منى إلياس.. رحيل هادئ بعد خمسين عاماً من العطاء

تشرين- محي الدين المحمد:

يترك الراحلون غصة في القلب مع استرجاع شريط من الذكريات قد يلخص تاريخاً من الصراع مع الحياة لبناء الذات، لكن الغصة التي تركتها  الأستاذة والمربية الفاضلة منى إلياس أستاذة العربية في جامعة دمشق برحيلها تحمل الكثير من المودة والاحترام والتواصل الذي لم ينقطع بين أستاذة وطلابها، وخاصة في الدفعة التي قامت بتدريسها علوم اللغة العربية فور حصولها على شهادة الدكتوراه، وتعيينها في جامعة دمشق في العام الجامعي 1974/1975 وكنا أيامها في السنة الثانية قسم اللغة العربية، وكان العديد من طلاب السنوات الثالثة والرابعة يحملون المادة لصعوبتها وربما للتهيب منها ومن مدرسيها، الذين كانوا شيوخ العربية على مستوى الوطن العربي، فقد كانوا يعدون أي خطأ في الإعراب كفرة لا يمكن غفرانها، وأذكر من ه‍ؤلاء الأساتذة عاصم بهجت بيطار وأحمد راغب النفاخ ومازن مبارك وقبلهم سعيد الأفغاني (رحمهم الله).
الأستاذة منى إلياس كان لها الريادة كسيدة في تولي حقيبة علوم اللغة العربية في جامعة دمشق، وكان فارق السن بينها وبين بعض طلابها لا يتجاوز الخمس سنوات، بينما كان العديد منهم أكبر سناً، وقد استطاعت خلال مدة وجيزة أن تزيل الرهبة من مادة النحو والصرف التي تعود الكثير من الطلاب أن يتوقف تخرجهم سنوات طويلة نتيجة رسوبهم في مقررات النحو والصرف.
ليس من خلال تبسيط المادة والإسهاب في شرحها فقط، وإنّما لأنها مدت جسوراً من التواصل بينها وبين الطلاب، والحوار معهم، والإجابة على استفساراتهم، وتزويدهم بخلاصة خبراتها في تذليل صعوبة المادة.
نجحت الدكتورة منى إلياس خلال أشهر في إثبات أنّ صغر سنها أنها لا تقل كفاءة في إيصال كافة ما يتعلق في خفايا النحو والصرف عن شيوخ اللغة العربية الذين ذكرتهم، واستطاعت أن تزيل الحواجز النفسية بينها وبين طلابها من الجنسين في علاقة مبنية على الاحترام لهرم علمي ولتواضع وثقة بنفسها وبقدرة طلابها.
لقد كانت الأستاذة منى إلياس هرماً معرفياً وتربوياً أضافت لنا الكثير في طريقة إيصال المعلومة وتبسيطها، وفي طريقة حياتها البسيطة، وتواضعها، وتسخير كامل وقتها لطلابها.
عندما كانت تكتب مقالها الأسبوعي في جريدة تشرين كانت تحرص على تسليمه باليد، فقلت لها يادكتورة لماذا تعذبين نفسك بالقدوم إلى مبنى الجريدة في حي الميدان؟ ولماذا لا ترسلين المقال بالفاكس؟ أجابتني مبتسمة: وهل تريدني أن أنحرم من رؤية أولادي في صحيفة تشرين ولو لمرة كل أسبوع؟ أنتم من درستكم في السنة الأولى لتعييني في جامعة دمشق تربطني بكم علاقة أعتز بها.
وبالفعل كانت دائماً تسألني عن العديد من زملاء دفعتي، وكأنها تسأل عن أحد أبنائها.
رحلت منى إلياس بعد خمسين سنة من العمل والعطاء، وتركت سيرة علمية وتربوية وإنسانية عطرة كانت فيها مثلاً وقدوة في التفاني والتواضع والحس الإنساني الشفاف.
الرحمة لروحها الطاهرة والصبر والسلوان لأسرتها الكريمة مع خالص العزاء لأهلها ولزملائها في جامعة دمشق  ولطلابها ولكل من تألم برحيلها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار