تاجر سوق الهال يقوم بدور المصرف الزراعي.. مزارعون يصرخون من معوقات تبدأ من “الحقول المحميّة” وتصل إلى معبر نصيب الحدودي
طرطوس- نورما الشيباني:
تشكّل الزّراعات المحميّة عامة وزراعة البندورة خاصة مصدر رزق لآلاف العائلات في طرطوس، إذ إنها من أهم الزّراعات في المحافظة، وتدعم القطّاع الاقتصادي لجهة التصدير.
يوجد في طرطوس أكثر من ١٤٠ ألف بيت بلاستيكي، نسبة زراعة البندورة منها بين ٦٠ و ٦٥ %، وهي تشكّل السّلة الغذائيّة لسورية في فصل الشّتاء. هذه الزّراعة يعاني أصحابها صعوبات تحتاج حلاً سريعاً قبل عزوفهم عنها، كونها لم تعد تلبّي حاجاتهم.
يوجد في طرطوس أكثر من ١٤٠ ألف بيت بلاستيكي تشكّل السّلة الغذائيّة لسورية في فصل الشّتاء
خسائر متلاحقة
يشكو مزارعو البندورة من الخسائر الكبيرة التي تلاحقهم، وبات الاستمرار في هذه الزراعة نوعاً من المغامرة. يؤكد المزارعان حسن الطّويل وزهير نمنوم، أنّ زراعتهما تواجه صعوبات وتحدّيات حقيقيّة، تبدأ من غلاء البلاستيك الزّراعي “النايلون”، وكل بيت يحتاج إلى “لفّة” للبيت و”لفّة” للتعقيم و”لفّة” تنقيط، ومخلفات دجاج وبذار و”كيس تورب”، وبهذا تتجاوز التّكلفة ٨ ملايين ليرة، عدا عن أجور عمال التّركيب والفلاحة والناموسيات والأدوية وثمن الفلّين المرتفع الذي يدفعانه ثم يرد إلى المعمل ليعاودا شراءه من جديد.
يتابع المزارعان: كنا نحصل على السّماد المدعوم من الدولة، وحالياً أصبح سعره مرتفعاً جداً وغير متوفر، ما يدفعنا لشرائه من السوق الحرة ونصبح تحت رحمة التّجار، كما نعاني غياب الكهرباء ونقص المحروقات، كل هذه التّكاليف والأعباء لنكون في النهاية خاسرين بسبب تسعيرة غير مدروسة و”كمسيون” سوق الهال ونسبة الوزن وغيرها.
يطالب مزارعو البندورة بتشكيل لجان مختصة لدراسة تكلفة الإنتاج وعلى أساسها يتم التسعير للمحافظة على هامش ربح للمزارع الذي يريد أن يعيش لا أن يسترد تكلفته فقط
وطالب مزارعو البندورة بتشكيل لجان مختصة لدراسة تكلفة الإنتاج، على أساسها يتم التسعير للمحافظة على هامش ربح للمزارع الذي يريد أن يعيش لا أن يسترد تكلفته فقط، ويكون الخاسر هو والمستهلك معاً.
فعالية رديئة
المزارع محمود عيسى أوضح أن أكثرية المزارعين تركوا زراعة البندورة والخضروات واتجهوا إلى الزراعة البديلة مرغمين، لأنها أقل تكلفة، ولهذا يجب دعم المزارع كي يستمر في زراعته بعد وقوفه عاجزاً أمام الفرق الكبير بين التّكلفة والبيع، ونوه بأهمية ضبط عمل الصيدليات الزّراعية وفرض تسعيرة أسوة بصيدليات الطّبابة ووجود رقابة على الأدوية والأسمدة وأنواعها، في ظل التّلاعب الحاصل بتراكيبها وانخفاض فاعليتها ومردودها.
وأضاف عيسى: نحتاج، كمزارعين، الدّعم لنستمر ونتمسك بأرضنا، ونحن كدولة زراعية من غير المنطقي أن نستورد الخضار والفواكه، في وقت يجب أن نصدّرها إلى كل دول الجوار وندعم الفلاح والاقتصاد.
استدانة من دون فوائد
رئيس لجنة سوق الهال نزيه سعيد منصور، أكد أن العائق الأساسي أمام الزراعات المحمية هو غلاء مستلزمات العمل الزراعي من نايلون وبذار ومبيدات ومعقمات ومثبتات زهر وهرمون وسماد و”تورب”، وجميعها تستوردها شركات خاصة من الخارج وتبيعها للمزارع “بالدَّين”، حيث تقوم بتحصيل هذه القيم في نهاية الموسم، ويقوم المزارع بالتسديد وفق سعر الصرف الرائج، وهذا ما ينعكس سلباً عليه، ومقابل ذلك يقوم المزارع بالاستدانة لبعض الأمور المتممة من تجار الجملة في سوق الهال بالليرة السورية على شكل سلف من 5 ملايين إلى ٣٠ أو ٥٠ مليوناً ليكمل موسمه ومن دون أي فوائد لتاجر الجملة ويسدد المزارع السلف للتاجر من قيمة محصوله، وبالتدريج على مدار العام، وهذا يعني أن تاجر سوق الهال يقوم بدور المصرف الزراعي بالنسبة للمزارع من دون فوائد، فقط يقوم التاجر باقتطاع نسبة عمولة ٧% متضمنة “الاهتلاكات و التضخم وضرائب الدخل والإشغالات من ماء كهرباء وأجور العمال”، كل هذا من ٧% بحيث يبقى لتجار سوق الهال ٢% من نسبة ٧% وفي حال تطبيق القرار الصادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ ١٥ / ٦/ ٢٠٢٢ القاضي بإلزام التجار تقاضي عمولة ٥% من قيمة المبيعات، سيؤدي هذا القرار لاحقاً إلى تقاعس العديد من التجار والتوقف عن متابعة عملهم وأداء دورهم بشكل إيجابي تجاه الفلاح، لأن فائدة هذه النسبة تكاد تكون معدومة عليهم، وهذا سينعكس سلباً على المزارعين من حيث إتمام عملية البيع وتأمين السلف اللازمة لزراعتهم لاحقاً، كون التاجر سيتردّد بتمويلهم، إلا قلّة قليلة من “الذين سيتلاعبون بالأسعار”.
منصور: الدور الأساسي لسوق الهال في طرطوس تلاشى بسبب عزوف المزارعين عن القدوم إليه لوجود انتشار المراكز في مناطق الإنتاج الزراعي
وللعلم فإن ٥٠ % من تجار سوق الهال يقومون بتسديد ثمن البضاعة المورّدة من المزارعين نقداً، ويقومون بالبيع لأجَل للتجار الذين يشحنون إلى المحافظات وإلى خارج القطر، وهذا محفوف بالمخاطر بالنسبة لتاجر سوق الهال، كون هذه الديون غير موثّقة وغير مضمونة.
دور ضعيف
منصور أشار إلى أن الدور الأساسي لسوق الهال في طرطوس تلاشى، وذلك لأسباب: عزوف المزارعين عن القدوم إليه بسبب انتشار المراكز في مناطق الإنتاج الزراعي، حيث يبيعون مباشرة في المراكز التي تجاوز عددها في طرطوس ١٣٥ مركزاً، إضافة إلى غلاء أجور النقل، ويقوم المركز بتسعير البضاعة مستأنساً بأسعار سوق الهال،
ولكن بأقل من ٣٠٠ إلى ٥٠٠ ليرة من كل كيلو غرام، بحجة توفير الوقت والجهد والأجارات للمزارع، وبهذا نكون وصلنا إلى طريق اللامركزية في التسعير، ما يؤثّر سلباً في أسعار المواد في المحافظات الأخرى التي تستورد المنتجات من طرطوس، وهذا ما يفسر رخص المنتجات في المحافظات الأخرى عن محافظة طرطوس المنتجة، و هناك ظلم بحق المزارع و تاجر سوق الهال بالعمولة ٥%، وسعر عبوات الفلين يتحكم بها صاحب المعمل.
معوقات تصديرية
منصور نوّه بأنه يتم تصدير البندورة للخليج “السعودية” وإلى لبنان، حيث يصدّر يومياً من بانياس ٣٠٠ طن من البندورة إلى الخليج ومن طرطوس إلى لبنان ١٠٠ طن “باذنجان، كوسا، بندورة”، لكن هناك معوقات من جهة الأردن في معبر نصيب أحياناً.
تباين في الأسعار
من جانبه، صرّح رئيس اتحاد الفلاحين في طرطوس فؤاد علوش، بأن غلاء مستلزمات الإنتاج يرهق الفلاح، وعندما نتكلّم عن سعر مادة معينة من إنتاج الفلاح، وخاصة البندورة، نرى أن هناك تبايناً في أسعارها وانخفاضاً كبيراً خلال فترة الذروة من الإنتاج.
محمد: شكوى المزارعين محقّة، فيما يخص أسعار الخضار والفواكه في الزراعة المحمية
شكوى المزارعين محقّة
بدوره، أكد رئيس دائرة الاقتصاد الزراعي المهندس أسعد محمد، أن شكوى المزارعين محقّة، فيما يخص أسعار الخضار والفواكه “زراعة محمية”، وهي خاضعة لقانون العرض والطلب، وتوجد جهات أخرى مختصة في معالجة هذه المواضيع، كما إن هناك لجنة مختصة بهذا الموضوع، وهي لجنة دراسة تكاليف الإنتاج للمنتجات الزراعية الرئيسية “محمية وأشجاراً مثمرة “، وذلك من الواقع الميداني وهي ممثلة بأعضاء من فرع الحزب واتحاد فلاحي طرطوس.
أخيراً: إن استمرار تراجع الإنتاج وخسارة المزارع بسبب الغلاء من جهة، ومواجهة غضب الطبيعة من جهة أخرى، ستدفعه إلى العزوف عن زراعة أرضه، ومن الواجب دعمه بكل الوسائل.