“خمسة أيام لم يسمع بها أحد” عنوان مفتوح لبدر أحمد.. أحداثٌ كثيرة في توليفة حربٍ تصلح لكلّ مكان 

تشرين- راوية زاهر:

(خمسة أيام لم يسمع بها أحد).. رواية للكاتب اليمني بدر أحمد، والحائز على جائزة “كتارا” الدولية للرواية، ومن أولى أعماله الروائية (أمطار سوداء) عام ٢٠١٢م

أما رواية (خمسة أيام لم يسمع بها أحد)، – غاية هذا المقال – فهي صادرة عن دار دلمون الجديدة بدمشق..

وفي استهلالٍ لافتٍ للرواية طالعتنا العبارة الآتية:

“كنْ جباناً ياولدي! كنْ جباناً؛ فلاشيء في هذا العالم يستحق أن تهرق دمك لأجله”.

في العنوان

عبارة تعكس عبثية الحروب المنتشرة على سطح هذا الوجود المملوء بالفوضى وازدواجية المعايير، ورائحة اللحم المتفسخ والدم المتخثر… عبارة قالتها (شفاء) الشركسية أم بطل الرواية (زياد) والذي لم يسعفه القدر في كونه وحيد والديه من سحبه زوراً إلى الجندية ومن ثمّ الدخول في آتون حربٍ عاش فيها مهادناً للموت من لحظة دخوله وحتى آخر رصاصة أضلت طريقها عن رأسه وأطرافه.

(خمسة أيامٍ لم يسمع بها أحد) عنوان لرواية بأحداثٍ ثرّة وفصول غاصت في عالمٍ روائي وسردي متنامي الحدث، وبعبقرية كاتبٍ جعلك تتوه في مكان وزمان الحكاية، تنطبق أحداثها على كلّ مكان في هذا العالم تُخاض فيه حروب لغاية في نفس أصحابها.

فخمسة الأيام هذه تنطبق بنسقها البنائي على أكثر من حدث، وأكثر من مكان، وكان العنصر الزمكاني منسجماً تماماً لينطبق عليه العنوان…

ويقودنا العنوان إلى التساؤل بعد الغوص في مجريات الأحداث: هل خمسة الأيام التي لم يسمع بها أحد هي خمسة أيام مرّ بها (زياد) بطل الرواية من لحظة دخوله معسكر التجنيد ومروراً باستهداف ناقلات الجند التي لم ينجُ منها أحدٌ سواه وابن الفيتنامية؟ وتستمر للحظة نجاته وهروبه ومن ثمّ القبض عليه وتعذيبه وهروبه مع ابن الفيتنامية، ثم وفاة الأخير، وانتقاله إلى معسكرٍ للجيش، وبعد ذلك أسره والحكم عليه بالإعدام، وفي نهاية المطاف رميه بين الصبار وإطلاق النار عليه ليكتشف أنه نجا… وعودته أخيراً ليروي لنا أحداث هذه الأيام الخمسة.. فلولا عودته ما كان ليسمع عنها أحدٌ..!

خمسة الأيام هذه، هي خمسة أيام ل(ناجي عواد) بعد تعرضه للحرق في مشهديةٍ دامية تفوح منها رائحة الشواء والكبريت، وتنقله بين قريته والمدينة لينتهي به المطاف مقتولاً على مدارج المدينة…؟؟

شخصيات الرواية

توزعت الرواية على مقتطفات وفصولٍ روائيةٍ بدأت بسرد السيرة الذاتية لعائلة محي الدين النقاش.. والد (زياد) بطل الرواية، فالوالد صاحب مهنة ورثها عن أبيه وهي نحت ونقش الجبس، وبعد كساد مهنته اشتغل بإصلاح الأدوات الكهربائية وما رافقها من نزقٍ وصراخ وتحطيم لها، ليصاب بأمراص مستعصيةٍ وبعدها بداء الصمت والجمود كتمثال، ليمتهن بعدها مهنة نحت الخشب التي أعادت له توازنه، ومن ثمّ لتنتهي حياته قهراً وكمداً على مصابٍ جلل أصاب القرية نتيجة الضربات الخاطئة للطيران أودت بحياة العشرات وتفحمهم ودفنهم في مقبرة جماعية.

فشخصية محي الدين النقاش شخصية ثابتة ذات نمط واحد كالأم التي حافظت على رباطة جأشها وعنفوانها طوال أحداث الرواية.

أما بنات النقاش (هناء، إلهام، ندى) فقد حملن شخصية تكاد تكون واحدة يصغرن (زياد)، متشابهات السلوك والملامح والملبس، والأفكار والأذواق، ومنعزلات يشتغلن في الصوف والمشغولات اليدوية… ولا حدث يُذكر سوى رغبة ناجي عواد في الزواج بهناء، ومساومته على ذلك بمصير أخيها زياد.

أما (زياد).. بطل الرواية وعلى لسانه سُردت الأحداث! وقد استخدم ضمير المتكلم.. فهو الولد الوحيد لعائلة النقاش، محبّ للمطر وحالم، هزيل االأطراف كأعواد الخيزران، حاز على شهادة علمية وفرض عليه والده مهنته في نحت ونقش الجبس.. طُلب إلى خدمة العلم، رغم أنه معفى، ورافقه الموت طوال تلك الرحلة وحول تفاصيل غربته دارت أحداث الرواية.

ناجي عواد

أما الشخصية التي حملت حضوراً خاصّاً ومميّزاً بعبثيتها وشرها المطلق فهي شخصية (ناجي عواد).. شخصية دارت حولها الأحداث، وتداخلت، شخصية رئيسة بكل تفاصيلها، ومتطورة مدورة ومعقدة ولا يمكن التكهن بمصيرها وتعطي مظاهر تتسم بالتناقض.

دارت الشبهات حول ولادته وارتبطت بأسطورة يهودية حملت الخراب والدمار للقرية، سبق أن تعرّض لحادثٍ مروّع أفقده فحولته، وانعكست فاجعته على سير الأحداث في حياته، فارتكب الكثير من الموبقات والجرائم والتبلي بحق زوجته والناس، وكان في نهاية المطاف عميل ومهرّب للسلاح.. لتنتهي حياته بشكلٍ يليق بأفعاله الشنيعة مليئة بالقروح النفسية والجسدية.

أمّا مختار القرية والنساء المشاركات في عزاءاتها المتكررة فكانت شخصيات ثانوية مساندة للحدث ووسيلة للكشف عن جشع ووحشية البطل السلبي ناجي عواد.. فالمختار كان ضحيته لأكثر من مرة، بحكم سلطته أولاً، وتحرشه بزوجته ثانياً، وقتله بشكلٍ مباشر ثالثاً..فناجي عواد من جهة وزياد المعذّب هما شخصيتا الرواية الرئيستان واللتان شكلتا ملامح الرواية من خلال تفاعلهما داخل أحداثها.فشخصية البطلين كلٌّ على حِدة اختارها الكاتب لتقوم بتمثيل الدور الذي أراد تصويره والتعبير عن الأفكار والأحاسيس التي قصدها لكونها المحور الأساسي والنقطة المركزية التي تدور حولها الأحداث، أمّا الشخصيات الأخرى فهي عوامل مساندة لها.

عن الأحداث

قامت الرواية على مجموعة من الأحداث والوقائع المرتبة بتناسقٍ زمني متصاعد، إذ دارت حول موضوع الحرب الطائفية وأحداثها المباشرة في عمق المعارك، القائمة على الحقد بين قوات السلطة المتمثلة بالجيش والحركة المتمردة، وما رافقها من الوحشية القائمة على القتل العقائدي والعبثية وانتشار أمراءالحروب، فلاحيادية في الحرب، حيث لا سلام ولا عفو..

عن الأسلوب

تميّزت الرواية بأسلوبها الشائق المستمد من رتابة النسق، والأحداث المفتوحة، فالكاتب متمكن من أدواته فقد تميّز بحبكته المحكمة القائمة على البداية والوسط والنهاية.. وذلك بتسلسل زمني منتظم ونهاية واضحة ومُرضية.. وكذلك الأحداث الحزينة والمخيفة، فقد سيطرت على الكثير من مشاهد السرد الروائي، وكان لها دور في تطوير القصة وإثارة مشاعر الخوف والحزن وتعزيز التوتر والتشويق في القصة..

كما برز الحوار أيضاً ليضفي جمالاً وتماسكاً ورشاقة على منطق الأحداث. وقد انطلق الحدث الروائي من فكرة الارتباط المصيري بين أحداث الرواية.

رواية بزمنٍ مبهم ومكانٍ مبهم وسرد مميّز تشي بعبقرية الكاتب وقدرته على فتح باب الإبداع على مصراعيه.

 

الكتاب: خمسة أيام لم يسمع بها أحد- رواية

الكاتب: بدر أحمد

الناشر: دار دلمون الجديدة – دمشق

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار