نتيجة الجبروت الغربي.. سلاسل الإمداد التجارية في خطر.. شركات الشحن الدولية تلجأ لمسارات بديلة أطول وأكثر تكلفة.. والتضخم هو سيّد الموقف
تشرين – بارعة جمعة:
إرباكٌ وارتباك … هي حالة الاقتصاد العالمي الذي لم يكن بمنأىً عن التأثر بالتحولات السياسية والعسكرية الأخيرة، لاسيما بعد أن كشر الأمريكي وحلفاؤه عن أنيابهم دعماً للكيان الصهيوني، في منطقة البحر الأحمر، من خلال عملية “حارس الازدهار”، بزعم أنها لحماية خطوط النقل الدولية في مضيق باب المندب، لكن على الأرض فرضوا حصاراً على العالم أجمع للتسبب بأزمات اقتصادية في جميع أنحاء العالم٠
انعدام الاستقرار وتغيّر في الخطط كانت أبرز المُنعكسات، فيما لارتفاع أسعار الشحن عالمياً قصةٌ أخرى، ترجمها الصعود في الأسهم واللجوء لاستبدال الطريق الرئيس عبر البحر الأحمر بتعليق الرحلات عبره بمساراتٍ أطول وأكثر تكلفة، تمثلت بطريق رأس الرجاء الصالح الذي زادت مدة الرحلة من خلاله ما بين 10 و14 يوماً إضافياً تقريباً.
سلسلة واحدة
حدوث أزمة في مرحلة واحدة من سلسلة التوريد من الممكن أن يتسبب في تكدس السفن”، هو ما يفسر حالة الارتباك في جداول الوصول والمغادرة للموانئ البحرية وما يليها من تأخيرات مُتتالية في النظام كافة وفق ما ذكره نائب الرئيس التنفيذي للشحن البحري في شركة عالمية، بينما قُدّرت أعباء ارتفاع تكلفة الشحن لحاوية من الصين إلى البحر الأحمر المتوسط بنسبة 44% في شهر أيلول أي ما يُقارب 2413 دولاراً حسبما ذكرت شركة شحن عالمية أخرى.
إرباك وارتباك هي حالة الاقتصاد وحركة الشحن العالمية
ارتفاعاتٌ غير محددة الأفق أو المدى وفي حال استمر الصراع أو اشتد، فما يسمى بالأسعار الفورية للشحن غير المُتعاقد عليه قد يزيد بين الضعفين أو ثلاثة أضعاف عن المُستويات الحالية، لتأتي تحذيرات شركة “إيكيا” العالمية للأثاث من احتمالية تأخير الشحنات ونقص المنتجات مُكملةً لما توقعته شركة “كوني” الفنلندية المصاعد بأن بعض الشحنات قد تتأخر لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، مع الإشارة إلى أن البضائع التي تُنقل بالحاويات مثل الملابس والألعاب والمواد الغذائية هي الأكثر عُرضةً للخطر، فإن المنتجات الأخرى تتأثر أيضاً.
حلول بديلة
مصادر جديدة تلوح بالأفق يبحث عنها مصدرو فول الصويا في الولايات المتحدة، ممن كانوا يحولون الشحنات بالفعل من قناة “بنما” المنكوبة بالجفاف إلى قناة السويس، أمام احتمالات لاستخدام القطارات المتجهة الساحل الغربي والوصول إلى السفن المتجهة مباشرة للصين والأسواق الآسيوية الأخرى لتجنب المسارات البديلة الأطول حول أمريكا الجنوبية وأفريقيا.
نقص بالسلع لدى تجار التجزئة في شهر شباط، هو ما حذر منه المحللون لتحفيزهم قياساً بما قامت به الشركات بعد جائحة كوفيد-19 من تحقيق مرونة في سلاسل التوريد عن طريق الشراء من مصدرين في مناطق مختلفة.
عدوى التضخم
أحد أهم الممرات البحرية العالمية، وبالتالي فإنّ تهديده من قبل أي طرف (وهم التحالف الدولي الذي أنشأته واشنطن) فإن الطريق التجاري نحو الشرق الأوسط سيكون مهدداً بالمطلق حسب توصيف الدكتور في كلية الاقتصاد جامعة دمشق عابد فضلية لخطورة الموقف في مضيق باب المندب، الذي بدوره سيُجبر السفن البحرية أن تسير عبر طريق رأس الرجاء الصالح، أي بزيادة للمسافة المقطوعة عبره تصل لـ 5 أضعاف، وبالنتيجة ستزيد تكلفة الشحن قرابة الثمانية أضعاف عما هي عليه.
شركات الشحن العالمية تلجأ لمسارات بديلة باستخدام القطارات
لن يتوقف الأمر هنا… بل سينعكس زيادة مباشرة في سعر المواد المستوردة والمشحونة، وباعتبار أن المواد المشحونة بالسفن عبر البحر هي مواد ضرورية ومعظمها غذائية على وجه الخصوص، سترتفع أسعارها في أسواق دول المستورد، لتنعكس فيما بعد زيادةً على أسعار السلع والمواد الأخرى لأي بلد برأي فضلية، الذي ترجم هذه الحالة ضمن مصطلح استيراد التضخم، لكون جميع دول العالم تستورد وتصدّر مثل هذه المواد، كما أن اليوم لا توجد أي دولة في العالم ليست لها علاقة دولية، ولن تنجو أيٌّ منها من هذه العوامل التضخمية التي عادةً تطول السلع الأهم والضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها، ما يجعلها عُرضةً لتحمل هذه الارتفاعات فتكبر الحلقة شيئاً فشيئاً.
أزمة طارئة
غير مسبوقة وطالت الجميع، إلّا أنّ التأثير الأكبر طال دول البحر الأبيض المتوسط، توصيفٌ للحدث قدمه رئيس مجلس إدارة الجمعية السورية للشحن والإمداد الوطني، وعضو مجلس إدارة اتحاد المصدِّرين والمستوردين العرب محمد رياض الصيرفي في تصريحه لـ”تشرين”، واصفاً ما عانته صناعة الشحن مؤخراً من أزمة اقتصادية دولية أثارت مخاوف الجميع، مُرجِّحاً عودة معدلات التضخم للواجهة، وسط اضطرار أغلب السفن لاتخاذ طريق بديل – رأس الرجاء الصالح – الواقع في جنوب أفريقيا، بدلاً من طريق باب المندب عبر البحر الأحمر.
د. فضلية: المواد المشحونة عبر البحر الأحمر ضرورية ومعظمها غذائية وتخضع لثقافة عدوى التضخم
إلّا أنّ هذا الاجراء لم يُلغِ عبور بعض السفن ضمن الطريق الرئيس، مع دفع تكاليف عالية جداً ارتفعت بنسبة 200 – 300%، وفي الحالتين لم تسلم هذه البضائع من الزيادة التي وصلت حدَّ تهديد لقمة المواطن.
حلول آمنة
تبعاتٌ للأزمة تمثلت بتأخير مواعيد البواخر و”الإبحارات” بشكل عام، مردّها برأي الصيرفي لتأخر البواخر في البحر وعدم عودتها في الوقت المُحدد لها، إضافة لنقص المعدات والحاويات الفارغة في البلدان المُصدرة مثل الصين، لتغدو البدائل حاضرةً أيضاً ضمن رؤية الصيرفي بالشحن لدول الخليج العربي أولاً مثل جبل علي، ثم نقل البضاعة بشكل بري إلى دول البحر المتوسط، وهو الخيار الأكثر أمناً بالنسبة للشحن برأيه.
د. فضلية: لا توجد دولة ليس لها علاقات دولية وبالتالي لن تنجو من العوامل التضخمية
يلي ذلك، الشحن لدول البحر المتوسط عن طريق البحر الأحمر باعتماد الإبحارات غير المُباشرة، والتي تعني أن يتم الشحن على سبيل المثال من الصين عبر دول آسيوية أخرى، ثم تبديل الحاوية من الباخرة إلى باخرة صغيرة، هذا الحل بنظر الخطوط الملاحية آمن، لأن السفن الصغيرة لا يتم اعتراضها في البحر الأحمر، على عكس السفن الكبيرة المعرضة للخطر بشكل أكبر.
الصيرفي: كل الخيارات الخاصة للشحن باتت مُكلفة وارتفعت بنسبة 200 لـ300%
واستعرض الصيرفي ضمن حديثه ارتفاع معدلات شحن البضائع في اللاذقية والتي وصلت في شهر شباط سابقاً 2450 يورو أوروبياً لحاوية 20 قدماً بينما اليوم 5171 يورو أوروبياً لحاوية 20 قدماً، و7692 يورو أوروبياً لحاوية 40 قدماً سابقاً واليوم 4350 يورو أوروبياً لحاوية 40 قدماً، بينما سجلت في جبل علي للشهر ذاته سابقاً 1150 دولاراً عالمياً لحاوية 20 قدماً واليوم تسجل 1650 دولاراً عالمياً لحاوية 20 قدماً و1250 دولاراً عالمياً لحاوية 40 قدماً واليوم 2050 دولاراً عالمياً لحاوية 40 قدماً.