القطاع الصحي في دير الزور… جهودٌ كبيرة تُعكرها مفرزات الأحداث!

دير الزور- عثمان الخلف: 

أشكال من المعاناة يعيشها أهالي محافظة دير الزور قبالة واقع القطاع الصحي، الذي فقد الكثير من مقومات فاعليته، معاناة تزيدها الأوضاع المعيشيّة سوءاً، تبدأ بالنقص الحاد في الكوادر الطبيّة المُختصة، وعدم القدرة على تعويضها، في ظل إحجام الأطباء عن التعاقد مع القطاع الصحي العام، مروراً بمجمل الكوادر الصحيّة العاملة في المشافي والمراكز في المدن والأرياف، وصولاً للنقص في الأدوية، ناهيك بعدم تأهيل مشافي مدينتي البوكمال والميادين، ما يُشكل ضغطاً بالخدمات على مُجمع المشافي، حيث مبنى الهيئة العامة لمشفى الأسد، وانعدام تجهيزات وكذلك أعطال في أخرى، في حين حققت أعمال تأهيل البنى والمرافق خطوات هامة تُسجل في خانة النجاحات الملحوظة لقطاع أضرت في بناه الأحداث بشكل كبير.

31 طبيباً على رأس عملهم فقط من أصل 323 قُبيل الأحداث وعزوف عن التعاقد 

شكاوى بالجملة

عدم تأهيل مشفى الباسل في مدينة البوكمال، يضطر سامي الجدي – من سكان بلدة السيال – لنقل أي حالة مرضية تخصه، تستدعي دخول المشفى إلى دير الزور، مع ما يتكبده من عناء الانتقال ومصاريفه لمسافة تصل إلى 120 كم، ناهيك بما يواجهه من جهد وإرهاق.

ويضيف في حديثه لـ”تشرين”: هذا إن لم نأت على وضع الحالات المرضية الخطرة، فأغلب سكان مدينة البوكمال وأريافها لديهم معاناتهم التي لم تنته بهذا الخصوص، والأمر ينسحب على مدينة الميادين التي تنتظر تأهيل مشافيها، فيما اللجوء للمشافي الخاصة يبدو كحال (المستجير من الرمضاء بالنار)، بالنظر لغلاء أسعار خدماتها.

فيما يلفت أحمد العلي إلى عدم توفر الأدوية بشكلٍ كاف، ما يضطره لجلبها من خارج المشفى، وهذا الأمر يتطلب أن يستقل وسيلة نقل للوصول إلى أقرب صيدلية، مشيراً إلى أن مجمع المشافي يقع في أطراف مدينة دير الزور، ناهيك بعدم توفر أطباء اختصاصيين لمعظم الحالات المرضية. وتتحدث أمل الزغير عن الضغط الذي يعيشه مشفى الأطفال والتوليد : ” ثلاث حالات مرضية على كل سرير مثلاً، أما وضع الأغطية والحرامات فحدث ولا حرج من انعدام نظافتها وتآكلها، إضافة لعدم وجود قسم منافس للمواليد الجدد وقلة المُقيمين من الأطباء فيه.

و يُشير مواطنون آخرون إلى افتقاد المراكز الصحيّة الأطباء بالمُطلق، ما يجعل دورها مُقتصراً أكثر على حملات اللقاح، وبعض حالات الإسعافات البسيطة، ناهيك بقلة سيارات منظومة الإسعاف التي لا يمكنها تغطية مناطق المحافظة، لافتين لتقاضي أطباء أجوراً علاجية يتم الاتفاق عليها مع المرضى في عياداتهم الخاصة لمعاينتهم في مشفى الأسد، وقلة أعداد أجهزة غسيل الكلى، إضافةً للأعطال بالأجهزة في مشفى الفرات وقلة التجهيزات فيه.

مشافٍ تغيب عنها أجهزة وأخرى مُعطلة وضغط بأعداد المراجعين 

واقع حال

لا ينفي مدير صحة دير الزور الدكتور بشار الشعيبي حجم المعاناة للأهالي تجاه خدمات القطاع الصحي، لكن لا ينبغي أن يغيب عن البال ما خلّفته الأحداث التي عاشتها المحافظة، وحجم الأضرار على صعيد منشآت هذا القطاع، وما فقده من مقومات، سواء على صعيد مبانيه وتجهيزاتها، أو كوادره الطبيّة والتمريضّية، حسب حديث الدكتور الشعيبي لـ” تشرين “.

وأضاف: كانت دير الزور تضم 8 مشافٍ حكوميّة، إضافةً لمشفى جراحة القلب الذي كان على وشك الافتتاح، ناهيك بالمشافي الخاصة والتي تجاوزت أعدادها الـ20، فيما هي حالياً تصل إلى 7 مشافٍ . الدمار طال المشافي الحكومية بفعل اعتداءات المجموعات المسلحة، حيث بات مشفيا الفرات و الوطني ( الأطفال والتوليد ) يشغلان أقساماً في مبنى الهيئة العامة لمشفى الأسد( مجمع المشافي) وهذا يُشكل ضغطاً كبيراً بالنسبة للمراجعين ومستوى الخدمات، وما تفرضه الأوضاع المعيشيّة من جعل المشافي العامة قبلةً للمرضى، كذلك نعاني نقصاً في أعداد الأطباء المتعاقدين، ولاسيما في عددٍ من الاختصاصات، فالموجودون من أطباء متعاقدين حالياً وهم على رأس عملهم لا يتجاوزون 31 طبيباً بشرياً اختصاصياً من أصل 323 طبيباً كانوا قُبيل الأزمة.

الشعيبي، أشار إلى أن هذا النقص يترك تأثيراته على جودة الخدمات وانسيابيتها في ظل الظروف الراهنة: إذ يبين أن هنالك عزوفاً لدى الأطباء عن التعاقد، ومنهم من انتقل إلى محافظة أخرى واستقر فيها، عدا عن التقاعد والتسرب بحكم المستقيل، وكوادر مديرية صحة دير الزور ولمختلف الفئات، كانت وصلت إلى 8 آلاف، فيما من هم على رأس عملهم الآن لا يتجاوزون 2500، ما بين أطباء وممرضين وإداريين ….. إلخ “.

وأوضح مدير الصحة أن واقع النقص في الكوادر الصحيّة بشكل عام، وعدم توافر أطباء، ينسحب أيضاً على المراكز الصحيّة والتي تصل حالياً إلى 45 مركزاً في مناطق تحت سيطرة الدولة السورية من أصل 105 كانت في عموم المحافظة، بينما لم يعد في عهدة منظومة الإسعاف سوى 16 سيارة من مجموع 44، لافتاً إلى أن وزارة الصحة كانت لحظت نقص الأطباء، وذلك بتكليف 20 طبيباً من خارج المحافظة بشكل دوري كل شهرين لسد النقص في المقيمين، وهو حل إسعافي، لا يُلغي ضرورة عودة أطباء دير الزور ممن باتوا خارجها.

وبشأن توفر الأدوية، أوضح الشعيبي أنها توضع كخطة سنوية في ظل ما يعانيه البلد من عقوبات وخناق تمارسه دول معادية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية: ” نسبة عالية منها لا تزال توفر بشكلٍ مجاني، ووضعنا قياساً لحجم الأزمة التي نعيشها منذ 13 عاماً جيد من هذه الناحية، ومؤكد يجهلُ ذلك الكثير من المواطنين، وتجاوزنا أزمات صحيّة كمرض ” كورونا “، وحُلنا كمديرية دون تحول ” الكوليرا ” لوباء متفشٍ بجهود كوادرنا المتوافرة وبدعم وزارة الصحة الذي لم يغب عن مفاصل عملنا وعيادتنا لمكافحة مرض ” اللايشمانيا ” أيضاً حدّت من تفشيه ولا تزال إلى جانب عيادات السل وداء الكَلبْ والسكري والجلدية تُقدم علاجاتها بشكلٍ مجاني “، وبشأن مشافي مدينتي البوكمال والميادين، أكد الشعيبي أن حراك التأهيل جارٍ فيها وما يشغلنا هو تخديمها بالكوادر الطبيّة والصحيّة في العموم، لافتاً إلى أن ظروف البلد تحتاج صبراً ووعياً بحجم ما تواجهه مؤسسات الدولة، ومنها بالضرورة القطاع الصحي.

في مشفى الأسد

بدوره، أكد مدير الهيئة العامة لمشفى الأسد الدكتور مأمون حيزة، أنه لا يحق لأي طبيب مُتعاقد مع المشفى تقاضي أجر من مريض يعالج فيه. وفي معرض رده على شكاوى من مواطنين بهذا الصدد طلب ممن يواجهون تجاوزات كهذه، إن وقعت، تقديم شكوى لاتخاذ الإجراءات العقابية القانونية اللازمة، منوهاً بأن ثمة أمراً فيه عدم معرفة من قبل المواطن، فبعض الاختصاصات نفتقدها، لذا يُسمح لذوي المرضى بجلب من يشاؤون من أطباء لمعاينتهم بمقابل مادي هم يتفقون عليه معه، أما الطبيب المُتعاقد فلا يُسمح بذلك، فخدماته تُقدم مجاناً .

التأهيل للمشافي والمراكز الصحيّة خطا خطوات كبيرة.. وتوفير الكوادر الصحيّة مُعضلة

وبين حيزة، أن الهيئة تفتقد أطباء اختصاصيي أوعية وصدرية، ولديها نقص في بقية الاختصاصات، فمجموع الاختصاصيين لا يتجاوز 16 طبيباً، بمعدل طبيبين لكل من اختصاص جراحة عظمية، عصبيّة، عينية، وأشعة وأمراض أذن أنف حنجرة، وطبيب واحد لكل اختصاص من البولية والداخلية والمعالجة الفيزيائية، في حين يوجد 3 أطباء للجراحة العامة، أما الأطباء المقيمون، فتجاوزت أعدادهم الـ40، مشيراً إلى افتقاد المشفى جهاز الرنين المغناطيسي وقلة أجهزة غسيل الكلية الصناعي، وهما محل شكوى أهالي المحافظة، وضغط المراجعين لخدمات الأجهزة الأخرى.

ولفت حيزة إلى أن تذمر وشكاوى الأهالي مقبول، والحال أن همنا واحد، فما عاشه ويعيشه البلد هو من مفرزات أزمة كبيرة عصفت ولا تزال تعصف به، وتأثيراتها لم تستثن قطاع الصحة، كاشفاً عن أن مراجعي العيادات في المشفى تجاوزت أعدادهم 30 ألفاً خلال العام الفائت، فيما تجاوز مجموعها بالنسبة لأقسام التصوير من أشعة بسيطة وطبقي محوري و” الماموغراف “و” الإيكو ” 80 ألفاً، في حين سجّل قسم الإسعاف قرابة 29 ألف مراجعٍ.

الأطفال والتوليد .. أيضاً

في معرض رده على شكاوى مراجعيه، أشار المدير الإداري للمشفى الوطني ( الأطفال والتوليد ) إبراهيم مرهج إلى النقص الذي يُعانيه المشفى في الأطباء الاختصاصيين، ففي الوقت الذي يحتاج فيه عشرة أطباء لكل قسم فيه، فإن المتوافر للنسائية 7 فقط، ولقسم الأطفال 3، وحاجتنا الفعلية من الأطباء المقيمين يجب ألا تقل عن 10 أيضاً، لكن الموجودون فعلياً هم 2 فقط، ونواجه مشكلة رغبة العاملين بالاستقالة.

وأضاف: ” نتيجة دمار مبنى المشفى، فإننا نشغل جزءاً من مبنى الهيئة العامة لمشفى الأسد،وعملنا ينحصر في 4غرف، وفعلاً في أوقات ضغط المراجعين يشغل السرير الواحد 3 أطفال، وخصوصاً فترة هجمات البرد، وهكذا وضع يزيد العدوى، فزيادة عدد غرف قسم الأطفال ضرورة مُلحة، ولا نملك في قسم الحواضن ” غواصات “، علماً أننا نحتاج أكثر من واحدة، أما افتتاح قسم المنافس، فيحتاج كادراً طبياً ومكاناً يتسع، وبالنسبة للفرشات والأغطية والشراشف، فعمرها أقل من عام، لكن كثرة غسيلها لتنظيفها أتلف الكثير منها “.

وأشار مرهج إلى أن الأدوية متوفرة ويتم صرفها للمرضى ضمن المتوافر، أما النقص فهو وارد، وذلك بسبب كثرة المراجعين وازدياد الصرف، وكذلك فاصل التوريد بين الشحنة الدوائية والتالية قد يمتد أياماً أو أسابيع وخلال هذه الفترة يحصل النقص. مبيناً حاجة المشفى لغرفة عمليات ثانية حالياً.

والفرات .. الوجع ذاته

كحال بقية المشافي، يُعاني مشفى الفرات نقصاً في أعداد الأطباء، سواء الاختصاصيين منهم أو المُقيمين، كما يُشير مديره الدكتور ياسر عليوي في حديثه لـ” تشرين ” : ” ما يتوافر من اختصاصيين هم 3 للقلبيّة و للأمراض الهضميّة طبيبان فقط، فيما حاجتنا الفعليّة على الأقل هي 10 أطباء، كما لا يوجد اختصاصي أمراض دم، فالطبيب الحالي قدّم استقالته، و لدينا 16 طبيباً مُقيماً، 10 منهم ” استاجات”، ومدة إقامتهم مابين 3 – 6 أشهر، و لدينا نقص بالتجهيزات، فلا نملك سوى جهاز صادم وحيد، و 3 لسحب مفرزات، فيما نحتاج فعلياً 10 أجهزة من النوعين على الأقل، لا نملك جهاز ” إيكو ” هضمية، بينما ” إيكو ” القلبيّة مُعطل ويحتاج إصلاحاً في دمشق”.

وأشار عليوي إلى أن ما تعرّض له قطاعنا الصحي من أضرار، وما فقد من كوادر لأسباب عدة، يجعل ما يُقدمه من خدمات أشبه بمعجزة، ومرحلة التعافي تحتاج وقتاً .

خطوات التأهيل كبيرة

جملة مشاريع وأعمال تأهيل يشهدها القطاع الصحي في دير الزور، إضافةً لما أُنجز سابقاً، أشار إليها مدير المكتب الهندسي في مديرية الصحة المهندس سعد الجراد ومنها : ” متابعة تأهيل مبنى مديرية الصحة، وإنهاء الأعمال بالمركز الصحي لبلدة مظلوم، والذي زوّد بالفرش اللازمة، فيما تجري المتابعة بالتأهيل لمركزي السويعية في البوكمال وهرابش في دير الزور، مبيناً أن العمل جارٍ لتذليل معوقات توقف التأهيل في مركز الميادين الصحي الأول، وقيد التنفيذ تدعيم وتأهيل مشفى الباسل في البوكمال ( مبنى العيادات الخارجية ) بانتظار تصديق ملحق العقد، والطب الحديث في الميادين، ناهيك بمشفى الأطفال والتوليد في مركز المحافظة. لافتاً إلى تسلّم مبنى المشفى الوطني في مدينة الميادين بعد انتهاء الأعمال فيه، و بانتظار تزويده بالتجهيزات والأثاث اللازم

وأكد الجراد انتهاء أعمال التأهيل وتجهيز المكان المُخصص لتركيب أجهزة معالجة النفايات الصلبة في مشفى الأسد، وسيتم التشغيل خلال أيام، وقيد التنفيذ تزويد مركز الحميدية بمنظومة للطاقة الشمسيّة، وضمن خطط المديرية – حسب الجراد – صيانة وتأهيل 4 مراكز صحيّة، سيجري تزويدها أيضاً بالطاقة الشمسيّة في بلدات؛ غريبة ومحكان ومراط ومدينة القورية، وكذلك مركز العشارة أيضاً خلال شباط القادم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار