تكتب مختلف أنواع الأدب الوجيز.. الشاعرة رجاء الراعي: (الهايكو) هو فن التقاط اللحظة والمشهد بسرعة كسرعة آلة التصوير

تشرين- هويدا محمد مصطفى:
“كفة الميزان –
في قانون الحب
الخسارة فوز ..”
تكتب قصيدتها، وهي مازالت على مشارف الإبداع وبين أصابعها الخجلى تمضي حكاية الأيام لتصدح الروح في أوردة النصوص.. تكتب رجاء الراعي القصيدة، وكأنها تعزف من خلالها على قيثارةٍ منبعثةٍ من كوامنها.. ثمّ وتلقي بظلالها الأنثوية على فلسفة الشعر المشبع بفكر ومفهوم جمالي عميق من خلال لغةٍ متقنة، واستعارات مستمدّة من مخيلةٍ تعكسُ مرآة الذات.. وذلك من خلال قصيدة: الهايكو والهايبون وغيرها من أنواع الإبداع الذي يدخل في إطار الأدب الوجيز..
وللتعرف على عالم الشاعرة رجاء الراعي التقيناها وكان لنا معها هذا الحوار:
* الشعر يقدمك، أم أنت تقدمين نفسك للشعر وللمتلقي ، رجاء الراعي كيف تقدمين نفسك للقارىء ؟

الشاعر يكتب ما بداخله سواء جاء ذلك جريئاً أم لا ولا يمكن أن نضع له حدود

كثيراً ما يأخذني الشعر لعزلتي.. هناك حيث أراقص سنابل القمح تارةً، وأطير مع الفراشات تارة أخرى .. وفي تلك الفسحة الشعرية أحدث الشجرة، وألقي السلام على الوردة في الطرقات.. كما أتامل السماء. وأطلب منها الاستماع لكل جديد.. وعلى مهلّ أصنعُ قهوتي المسائية، وألبس ما يريحُ جسدي المضغوط طوال النهار.. من هذه الثنيات اقتنص نصوصي كما تقتنصُ العصافير أعشاشها في ثنيات الشجر..
“صامتٌ مستمعٌ –
لا يبرحُ المكان
قمر المساء..”
* لنسرد إذاً حكايتك مع الشعر؟
عندما كنتُ صغيرة في المدرسة.. كنتُ أكتب الأغاني للأطفال، كما كتبتُ لهم القصص أيضاً، وبعد ذلك انقطعت عن الكتابة لفترةٍ طالت كثيراً.. وعندما عدت سنة ٢٠١٧.. كان تمّ تعريب الهايكو في العالم العربي، وكثر التنظير له، لاسيما وأنّ عرابه الأول في العالم العربي الشاعر السوري محمد عُضيمة المقيم في طوكيو- العاصمة اليابانية.. من هنا بدأت بقصائد: الهايكو، والهايبون، والتانكا، والتايكون.. ومن ثمّ بدأت
أكتب شعر الومضة، والقصة القصيرة جداً، كذلك قصيدة النثر..
* هل على الشاعر أن يكون جريئاً في قصائده أم أن هناك قيوداً عليه أن يلتزم بها برأيك؟
الشاعر قدوة، وصوت مؤثر كما يفترص.. وهو بذلك يختلف عن عامة الناس.. ذلك أنه يملك حساسية مختلفة تجعله يرى الأمور من زاوية مختلغة أيضاً..
ومن وجهة نظري؛ فإنّ الشاعر يكتب ما في داخله سواء جاء ما في داخله جربئاً أو لا.. ولا يمكن أن نضع له قيوداً، أو أن نحاول تأطيره بشواغل معينة وبأسلوب نحن نريده.. الشاعر – كما ذكرت- يرى بعين حساسة وصادقة وبعيدة المدى.. ومن جهتي لا التزم بشيءٍ سوى بالكلمة التي تأخذني إلى حيث تريد.. وأنا مؤمنة جدا بصدق هذه الكلمة وبقوة الطاقة الكامنة في داخلها..
“حزمة الحطب –
تهتزُ قدماها
طويل درب الشتاء..”

قصيدة الهايكو أجدها أنها تشقُّ طريقها في مسار الشعر العربي مجاورةً ر قصيدتي النثر والتفعيلة

* نعود لما تكتبينه من قصائظ الهايكو والهايبون والتانكا ماذا تحدثنيا عن ذلك؟
الهايكو كما أمسى يعرفه الكثيرون فنٌّ ادبي ياباني، وله حساسيته اليابانية التي تختلف عن كل لغات العالم.. ومع ذلك صار له مقاربات في كل لغات العالم تقريباً ومنها اللغة العربية تحت مسمى الهايكو.. الذي هو فن التقاط اللحظة بسرعة كسرعة ألة التصوير..
هو شعر اللحظة، شعر الحس الدقيق لهذة اللحظة التي ممكن أن تجسد وتختزل رواية بأكملها.. وكذلك
هو شعر الإيجاز الشديد والكثيف، هو فن مدهش للمعنى والألفاظ ويعطي مجالاً للتأويل.. الهايكو هو ان تكتب بلغة طفل وبحكمة شيخ.. والهايكو يحتاج دائماً لحدث نعيشه في زمن ما يحدث في الطبيعة..
وكما هو معروف؛ تتشكل قصيدة الهايكو من ثلاثة أسطر، بسبعة عشر مقطعاً صوتياً موزعة بهذا الترتيب: (5/7/5، )، ويلتزم كل من السطر الأول والثاني الشرطة (-) والفاصلة (،) اللتان تفصلان بين السطر الأول والثاني، وبين الثاني والثالث.. قد يتضمن مشهداً بصرياً وأحياناً مشهدين واحدٌ يمهّد للأخر..
“عجزة بلا عكاكيز –
انحناءة الظهر
وطن يتوجع..”
* ما تقدم كان عن ماهية الهايكو، لكن ماذا عن (التانكا)؟

التانكا.. هو الآخر شكلٌ من أشكال الشعر الياباني، وقريب الشبه من شكل الهايكو، إلا أنه يتكون من مقاطع أكثر، تتوزع على خمسة أسطر وتتوالى على النحو التالي ( 5-7-5-7-7) بدلاً من سطور الهايكو الثلاثة التي تتوالى مقاطعها على نحو مختلف.. هنا
نجدُ نصَ التانكا اليابانيَ إنه يُعالجُ الأحاسيسِ والمَشاعرِ .. فقصائد التانكا رومانسية بطبعيتها سواء برؤيتها للطبيعة أو الحب.

لا أتعب نفسي في البحث عن الكلمة.. غالباً هي من تكتبني

“متشابهان
دروبٌ مشتركة
بنفس الوقت
وربما
خطان متوازيان
عشرون حباً
خطواتٌ وخطواتٌ
مقام الوله عظيم
فن المشي
الحبو أولوية …”
وأما الهايبون فهو كتابة نص نثري أو موقف او قصة او حوار وإنهاء النص بنص هايكو مناسب لحالة النص..
“هايبون
على أملِ
ما عدتُ راغبةً
بهذا الأملِ …
على أيةِ حالٍ
وَجبتي المفضلة اليوم
شاورما الفرح
بكلِّ الألمِ
زرتُ شوارعَ
مدينتي المكتظَّة
بالمللِ والميلِ للنومِ
إنحناءةُ الرؤوسِ
على أبوابِ
الدكاكينِ والأرصفةِ…
سرقْتُ من دفتري
ضحكتي والشاورما
أيامُ بردى وقاسيون
أنا والصديقات
وصدى الضحكات..
على ساحِ الوطنِ
أحلامٌ كبيرة ..
وجبتي اليوم الفرح
ياسادة
أريدُها أريدُها…
صاحَ ألفُ صوتٍ
من كل صوبٍ
أطفالُ سورية
نساءُ سورية
رجالُ سورية
لَومٌ ولومٌ ولَوْ
أمل –
أصواتٌ من الأبجديةِ،
ألمٌ ومللٌ لومٌ ولَوْ ..”
* لمن قرأت رجاء الراعي وتأثرت وماذا قدمت لك تلك القراءات؟
أحاول دئماً أن أكون على تواصل مع القرآن الكريم أفضل معلم لنا … وقرأت كثيراً لأقطاب الشعر العربي: محمود درويش، ونزاز قباني، ومظفر النواب، وغيرهم.. كما قرأت الكثير من الروايات، وأقرأ للكثير من الأصدقاء.. القراءة لا شك تزيد حصيلتنا اللغوية وتزيد مخيلتنا وتوسع مداركنا وتعلمنا سحر اللغة العربية، وكل ما قدمته لي أسراب حمام من كل بلاد حسب الظروف والوقت..
“لولا جروح وديانها –
لكانت التأمت
دوائر الجبال …”
* قصيدة الهايكو والهايبون والتانكا هل لها إنتشار بين الشعراء وقبول من النقاد في العالم العربي برأيك؟
قصيدة الهايكو – ربما- تشقّ طريقها اليوم في مسار الشعر العربي وهي تجاور قصيدة النثر وشعر التفعلية تقريباً بنفس المساحة لاسيما عند الأجيال الحديدة..
ولكن – كما ذكرت – لها عالمها الخاص.. فهي بالأصل فنون يابانية قديمة المنشأ، ولها شروطها وخصائصها.. ومن ثمّ تأتي المحاولات العربية الناجحة لكتابتها وتطويرها حتى أصبح لها اليوم ما يُشبه التأصيل لها عربيّاً.. صحيح أن أكثرها انتشاراً الهايكو، لكن جميع هذه الأنواع أصبحت منتشرة جدا بالوطن العربي بنسلٍ ظختلفة، ولها أدبائها ونواديها الكثيرة ونقادها الكثر أيضاً… وكثيرة هي الملتقيات التي تعقد لأجلها والتي لاقت استحساناً كبيراً، ويميل العديد لكتابتها وخاصة في زمن السرعة.. والنصوص القصيرة تلقى رواجاً وتأخذ حقها في البلدان العربية.. اما في سوريا. فلا تأخذ حقها وغير معترف عليها في المؤسسات الرسمية، ومن هنا فكتابها قلة..
“شمسٌ ساطعة –
للسنابل ينحني،
جدي والمنجل..”
* القصيدة حدثٌ يرتبط بموقف معين، ماالذي يثير قلمك وفي أي الحالات تكتبين؟
أكتب عندما أكون في حالة تأملٍ عميقة، وحسب الحدث.. وأحيانا كثيرة فجأة. وبلا مواعيد أراني أنجزت قصيدة، وأقول هل هذا إنجازي؟!
لا أتعب نفسي بالبحث عن الكلمة فهي من تكتبني.. طويلاً أبقى تحت تأثير سكرة الكلمة بنبيذ الاحساس فأفيض فقط.. أتأثر طبعاً بالمواقف والوطن كثيراً لحد.الانجدال، ومن هنا يؤلمني جداً هذا الموت من حولنا
* كيف تجدين إبداع المرأة وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي وماذا قدمت لك تلك الوسائل كشاعرة؟
المرأة الملكة.. رمز الجمال والعطاء والخلق والإحساس، هي شاعرة وملمهة بالفطرة.. ويكاد ان يكون الإبداع متقارباً بين الجنسين الرجل والمرأة سواء من حيث الكم، ومن حيث النوعية، وكذلك من حيث الشواغل والهم الشعري..
أما لجهة وسائل التواصل الاجتماعي، فقد قدمت المرأة الموهوبة الكثير من فرص الظهور.. كما وازدادت.معارفها وقدراتها وتحررت من خجلها وترددها.. وبالنسبة لي كانت كريمة ومحفزة ومعلمة خلقت لي الكثير من الأصدقاء والمعارف الذين أعتز بهم جميعاً..
“طقسٌ بارد –
تلتقط صور ما تخفيه
نظارتها السوداء..”
* هناك إشكالية حول قصيدة النثر مارأيك بذلك كونك تكتبين هذا النمط من الشعر؟
ربما تحاوزت قصيدة مختلف إشكالياتها وكل الحذر والنظر إليها بريبة وقد وصل حضورها إلى ما يُقارب من مئة سنة.. ربما الإشكالية اليوم في الأنواع الوجيزة بين من ينظر إليها وفق قواعد وشروط، وآخر ينظر إليها كنصوص يحق لها الانتشار والظهور والانتظار لمدى ثباتها في زمن لا يلوي على سكون.. و أي شعر جديد – كما صار معلوماً- يلقى الكثير من الإنتقادات والاستغراب والتهجم عليه واستنكاره، ويأخذ وقتاً ربما يطول أحياناً حتى يثبت نفسه ووحوده..
من جهتي أنا من عشاق قصيدة النثر لأنها تعطيك مساحة كبيرة للتعبير عن مكامن النفس وعمقها

تحتل قصيدة النثر اليوم مساحة واسعة وتكاد أن تأخذ كامل مساحة ديوان الشعر السوري

وتحتل قصيدة النثر اليوم مساحة واسعة وتكاد أن تكون أكثر شيوعاً في الساحة الأدبية، لها روادها ونقادها وقراؤها.. هي نص شعري لا يعتمد الوزن ولا القافية وإنما ثمة معايير أخرى تؤكد مكانتها “لو بيدي
أطير إليك
وأقسم إنك
للحب تواقاً…
أراك مبتهجاً
وكأنك الآن خلقت للحياة؛
تنثر قمحاً،
ودون موعد
تجعل للسنابل
موسم حصاد،
وتفر من يديك
أرغفة…”
* ماذا تحدثينا عن مجموعتك الشعرية (زفرة الناي) وتجربتك الأولى وخصوصاً أنها من شعر الهايكو؟
(زفرة الناي) هي مجموعة قصائد هايكو من باكورة كتاباتي.. كنت قد نشرته نصوصاً في الكثير من الصفحات والمواقع التي تعنى بشعر الهايكو.. ومن كانت طباعته في دولة بمصر الشقيقة من قبل
مؤسسة ديوان العرب للنشر والتوزيع ” الحب O2 “..
* هل لديك مشاركات في الملتقيات الثقافية وكيف تجدين الواقع الثقافي في ظل الظروف الراهنة؟
نعم لكن مشاركات قليلة، ولقد شاركت في معظم ملتقيات (الملتقى السوري للنصوص القصيرة- الأدب الوحيز) الذي أسسه الصحفي والشاعر علي الراعي.. ملتقيات وصل عددها إلى خمس وعشرين ملتقى في مختلف المحافظات والمدن السورية، وذلك منذ سنة ٢٠١١ إلى اليوم، حيث يحضر للملتقى بفعالياته ال(٢٦) الذي ستكون خلال الأسبوع الأخير من شهر نيسان القادم في المركز الثقافي – أبو رمانة بدمشق..
* ماهي مشاريعك القادمة؟
** الحقيقة المشاريع كثيرة، وحققت جزءاً منها نعم.. والقادم منها أحضر لمجموعة بعنوان ( أربعون خريفاً وما عرفتك ) وكذلك لمجمزعة هايكو بعنوان (تأمل -الصورة لاتكفي)..
“التذوق بالعينين-
كم طويلة نظراته
اتراه أبكم؟!”

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار