تجربة إبداعية مؤثرة في المشهد الثقافي العربي.. الشاعر والمترجم اسكندر حبش: أحبُّ أن أقرأ أكثر من أن أكتب وأترجم
دمشق – لمى بدران:
وقّع الشاعر والمترجم اسكندر حبش مؤخراً في صالة (ألف نون) ما يُقارب من خمسة عشر كتاباً صدرت في أوقات متقاربة عن دار دلمون الجديدة في دمشق، تنوعت مابين الكتابة الشعرية، والترجمة التي أخذت الحيز الأكبر بثلاثة عشر كتاباً معظمها في الرواية.
وفي الأمس أي في اليوم التالي من توقيع تلك الكتب أُقيمت له جلسة حوارية في الإدارة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، احتضنت ثلة من المفكرين والأدباء والصحفيين المهتمين بتجربة اسكندر حبش، والتي تُعتبر من التجارب الإبداعية الغنية على الساحة الثقافية العربية، فهو كان آخر رئيس لقسم الثقافة في صحيفة السفير اللبنانية قبل أن تتوقف لآخر مرة، ومن الجدير بالذكر هنا أن أول رئيس لقسم الثقافة في (السفير) كان الكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس..
وطن الكتابة
يرى صاحب (هجرتان وأوطان كثيرة)، في الكتابة وطناً أيضاً، وما يميزه عن بقية الأوطان، أننا نستطيع أن نفصّله على مقاساتنا، وهو كذلك ضمير يجب أن نعمل من أجله بما لا يحصى من القراءات النقدية والمقالات الأدبية، وكان حصيلة ذلك عشرات الكتب المترجمة وسبع مجموعات شعرية…
ويُضيف حبش: تكوّنَت شخصيتي من خليط فكري جانسه بين لبنان وفلسطين و سورية، والكثيرون ممن يخاطبونه في فلسطين ولبنان يحاولون أن يضعوا أيديهم على هويّته وأصوله لخلق حالة تشبه الترصّد بما قد يميل نحوه من الاعتراف والتصريح بخصوص جنسيته وأصوله، إلا أنّه في دمشق لم يواجه هذا الخطاب بل شعر بالانتماء الكامل… وقد كتب خلال مسيرته بوجوه مختلفة لكن باسمٍ واحدٍ أي بمبدأ الجمع بصيغة المفرد حيث كان صحفياً وشاعراً وناقداً وهو المدرّس الفلسفي في آن واحد.. غير إنه يعدّ أن الصحافة هي التي علّمته الكتابة، ولا يُخفي أنها أثّرت خلال مراحل معيّنة في كتاباته الأدبية، وأحياناً في الصحافة كان يترجم الكثير من المقالات..
مع (تشرين)
وفي إجابة عن سؤال لـ”شرين” عمّا قد يميل إليه في المرحلة الراهنة وبعد رحلة مهنيّة طويلة يقول الحبش: أحبُّ أن أقرأ أكثر من أن أكتب وأترجم، ولو إني أستطيع العيش من القراءة لكنت اكتفيت بأن قرأت فقط… وحالياً – يُضيف- الأقرب لي هي كتابة الدراسات الفلسفيّة والترجمة في الفلسفة أكثر من الأدب والصحافة، ولربما يعود ذلك للتقدّم في العمر فهو السبب في جنوحي نحو ما هو أقرب للحكمة والفلسفة في الحياة.. رغم ذلك يعدّ نفسه “مترجماً فاشلاً”، لأنه لا يخضع لرغبات دور النشر، أو بستطيع أن يروّج لنفسه عندهم.. وإنما يُترجم الكتاب الذي يحبّه أي يترجم ما يحب فقط.. من هنا نستطيع القول إن الترجمة بالنسبة له هواية وجزء من الكتابة.. كما لفت الانتباه إلى أن هناك ما يُشبه وحدة الحال في المشهد الثقافي العربي، حيث التشابه المفرط من خلال مختلف الوجوه وحالة التقارب بين الأفكار.
مع (دلمون)
هذه التجربة التي اطمأنت لصاحبها دار دلمون الدمشقية تقول عنها صاحبة الدار عفراء هدبا: عَرِفت اسكندر حبش عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وطبعت له كتابين قبل رؤيته شخصياً، وذلك بسبب الالتقاء الفكري الذي لاحظته حتى عن بعد، وهذه المناسبة التي وقّع فيها كتبه مساء أمس، هي المرة الأولى التي ألتقيه خلالها شخصياً، وأفصحت عن أن هذا الكاتب هو صاحب فكر ويحمل قيمة فكرية وثقافية عالية لذلك تهتم الدار بأن تستقطبه بكل فخر واعتزاز، فهو لم يتقاضَ قرشاً واحداً على كتاباته التي طبعتها له الدار، وأشارت إلى أن هنالك أعمالاً قادمة ومستمرة بينهم بما يُشكّل مشروعاً ثقافياً…
فيما يرى الدكتور عصام التمروري الذي جمعته مع حبش سنتان من العمل عندما كان الثاني مسؤولاً عن القسم الثقافي في جريدة السفير اللبنانية ويرسل له مقالات للنشر فيها، أن حبش تجربة إبداعية مهمة جداً وهي متجذّرة في التاريخ والأدب والفلسفة والمنطق وحتى بالفن، فهو قيمة يتمنى أن تستطيع في يوم من الأيام أن تصبح مشروعاً ثقافياً يقوده الحبش وأمثاله لتتولد جريدة توازي جريدة السفير وتفوقها أيضاً، ويعتقد أننا بحاجة إلى الإضاءة على أفكار المثقفين من جهة وإلى تثمير العقل العربي من خلال استخدامه معرفياً بعيداً عن الغيبيات وكل ما له علاقة بالإيديولوجيا والأفكار الجامدة من جهة أخرى، وبحاجة أيضاً إلى رؤى جديدة يمكن أن تتلاقى أو تتناقض مع المطروح فقط من أجل تشكيل ضمان استمرارية دوران عجلة الثقافة والفكر في العالم العربي.
أما زميلنا الكاتب علي الراعي الذي حضر هذا الحوار مع اسكندر حبش، وله عدد من القراءات النقدية لاسيما في روايات حبش المترجمة، فذكر: يبدو لي أن الشاعر والمترجم حبش، أخذ بالنصيحة التي دونها هو نفسه على لسان الكاتب الفرنسي إميل زولا في مقدمته لثلاثيته الروائية (محار السيّد شابر) عندما دعا زولا الكتّاب لأن يمتهنوا الصحافة لأنها تُحسّن من كتابتهم
وهو ما فعله الكثير من كتّاب الرواية في أمريكا اللاتينية من خلال نتاجهم اللافت والمختلف في “رواية الواقعية السحرية”.. اسكندر حبش هو من هذه الطائفة المبدعة من الكتّاب الذين فتحوا أبواب مختلف أنواع الإبداع، وكل ذلك كان من بوابة الصحافة إلى حدّ كبير.. التي أكثر ما تجلت عند حبش في الشعر، ومؤخراً في الترجمة التي على ما يبدو أنه تفرغ لها بعد توقف صحيفة السفير..
بقي أن نشير إلى أنه أدار هذا الحوار المفتوح الإعلامي ملهم الصالح..