عقد ضائع آخر للعديد من البلدان النامية لتعثر الديون.. والأثر اليومي مأساوي بالنسبة للفقراء إفريقيا تطفو على 1.8 تريليون دولار من الديون وسط إعادة هيكلة بطيئة

تشرين – يسرى المصري:
خلف حزمة الديون تختفي .. كأنما أداة تقتل التنمية.. والأزمة في تفاقم بينما البنك الدولي يخترع المزيد من الحوارات والنقاشات التي تستهلك الوقت وتهدد بالمزيد من ضياع الفرص من دون إصدار قرارات ملزمة بإعفاء الكثير من الدول النامية من ديونها أو بعضها على الأقل والقول الفصل إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة بشأن تحديات الديون والسيولة، فالعالم يخاطر «بعقد ضائع آخر للعديد من البلدان النامية، ما يجعل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول الموعد المحدد لذلك في عام 2030 بعيد المنال بالتأكيد”.
أسوأ أزمة
في حين يثقل تضخم الديون كاهل النمو الاقتصادي العالمي، يحذر الخبراء من أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، التي يعاني العديد من البلدان فيها من التخلف عن السداد، تشهد أسوأ أزمة لها على الإطلاق، ويقلص ارتفاع أسعار الفائدة والإفراط في الاستدانة قدرة هذه البلدان على تمويل تنميتها، كما أكد عدد من الزعماء الأفارقة في كلماتهم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حسب “وكالات”.

أصول الأزمة

في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في الفترة 2007 – 2009، أبقت البنوك المركزية في البلدان الصناعية عموماً أسعار الفائدة منخفضة، وتوفرت لبلدان الجنوب العالمي التي كانت تقترض في الأغلب على المستوى الثنائي أو من المؤسسات المالية الدولية، إمكانية غير مسبوقة للوصول إلى الأسواق المالية.
وقالت عطية واريس الاقتصادية الكينية التي تعمل أيضاً خبيرة مستقلة لدى الأمم المتحدة، “إن العديد من الدول النامية التي كانت بحاجة ماسة إلى ضخ الأموال في اقتصاداتها سارعت إلى الاستعانة بهذه القروض المنخفضة التكلفة في أسواق لا تخضع لقواعد أو تنظيم”.
وأضافت: إن “صندوق النقد الدولي شجعها على ذلك، وساعدت هذه الأموال على إعطاء دفعة كان العديد من الاقتصادات الإفريقية في أمسّ الحاجة إليها، لكن البلدان التي تعتمد على تصدير المواد الخام مثل النفط والمعادن والخشب تعرضت لضغوط شديدة عندما بدأت أسعار السلع الأساسية بالانخفاض في عام 2015، ثم زادت جائحة كوفيد من تفاقم الوضع”.
وأدى انخفاض أسعار السلع الأساسية إلى تقليص إيرادات العملات الأجنبية التي تحتاج إليها هذه البلدان لتسديد خدمة قروضها، وحصلت عدة بلدان على قروض جديدة لسداد ديونها القديمة، ما أدخلها في دوامة من الديون تحول دون الاستثمار في البنية التحتية والأنظمة الصحية والتعليم.
وقدر البنك الدولي العام الماضي أن 22 دولة معرضة لخطر الإفراط في المديونية، بما في ذلك غانا وزامبيا اللتان تخلفتا عن سداد ديونهما الخارجية.
وتضم القائمة أيضاً مالاوي وتشاد اللتين لديهما برنامج مساعدة من صندوق النقد الدولي، وتتفاوض إثيوبيا، التي أعلنت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني إفلاسها جزئياً في كانون الأول، عن حزمة إنقاذ.

دائنون يعرقلون الصفقات
في عام 2022 بلغ الدين العام الإفريقي 1.8 تريليون دولار مسجلاً قفزة بنسبة 183 في المئة عن عام 2010، بعد أن نما بمعدل أربعة أضعاف أكثر من الناتج الاقتصادي، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
ويسعى الدائنون العامون الغربيون المنضوون في مجموعة العشرين والعديد من الشركاء إلى التوصل إلى إعادة هيكلة ديون 40 دولة إفريقية، وبين هؤلاء الصين التي تقدم قروضاً ميسرة لمشروعات البنية التحتية لا تستطيع هذه البلدان تسديدها.
وبنيت صفقات الديون هذه على مبدأ المساواة في المعاملة ومشاركة جميع الدائنين، لكن يصعب على الدول الإفريقية إبرام اتفاقات لأن المقرضين من القطاع الخاص غالباً ما يرفضون الشروط.
وفي الأعوام الأخيرة، صار المستثمرون الخاصون – بما في ذلك صناديق الاستثمار وصناديق التقاعد – أكبر دائني الدول الإفريقية.
وفي عام 2022، كان هؤلاء يمتلكون 42 في المئة من الدّين العام الخارجي الإفريقي، مقارنة بـ38 في المئة للمؤسسات المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، و20 في المئة لدول أخرى.. ومن بين الـ20 في المئة التي تمتلكها الدول الأخرى، كانت الصين أكبر مقرض لإفريقيا، وتمتلك وحدها 11 في المئة.
ومن أجل إعادة هيكلة الديون قال منسق البرنامج الفرنسي للديون والتنمية، الذي يجمع أكثر من 20 مجموعة مَدينة للضغط على نحو مستدام: “يتم تقديم الصين في كثير من الأحيان على أنها الطرف الأصعب، لكنها أدركت أهمية توفير جرعة هواء للدول التي تعاني من مشكلات عميقة، وهي تشارك الآن في الجهد المبذول، حتى إن استغرق ذلك بعض الوقت”.
ومن المفيد هنا النظر إلى حالة زامبيا، فبعد عامين من المفاوضات الصعبة، توصلت في حزيران 2023 إلى اتفاق قدم على أنه “تاريخي” لإعادة هيكلة ديونها، لكنه لا يتعلق سوى بـ6.3 مليارات دولار من ديونها الخارجية البالغة 18.6 مليار دولار، والأسوأ من ذلك أنه لن يدخل حيز التنفيذ إلا إذا وافق المقرضون من القطاع الخاص على شروط مماثلة، في حين رفضت ذلك شركة إدارة الأصول الأميركية بلاك روك BlackRock، وهي من كبار مالكي الديون الخاصة التي اقترضتها زامبيا.
وقالت واريس الخبيرة الاقتصادية: “لقد عرقلت شركة بلاك روك عملية المفاوضات بكاملها بالنسبة لزامبيا”.

التضخم والفقر
الخبير الاقتصادي الغاني تشارلز أبوجري لفت إلى أنه مع زيادة أسعار الفائدة التي تثقل المعاناة بسبب الديون المتراكمة، تشهد الدول الإفريقية تقلبات خطرة بأسعار العملات، بينما يزداد التضخم باستمرار.
وأضاف: إن “الأثر اليومي مأساوي بالنسبة للفقراء، فنحن نشهد تضخماً بتكاليف النقل والغذاء والسكن، في حين أن الأجور الفعلية راكدة”.
ورأى أمين إدريس أدوم، أحد كبار المديرين في وكالة التنمية التابعة للاتحاد الإفريقي، أن “المسألة الحقيقية اليوم ليست معرفة كيف يمكن الخروج من تحت وطأة الديون، بل كيف يمكن الاقتراض بذكاء”. وفي حين أن إعادة هيكلة الديون مهمة، إلا أنه ” ينبغي ألا يتم ذلك على حساب الاستثمار في البنية التحتية والصحة والطاقة” لدعم تنمية الاقتصادات والمجتمعات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار