الدعم والسياسات المتعاكسة
تشرين- د. موسى الغرير:
يعد الاهتمام بزيادة الإنتاج بشكل عام والزراعي بشكل خاص المنطلق الصحيح لزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتصحيح الاختلال في الميزان التجاري، وبسعر الصرف وبمستوى المعيشة، وتحقيق الأمن الغذائي، وتقديم الدعم له بهدف تطويره يأتي استجابة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وسياسية، أما الأسئلة التي تثار حول موقع السياسة المعمول فيها بسورية من الأهداف المذكورة فهي:
– هل أدت وتؤدي سياسة الدعم لتطوير الإنتاج الزراعي الغرض المطلوب منها عملياً لجهة تطويره في ظل زيادة أسعار مستلزمات إنتاجية أساسية له كالطاقة والأسمدة؟ وهل أدت زيادة الرواتب والأجور الأخيرة الى تحسين في مستوى المعيشة؟ في وقت تم فيه وبالتزامن الإعلان رسمياً عن زيادة في أسعار المحروقات وغيرها من المواد، إلا أن مثل هذه السياسات تدل على السير في اتجاهين متعاكسين.. إذ يؤكد الاتجاه الأول في حالة الإنتاج الزراعي على أهداف تطويره، في الوقت الذي يتم فيه وباتجاه معاكس وضع صعوبات في تأمين المستلزمات الضرورية لتطويره.
أما في الحالة الثانية فيصدر مرسوم بزيادة الرواتب والأجور، ويتخذ بالمقابل قرار حكومي بزيادة أسعار المحروقات والنتيجة المعروفة تخفيض القوة الشرائية للرواتب والأجور التي تمت زيادتها وبالتالي تخفيض قيمتها الشرائية بدلاً من زيادتها.
تحقيق التناسق بين السياسات مطلب ضروري لإنجاز أهداف الخطط والبرامج والسياسات المطلوبة
وبمقاربة النتيجة النهائية يتبين أنه إذا كان من أهداف سياسة دعم الإنتاج الزراعي تطوير القطاع، وزيادة الإنتاج فيه وصولاً إلى تصحيح الخلل الحاصل في المؤشرات، لكن ما نشاهده في الواقع هو زيادة العجز بالميزان التجاري، وتراجع في القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وزيادة هائلة بنسبة الفقر المدقع، وبالتالي زيادة في معاناة المواطنين، وفي سعيهم لتلبية حتى احتياجاتهم الأساسية، وهذا ما شجع على هجرة نسبة من الشباب بحثاً عن العمل الأفضل والدخل الكافي.
أما الأسباب الاقتصادية لكل ذلك، فتكمن بالركود الاقتصادي وتراجع الإنتاج، وضعف الموارد التمويلية، إلى جانب الفشل في إدارة المتاح منها سواء لجهة المبالغة في الاعتماد على زيادة الضرائب والرسوم لتحصيلها وتجميعها، أو لناحية الهدر والتبذير في استخدامها، إضافة إلى الانتشار الواسع للفساد والرشوة التي أضحت حالة شبه عادية في ظل المناخ الذي ولده موضوع التدني في الرواتب والأجور مقابل الغلاء الفاحش بالأسعار.
لتكن البداية بالاستغلال الأمثل للمتاح من الأراضي الزراعية ومن التراكم الرأسمالي، وبتشغيل الطاقات المعطلة في القوة البشرية وفي القطاعات الاقتصادية المختلفة
وضمن هذا الإطار يكون تحقيق التناسق بين السياسات مطلباً ضرورياً لإنجاز أهداف الخطط والبرامج والسياسات المطلوبة، لجهة تكوين أساس اقتصادي إنتاجي يستند عليه في تحديد أهداف البناء، واستمرار عمل ونجاح السياسات سواء في الدعم والتمويل، أو في زيادة الرواتب والأجور. فالإنتاج ثم الإنتاج.. ثم الإنتاج هو المؤشر الذي يجب الانطلاق منه، وليكن بداية بالاستغلال الأمثل للمتاح من الأراضي الزراعية ومن التراكم الرأسمالي، وبتشغيل الطاقات المعطلة في القوة البشرية وفي القطاعات الاقتصادية المختلفة، بعضها جاهزة ولا تحتاج لرأس مال كبير لتشغيلها وتشكل المنطلق السليم الذي نحتاجه لتحسين الخلل في المؤشرات الاقتصادية الكلية، ولتوفير مصادر التمويل اللازمة للتنمية، ولزيادة قوة الدولة في سعيها لاستعادة سيطرتها على موارد الطاقة والغذاء الواقعة خارج سيطرتها، وصولاً للعمل على استثمارها وطنياً. وكل ذلك لا يمكن إنجازه بالخطابات والأوامر الإدارية، بل يحتاج لقرارات اقتصادية وجهود استثنائية وعلى أكثر من صعيد، وما لم يتم العمل بمقتضاها، سيبقى الوضع الاقتصادي والمعيشي يعاني، واستخدام الموارد يفتقر إلى الكفاءة الاقتصادية، وتبقى مقومات نجاح السياسات محفوفة بمخاطر غياب الاستقرار، وتشتت جهود التنمية.