ورقة رابحة في أدبيات التنمية الحقيقية.. خيارات لإعادة إنعاش القطاع العام الاقتصادي وتحويله من عبء إلى داعم للخزينة العامة
تشرين – ماجد مخيبر:
هناك اتجاه عالمي متزايد نحو الخصخصة، وهذا الاتجاه مرتبط بالنظريات الاقتصادية التي أثرت في الاقتصاد العالمي، وأحدثت تغيرات عالمية تبنى من خلالها الاقتصاد مفهوم رأس المال العالمي وجعل الدول تتكيف مرغمة مع اتجاهات وتطورات الإنتاج الاقتصادي، وظهور ما يسمى دكتاتورية رأس المال العالمي من خلال وجود كتل رأسمالية دولية كالشركات متعددة الجنسيات، وأصبح العديد من الدول المتقدمة يخضع لإرادة هذه الشركات كشركات النفط مثلاً.
يرى الخبير والباحث الاقتصادي د. معن ديوب، أن القطاع العام الاقتصادي بشكل عام وعلى المستوى العالمي لم يثبت نجاحه بالمجال الاقتصادي، لأسباب بنيوية وإدارية، ولم يستطع أن يتدخل بالمعايير السوقية التي تحدد الكفاءة الإنتاجية، والتاجر الذي لا يربح هو خاسر، والدولة لم تربح من إدارة هذا القطاع وأصبحت الصفة الاجتماعية تطغى على أداء القطاع العام كتوصيف من دون أن تحقق القيم المضافة، إضافة إلى الهدر بالموارد وعدم مطابقة المنتجات معايير الجودة العالمية، إضافة الى عدم استخدام آليات مطابقة لآلية السوق (العرض والطلب)، ما أدى الى خسارة القطاع العام، مع العلم أن عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب هو من أشكال الفساد الخطرة التي تعوق القطاع العام الاقتصادي، وبالتالي تصبح النتيجة، وفقاً لذلك أن الدولة تاجر خاسر وفاشل وهي غير قادرة على إدارة القطاع العام الاقتصادي بطريقة صحيحة ولا على تحقيق ربحية.
ديوب: الدولة لم تربح من إدارة هذا القطاع وأصبحت الصفة الاجتماعية تطغى على أداء القطاع العام كتوصيف من دون أن تحقق القيم المضافة
ضرورة حتمية
أما القطاع العام الإستراتيجي، حسب وصف الدكتور ديوب، فهو ضرورة حتمية للدولة من خلال خدماته التي يقدمها، ويجب أن يكون موجوداً باعتبار أن القطاع الخاص لن يقدم تلك المنتجات والخدمات، ويجب عدم التخلي عنها كالأمن الغذائي وأمن المواطن الصحي ومشاريع البنى التحتية وشبكات الري والمطارات والكهرباء والجسور، كون القطاع الخاص غير قادر على تقديمها بالشكل المطلوب وضمن الإطار الاقتصادي والاستراتيجي.
خصوصية المرحلة الراهنة
وخلافاً لم تم ذكره سابقاً، فالمطلوب حسب الخبير الاقتصادي دور ريادي للقطاع العام الاقتصادي كونها مرحلة صعبة وحساسة، والدور الخدمي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي والعلمي غير قادر على تقديمه غير الدولة، والمطلوب دور ريادي للقطاع العام من خلال تقديم الدعم الحكومي الكافي له وتطبيق معايير جودة استثنائية، لكي يقدم خدمات للمواطنين بطريقة مغايرة للطريقة التي يقدمها القطاع الخاص.
القضاء على الهدر
وفي كثير من الأحيان نلحظ أن القطاع العام يتعامل مع القطاع الخاص لتقديم خدمات بسعر أعلى مثل مؤسسات التجارة الداخلية والخارجية التي لا تقدم شيئاً في هذه المرحلة والمطلوب دور أكبر وبدعم من الحكومة وتخصيص موارد استثنائية للقطاع العام وتطبيق المعايير الإدارية والحوكمة، وبحيث يتم القضاء على الهدر واستخدام الموارد بكفاءة عالية وفق معايير اقتصادية، وإعادة هيكلة القطاع العام من الناحية الإدارية والإنتاجية والخدمية لكي يصبح منافساً للقطاع الخاص، وبالتالي يتم تحقيق التوازن الاقتصادي للبلاد والتخفيف من وطأة الظروف الراهنة، وبالتالي يتم كبح جماح القطاع الخاص في تحديد الأسعار وتصبح هوامش فروقات الأسعار منطقية بسبب المنافسة والنتائج ستكون أفضل في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون.
لا مرونة
من جانبه الخبير الاقتصادي فاخر قربي.. أشار إلى معاناة بعض القطاعات العامة الاقتصادية من مشكلات؛ أهمها خضوعها لقوانين تمنع من عمل بعض مؤسساته بالمرونة المطلوبة، ومن ضعف إنتاجيته وعدم قدرته على المنافسة، ووجود خلل في موارده البشرية، وقلة دخلهم وهو ما يحد من قدرتهم على العمل ويؤدي الى تسرب العناصر المميزة.
وقد لجأت العديد من الدول في العالم الى خيار فصل الإدارة عن الملكية وذلك بإخضاع بعض المؤسسات والشركات العامة الى القانون الخاص مع الإبقاء على ملكيتها العامة، بغية إعطائها المرونة والميزات التي يتمتع بها القطاع الخاص.
القربي: العديد من الدول في العالم لجأت إلى خيار فصل الإدارة عن الملكية وذلك بإخضاع بعض المؤسسات والشركات العامة الى القانون الخاص مع الإبقاء على ملكيتها العامة
ومن هنا تأتي أهمية صدور القانون رقم 3 لعام 2024 الخاص بإحداث وحوكمة وإدارة الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة، فالقانون الجديد يشكل فضاء اقتصادياً أرحب، ويسهم في رفد الاقتصاد الوطني بشكل كبير وفي كل قطاعاته، كما إنه يعطي مرونة في صناعة القرار وفي ترتيب آلية العمل المالي والمؤسساتي ويعطي مرونة كبيرة للمؤسسات في تطوير ذاتها.
القانون رقم 3
كما لفت القربي إلى أن القانون رقم 3 لعام 2024 يهدف إلى الإسهام في تنمية القطاع العام الاقتصادي، من خلال تنظيم إحداث الشركات المساهمة العمومية والشركات المساهمة العمومية القابضة والشركات المشتركة، التي تدخل فيها الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو المؤسسات والشركات العامة في ملكية أو إدارة تلك الشركات، مع الأخذ في الحسبان معايير الحوكمة، وذلك ضماناً لتحقيق الكفاءة الإدارية والاقتصادية.
ولا يغفل القانون تنظيم إدارة أموال الدولة الخاصة عن طريق ممثلي الدولة في الهيئات العامة للشركات، ويكون مجلس الإدارة في الشركة مسؤولاً أمام الهيئة العامة مع إعطائه سلطات واسعة في عمله وإخضاعه لقواعد حوكمة الشركات، ويسمح وجود ممثل في الهيئة العامة عن الجهاز المركزي للرقابة المالية بضمان الرقابة على صحة حسابات الشركات، وبالتالي يساهم في تنمية القطاع العام الاقتصادي مع الأخذ في الحسبان معايير الحوكمة وذلك ضماناً لتحقيق الكفاءة الإدارية والاقتصادية وزيادة الربحية والإنتاجية.
المطلوب دور أكبر ودعم من الحكومة وتخصيص موارد استثنائية وتطبيق المعايير الإدارية والحوكمة وإعادة الهيكلة لكي يصبح منافساً
تطوير الفكر الوظيفي
كما يعزز أبوية الدولة للقطاع الخاص والمشترك في وقت تم اعتبارهم شريكاً أساسياً للقطاع العام، ويجعل من الكفاءة الإدارية والاقتصادية والقانونية والمالية والخبرات الوطنية عنواناً للعمل في المراحل القادمة وهذا يشكل بناء هيكلية اقتصادية في حد ذاتها، يخفف من حدة الفساد في المؤسسات بشكل عام، ويشكل شرعية متجددة في تعميق الشراكة بين القطاع العام والخاص ببيئة جديدة بعيدة عن العقلية الروتينية والبيروقراطية، ما يتطلب ترجمةً حقيقيةً على أرض الواقع لشراكة اقتصادية منسجمة في الأهداف والهيكلية، وبحاجة ماسة لتطوير الفكر الوظيفي لدى الكثيرين كي نستطيع بناء قاعدة اقتصادية متينة تسهم في دعم الروافع الاقتصادية الوطنية بشكل عام.
سلطات كاملة
ولا يغفل القانون تنظيم إدارة أموال الدولة الخاصة لدى الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة عن طريق ممثلي الدولة في الهيئات العامة للشركات، ويكون مجلس الإدارة في الشركة مسؤولاً أمام الهيئة العامة مع إعطائه سلطات واسعة في عمله، ويساعد على تفعيل إدارات المؤسسات العامة ونقلها إلى إدارات أفضل من خلال منح مجلس الإدارة هذه الشركات صلاحيات واسعة عبر منح كل ما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية، ورسم السياسات وإقرار الموازنات والقوائم المالية، وبالتالي منح مجالس الإدارة السلطات الكاملة بإدارة الشركات العمومية .