ذكريات أندلسية
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
العار لأعداء الضاد والحنّاء.. قرأت ذات يوم رسالة «لمورسكي» وهو أندلسي غرناطة، موجّهاً لأحد ملوك إسبانيا في عصر «محاكم التفتيش» يعاتبه ويعترض على أوامر ملكية تعسفية تمنع «المورسكيات» العربيات من تخضيب أياديهن بالحنّاء، ومنع الكلام باللغة العربية، هذا كان يعني أن لغة الضاد ولغة الحنّاء، ولغة الكبرياء تقضّ مضاجع أعداء جماليات الحرف والحبر والعطر، واللون الأرجواني «لون الحنّاء» حين يوضع على راحة البنات العربيات الأندلسيات.. وقد تكون من المصادفات العجيبة أنين ومذ غرست أول شجرة حنّاء في حديقتنا، بدأت أشعر بحب خاص لتلك الشجرة الساحرة التي أصبح لدينا منها في حديقة بيتنا الكثير، لقد أحببتها مثلما أحببت لغتي، لغة الضاد التي أسقيها أيضاً ولكن من ماء العين، نوراً ما يضيء وجهها اللؤلؤي الناصع.
فالضاد والحنّاء أنا مشغوف بهما وأحنّ عليهما، لأن كليهما واجه حقداً وجهلاً وتعصباً، فالذي حدث ضد الأندلسيين العرب في قرون مضت يبدو أن الحنّاء والضاد تقاسما آلام المحنة، وصمدا في وجه قسوة «محاكم التفتيش» وقوانينها غير الإنسانية، وهما الآن، كل من الحنّاء والضاد، مزهوّان يقاومان القبح بأصابع عروس عربية مخضّبة بعجين الحناء في أقصى بلاد العرب، أو بقلم عربي مضمخ بعبير الضاد من كل مدن الوطن العربي والعالم، وهو يكتب بشمم وكبرياء شعراً ونثراً وسحراً وتبراً.
يقول المؤرخ الإسباني «فرانسوا فلاسباسان»: «لو نزعنا الجص عن جدران كنائسنا في إسبانيا لوجدنا تحتها كتابات مذهّبة باسم الله بحروف الضاد الكوفية، ولو خدشنا بالأظافر بشرتنا الأوروبية لبرز لنا تحتها لون بشرة العرب».