انتشار الرشاوى تحت مسمى “الإكرامية” شكل من أشكال الفساد.. والذرائع والمبررات جاهزة
دمشق- بادية الونوس:
لوحظ في الفترة الأخيرة انتشار صريح وعلني للرشاوى في بعض مؤسسات القطاع العام تحت مسمى “إكرامية”.. هكذا على الملأ يتلكّأ الموظف أو يخبرك بأن معاملتك تحتاج وقتاً لإنجازها، لكن ما إن تلوح له بـ”المعلوم” حتى تسير المعاملة بفترة قصيرة وأقل جهد، وهذا ما نلمسه في جهات مختلفة، وخاصة تلك التي تكون على تماس مباشر مع المواطن، والتي تغصّ بالازدحام، وهنا لا مفرّ للمراجع من الدفع .
ومن المؤكد، عرّت هذه الظروف الضاغطة إنسانيتنا، وكشفت ما بداخلنا من توحّش وجشع، بدليل نمو شريحة الأثرياء الجدد، التي استغلت الظروف القاسية التي تمر بها البلاد والعباد، لتغتني بين ليلة وضحاها بوسائل غير مشروعة أو أخلاقية.
من وجهة نظر الخبير في علوم الإدارة د. عبد الرحمن تيشوري، لابدّ من حملة وطنية يشترك فيها الجميع، وفي المقدمة الإعلام، وتفعيل الأجهزة الرقابية والتفتيشية وكذلك تفعيل مشروع قانون الذمة المالية “من أين لك هذا؟!” وبموازاة ذلك يؤكد المحامي عبد الفتاح الداية أن يكون الحل وفقاً لمسارين: الأول يشدد العقوبات للأقصى، ويسهّل الإبلاغ عن هذا الجرم بشكل مجاني بالمطلق وسرّي للغاية، والثاني المتعلق بزيادة دخل الموظف وتحسين الوضع المعيشي.
من الواقع
لم نأتِ بجديد لدى الحديث عن الرشاوى أو “الدفع” ، ولدى سؤالنا البعض يجيب بسخرية: إذا لم تدفع لن تحصل على معاملتك، لكن إثارة مثل هذه الموضوعات تشبه رمي حصى في مستنقع، لأن النتيجة إحداث “صدى” حتى لو لم يتعدّ حدود تحريك المياه الراكدة.
استثمار في الأوجاع
(سهام) مريضة سرطان دخلت إلى مستشفى عام لتلقّي العلاج، تؤكد: بداية أخبرتني الموظفة بأنه من الصعب حجز دور لي في الفترة القريبة، لتهمس لي زميلة لها بأن ادفعي مبلغاً حتى تساعدك، ودفعت ما يعادل مئة ألف، شملت حجز دور وتبديل سرير، وإعفاء من الانتظار.. ففي التعامل مع المال يختلف الوضع، حيث يشرعَن مبدأ “الدفع” ويعده البعض شطارة.
ويبيّن (إياد): للحصول على قرض لشراء منزل تعقدت المعاملة بالكثير من المعوقات، لكن عند الدفع سارت الأمور بأبسط من البساطة.
وتشير (سهى) إلى أنها من أجل تصوير معاملة في أحد المكاتب دفعت مبلغاً كبيراً، علماً أن آلة التصوير في مكتب جهة عامة، وهناك الكثير والكثير يبدأ بقصة صغيرة وينتهي بملفات كبيرة!.
د. تيشوري: الحل يحتاج إلى وقفة وطنية يشارك فيها الجميع والأهم تفعيل دور الأجهزة التفتيشية وتحسين الرواتب لأن الدخل الضعيف يبرر لكل من يتقاضى أو يعمل بأسلوب الرشوة
طُرح مشروع مكافحة الفساد ولم يطبّق!
لا يمكن الحديث عن الرشوة من دون الإشارة إلى الفساد المستشري في العديد من مؤسسات القطاع العام، والرشوة تندرج تحت بند التزوير والاختلاس وغيرها.
ويضيف د. تيشوري: طُرح مشروع مكافحة الفساد منذ سنوات وكذلك مشروع الإصلاح الإداري، لكن للأسف لم يطبقّا! بل على العكس تنامى الفساد في مختلف النواحي، على مستوى المؤسسات والأفراد والمجتمع، ولمكافحة هذا الوباء يحتاج الأمر إلى وقفة وطنية يشارك فيها الجميع بما في ذلك الإعلام، والأهم تفعيل دور الأجهزة التفتيشية والرقابية التي تبدأ بتعديل القوانين، وفي المقدمة تفعيل قانون العقود وتحسين الرواتب، فلطالما كان الدخل ضعيفاً تُوجد نظم إدارية مختلة وتالياً تشجع على الفساد، ما يبرّر لكل من يتقاضى أو يعمل بأسلوب الرشوة ويشجع على ذلك.
ويشير د. تيشوري إلى أن وزارة التنمية الإدارية طرحت منذ سنوات مشروع قانون الذمة المالية وتفعيله من خلال الشعار الذي يحمله “من أين لك هذا ؟ “أو ليس لك هذا، لأن البعض من الموظفين الحكوميين حالياً لديهم أملاك مشكوك في مصادرها، علماً أنه ليس لديهم دخل إلا راتبهم الشهري، داعياً الجهات المعنية إلى المحاسبة قولاً وفعلاً وألا تسقط قضايا الفساد بالتقادم، لكي نعيد الأموال للدولة، فالرشوة لم تعد مخفية ولا بواباتها ولا ممارسوها.
الداية: يكون الحل وفقاً لمسارين: الأول يشدّد العقوبات للأقصى ويسهّل الإبلاغ عن هذا الجرم بشكل مجاني وسرّي والثاني المتعلق بتحسين الوضع المعيشي
متى تكون الرشوة بالمسمى الحقيقي لها؟
يؤكد المحامي عبد الفتاح الداية أولاً أن مصطلح “الإكرامية” غير موجود في القانون، لأن لجرم الرشوة أركاناً، ولا يكفي لتوفر أركان جريمة الرشوة أن يأخذ الموظف المال، بل يجب أن يكون هناك غرض من هذا المال يتعلق بعمل الوظيفة.
ويضيف الداية: إن قانوني العقوبات العامة والعقوبات الاقتصادية بيّنا أن الموظف هو “كل شخص موظف عام في السلك الإداري أو القضائي، وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها، وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في الإدارة العامة”.
عقوبات
وأوضح الداية أن كل موظف أو شخص ندب إلى خدمة عامة سواء بالانتخاب أو التعيين، كلّف بمهمة رسمية كالحكم والخبير، والتمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أي منفعة أخرى ليقوم بعمل غير شرعي من أعمال وظيفته، يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة أقلها ضعفا قيمة ما أخذ أو قبل به.. وفي حال التمس أو قبل موظف الخدمة العامة هدية أو وعداً أو أي منفعة أخرى ليعمل عملاً منافياً لوظيفته، أو يدّعي أنه داخل في وظيفته أو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجباً عليه يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تنقص عن ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل به.
أيضاً يتحمل الشخص الذي قدّم الرشوة أو من عرض على شخص من الأشخاص، الوارد ذكرهم سابقاً، هدية أو أي منفعة أخرى أو وعده بها على سبيل أجر غير واجب ليعمل أو لا يعمل عملاً من أعمال وظيفته أو ليؤخر تنفيذه يُعاقب، إذا لم يلاق العرض أو الوعد قبولاً، بالحبس ثلاثة أشهر على الأقل وبغرامة لا تنقص عن ضعفي قيمة الشيء المعروض أو الموعود.
وبيّن أن قبول الموظف بأجر غير واجب عن عمل قد سبق إجراؤه من أعمال وظيفته أو مهمته فعل مُعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة أقلها ضعفا قيمة ما قَبِل به.
مسؤولية الراشي
ولم يغفل القانون المسؤولية التي تقع على الراشي، لافتاً إلى أن القانون يعفي الراشي والمتدخل من العقوبة إذا باحا بالأمر للسلطات ذات الصلاحية أو اعترفا به قبل إحالة القضية إلى المحكمة وفق تعديل حديث طرأ على القانون.
تشديد العقوبات
قانون العقوبات الاقتصادية نصّ على تشديد عقوبة جريمة الرشوة، حسب الداية، فعاقب كل موظف عام أو عامل لدى الدولة يلتمس أو يتلقى هدية أو منفعة أو يقبل وعداً بأحدهما لنفسه أو لغيره ليقوم بعمل من أعمال وظيفته أو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجباً عليه يُعاقب بالسجن المؤقت، مشيراً إلى أنه إذا كان العمل منافيا لوظيفة الفاعل أو ادعى أنه داخل في وظيفته أو كان الفاعل يقصد مراعاة فريق إضراراً بالفريق الآخر تكون العقوبة السجن خمس سنوات على الأقل.
وعند الحديث عن جرم الرشوة واقتراح الحلول يوضح الداية قائلاً: من الضروري أن يكون الحل وفقاً لمسارين: الأول يشدد العقوبات للأقصى، ويسهّل الإبلاغ عن هذا الجرم بشكل مجاني بالمطلق وسري للغاية، والثاني المتعلق بزيادة دخل الموظف وتحسين الوضع المعيشي.