يقوم التخطيط في اقتصاديات العالم اليوم على الدراسات والتوقعات، ولا يوجد شيء اسمه “اكتشفنا الخطأ بعد التنفيذ، وسنعدل قرارنا السابق منعاً للهدر أو من أجل تحقيق منفعة اقتصادية عامة”…
فالتخطيط الاقتصادي اليوم يُبنى على نماذج إحصائية دقيقة، تكاد أن تكون هوامش الخطأ فيها شبه معدومة “مُهملة”، هذه النماذج تُبنى على مبادىء الإحصاء الاقتصادي التي تتطور يوماً بعد يوم، ويتم تحليلها وفق برامج إحصائية، ويقوم الباحثون بإدخال جميع المتغيرات التي ستؤثر في الاقتصاد أو المجتمع، بعين الاعتبار.
وبما أنّ لا شيء ثابت اقتصادياً وسياسياً في عالمنا، تُوضع سيناريوهات في حال حصول متغيرات قاهرة، وبناء عليها تُصاغ قرارات احتياطية لحالات الطوارىء، تعدل بموجبها الخطط، في الوقت المناسب، بشكل لا يترك مجالاً كبيراً لفشل القرارات مهما كانت الحجج والمبررات.
إلّا أنّ التخطيط الاقتصادي الفعّال، لا يمكن أن ينجح بلا توافر بيانات دقيقة، وأرقام رسمية معتمدة، فالنماذج الإحصائية تعطي نتائجها بناء على المُدخلات فيها.
خلال الأيام القليلة الماضية ظهرت تصريحات تُنبىء بأنّ لا مجال لوجود تخطيط اقتصادي فعّال، وعلى سبيل المثال بعد صدور مرسومي زيادة الرواتب والأجور، خرج تصريح رسمي بأنّ كلفتها على الخزينة العامة للدولة تقارب ٢٥٠٠ مليار ليرة، ليأتي بعد أيام تصريح رسمي آخر يقول: إنّ الرقم هو أكثر من ٣٠٠٠ مليار ليرة..!
وكذلك الأمر بالنسبة إلى قرارات السماح بالتصدير أو الاستيراد، التي تتخذ ويرافقها تصريحات مدعمة بالأرقام، وبعد التطبيق وحصول “الكارثة” تبدأ كل جهة مشاركة في القرار بسوق مبرراتها، مدعمة أيضاً بالأرقام، والمصيبة أنّ فروقات الأرقام تكون شاسعة لا يقبلها علم الإحصاء، ولا تمكّن أي منظومة من اتخاذ قرار سليم.
والسؤال الذي يُطرح هنا، ويكمن ضمنه الحل لكثير من مشاكلنا: لماذا لا تُقدم الأرقام الرسمية إلى المكتب المركزي للإحصاء، وهو الذي يمتلك من الإمكانات والخبرات، ما يجعله قادراً على التحقق من دقتها وصلاحيتها وواقعيتها، ولديه من الأدوات بما يسمح بمعالجة الأخطاء فيها والابتعاد عن العشوائية و”التشليف”؟
لا يوجد تخطيط اقتصاد سليم بلا أرقام تعكس الواقع، ولا مجال لإصدار قرارات فعّالة ما لم تأخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات المؤثرة في الحياة الاقتصادية، وطبعاً لا نجاح إن لم يشرف على كل ما سبق كوادر مؤهلة ومدربة مزودة بالأدوات المناسبة.
لذلك يجب علينا أن نختار بين التخطيط و”التشليف”.
باسم المحمد
70 المشاركات