في سلسلة الأرشفة الإدارية تحول بين المواطن والخدمة، والعكس صحيح فالاهتمام بتأسيس بنية الحوكمة الإدارية وأتمتة نظم العمل داخلياً سيمنح الحكومة الإلكترونية القدرة لتكون الواجهة الأفضل، والتي سيطمئن من خلالها المواطن إلى حسن سير مصالحه مع الحكومة.