هدم محال تجارية في «سوق العنابة» بعد مضي 58 عاماً على قرار الاستملاك يشعل الجدل بين المستثمرين ومجلس مدينة اللاذقية

اللاذقية- صفاء إسماعيل:
جدل، وأخذ وردّ، بين مجلس مدينة اللاذقية والمحافظة من جهة، ومستثمري محال تجارية في سوق العنابة (الواصل بين شارع الطبقجلي وساحة الشيخ ضاهر بمدينة اللاذقية) من جهة أخرى، حيث تم هدم تلك المحال من قبل مجلس المدينة استناداً لقرار استملاك صادر عام 1966 بهدف توسيع السوق.
القصة بدأت غداة صدور قرار الاستملاك، عندما قام مجلس المدينة في الثمانينيات بإزالة العقارات في الجانب الشرقي من السوق، والتريث فيما يتعلق بالجانب الأيمن، باعتبار أنه تم توسيع السوق، ليعاد إحياء موضوع الاستملاك مجدداً بإزالة مجلس المدينة لخمسة محال تجارية فقط، واقعة في منتصف سوق “العنابة” من الجانب الأيمن.
الحجّة الجاهزة لمجلس المدينة بالتوسعة، بالإضافة إلى أنها جاءت متأخرة بعد مضي 58 عاماً على قرار الاستملاك، تحمل الكثير من إشارات الاستفهام حول القيام بهدم محال تجارية واقعة على عقار غير مستملك، يقع إلى جوار عقار آخر مستملك!، ناهيك بأن الهدم تمّ في محال تقع في منتصف السوق، ما ينفي غرض توسعة الطريق التي أبقت على المحال المجاورة للمحال التي تمت إزالتها.
مصالح شخصية
وأكد متضررون من هدم عقاراتهم في حديث لـ”تشرين” أنهم يشغلون المحال التجارية التي تمّ هدمها، منذ عام 1930 ، وفي عام 1966 صدر قرار استملاك لعدد من العقارات في شارع “العنابة” بهدف توسيعه، وحينها تمت إزالة العقارات في الجانب الشرقي للطريق وتم تعويض مالكي تلك العقارات ومستثمريها بمنازل سكنية ومحال بديلة.

متضررون: تمّ الهدم لتنفيذ مصالح شخصية.. ولم يتم تعويضنا

وأضافوا: في الثمانينيات، صدر قرار عن وزارة الإدارة المحلية بأنه تم الاكتفاء بإزالة العقارات في الجانب الشرقي لتوسيع الطريق، “على أن يبقى الجانب الأيمن مع الجامع محافظاً على وضعه، وأنه بالنسبة للشاغلين المنذرين بالهدم، فإنّ مجلس المدينة سوف يؤمّن لهم منازل بديلة، والتريث في هدم المحلات والسعي مع الجهات المسؤولة لتقديم المساعدة لهم لمخازن بديلة وعلى غرار ما تمّ في توسيع الجانب الأيمن من السوق المذكور عام 1984”.
كما أضاف المشتكون: منذ عامين تم فتح موضوع الاستملاك مجدداً لغايات ومصالح شخصية، بحجة توسيع الطريق، حيث قام مجلس المدينة بهدم خمسة عقارات واقعة في منتصف الشارع، من دون إزالة أيٍّ من العقارات الواقعة قبله أو بعدها باتجاه أول الشارع وآخره، ما ينفي حجة المجلس بأن الهدف توسيع الشارع، متسائلين: هل يعقل أن تتم توسعة الشارع من المنتصف فقط؟!.
والأنكى، حسب المشتكين، أنه تم هدم المحال من دون تعويض المالكين والمستثمرين لتلك المحال منذ عام 1930، واصفين هذا الإجراء بالمجحف بحقهم، والذي يتنافى مع ما نصّه قرار الاستملاك وقرار وزارة الإدارة المحلية بتعويض المتضررين، وخاصة أن المحال كانت تشكّل مصدر الرزق الوحيد لعائلات عدّة.
وأوضح المتضررون أن هدم العقار المستملك والعقار غير المستملك الواقع بجواره، يأتي لخدمة مصلحة شخصية لمتعهد اشترى العقار الواقع خلف المحال التي تمَّ هدمها.
وأكدوا أنهم اشتكوا لمجلس المدينة والمحافظة من دون جدوى، كما تقدموا بشكوى للقضاء لوقف تنفيذ الاستملاك، لكنه أقرّ أنه لا مانع من تنفيذ الاستملاك من دون التطرّق لموضوع تعويضهم، مشيرين إلى أنه بعد هدم محالهم سيتوجهون إلى القضاء مرة أخرى لتعويضهم عن محالهم.
هدم تجاوز حدود الاستملاك
بيّن القاضي وجد الشملات في حديث لـ”تشرين” أنه عندما قام مجلس المدينة بهدم العقارات في سوق “العنابة”بموجب قرار الاستملاك الصادر عام 1966، بقي للمجلس ما يسمى “فضلة” من العقارات المستملكة التي تم هدمها سابقاً، تبلغ مساحتها مترين فقط، وأضاف: عندما قام المجلس لاحقاً بإزالة المحال المذكورة، لم يكتفِ بإزالة المترين من العقار المستملك، بل توسّع بالهدم ليطول البناء كله بما يتضمن العقار المجاور غير المستملك، من دون تعويض شاغلي تلك المحال.

الشملات: الهدم تجاوز حدود المساحة المستملكة

وأشار الشملات إلى أن “الفضلة” يستطيع مجلس المدينة بيعها، في حين كان هدم المجلس للعقار غير المستملك مخالفاً إلى حدٍّ ما، لأن البلدية ليست مستملكة لكامل المساحة التي تمَّ هدمها، وإنما متران من عقار واحد فقط، باعتبار أن المحال مشيّدة على عقارين.لافتاً إلى أن شاغلي المحال تقدموا بدعوى إلى القضاء الإداري لوقف عملية الهدم، لكن القرار كان في صالح قرار الاستملاك الصادر عام 1966.

المطالبة بتعويض عادل
بدوره، بيّن المحامي الدكتور يامن فياض لـ”تشرين”، أن قانون الاستملاك المطبّق حالياً، هو الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1983، وذكر فيه في المادة 6 أنه من صلاحية الإدارة توسيع أي طريق، ولها أن تستملك بعمق 40 متراً من كل جانب وللإدارة سلطة تقديرية في تقدير مدى حاجة المشروع ذي النفع العام من عقارات للاستملاك ضمن الحد السابق ذكره، مضيفاً: كما لم ينص قانون الاستملاك على مدة معينة يسقط فيها مرسوم الاستملاك بالتقادم، لذلك تصدّى القضاء الإداري لهذا الأمر في الكثير من الاجتهادات التي نصّت جميعها على أن الاستملاك إذا لم ينفذ خلال 30 عاماً تلت أو زادت، فإنّ فكرة النفع العام من استملاكه تكون منتفية ويفقد الاستملاك مشروعيته.

فياض: إذا لم ينفذ الاستملاك خلال 30 عاماً تلت تنتفي فكرة النفع العام ويفقد مشروعيته

وتابع فياض: لذلك يجب على الإدارة أن تضع بدل الاستملاك خلال خمس سنوات من صدور مرسوم الاستملاك. وفيما يتعلق بالمحال التجارية الموجودة في سوق العنابة، أعتقد أن بدل الاستملاك منذ ذلك الوقت، البالغ حوالى 12000 ليرة موضوع للمالكين قيداً في السجل العقاري وليس لمالكي حق الاستثمار، لأن قانون الاستملاك لم يعالج تعويض المستثمرين.
وحسب فياض، كان يجب على المالكين لحق الاستثمار بالاتفاق مع المالكين رفع دعوى أمام القضاء الإداري لإلغاء مرسوم الاستملاك بعد مضي 30 عاماً على صدوره من دون تنفيذ، وفي حال كان نفذ جزء منه منذ زمن بعيد، فهذا دليل على عدم حاجة الإدارة لاستملاك بقية العقارات. مؤكداً أنه يجب على المتضررين إقامة دعوى أمام القضاء الإداري لإلغاء مرسوم الاستملاك وتشكيل لجنة للكشف على موقع العقارات المهدّمة، ويجب أن يذكر في تقرير الخبرة أن الإدارة كانت لا تحتاج إلى استملاك العقارات المهدّمة، وقد أساءت استعمال سلطتها، بالإضافة للمطالبة بتعويض عادل.
وأعرب فياض عن أسفه لوجود الكثير من أساتذة القانون والمختصين، الذين لم يطلب منهم المساعدة في سن تشريعات تعالج أخطاء الماضي وتتوافق مع القوانين الحديثة، مشيراً إلى أن الدستور السوري الجديد نصّ على وجوب تعديل التشريعات النافذة قبل إقراره عام 2012 لتصبح متفقة مع أحكامه خلال ثلاث سنوات، ومنها قانون الاستملاك لا يتفق مع عدالة التعويض الممنوح للأشخاص المستملكة عقاراتهم، ومضى 11 عاماً “مكانك راوح”.
ولفت إلى اجتهادات القضاء الإداري التي قررّت جواز إلغاء مرسوم الاستملاك بعد مضي 30 عاماً من دون تنفيذ منها منشور في مجلة “المحامون” في عام 1999 العددين 9-10 الصفحة 905.
توضيح المحافظة
من جهته، أكد مدير الشؤون الفنية في مجلس مدينة اللاذقية المهندس مهند دواي لـ”تشرين”، أنه تم تنفيذ الاستملاك على مراحل لجميع العقارات موضوع قرار الاستملاك، وتبعاً للتراخيص الممنوحة التي كانت بعيدة عن الانتقائية والازدواجية لأنها نفذت بالكامل، مضيفاً: بخصوص العقارات موضوع الشكوى، تم التنفيذ بعد انتهاء الخلاف القضائي والبت فيه وإعلام المشتكين بضرورة الإخلاء والإزالة، ما يعني أن القرار متخذ بالإزالة، مع العلم أن مالكي هذه العقارات ومستثمريها حاولوا وقف القرار عبر القضاء الذي قام بفصله بشكل نهائي، ليتخذ مجلس المدينة القرار القاضي بالإزالة بعد إخلاء الموقع من قبل أصحابه.
وتابع دواي: “الفضلة” الناجمة عن تنفيذ قرار الاستملاك لم تُبَع، وهناك شروط للبيع، بأن يتم نقل ملكيتها إلى مجلس المدينة أولاً، وأن تكون خالية من أي إشغالات أو بناء، ناهيك بأن القانون المالي يفرض بيعها بالأسعار الرائجة.
وفيما يتعلّق بالحديث عن تملّك العقار الداخلي سواء لأشخاص أو متعهدين وبيعهم “الفضلة”، أكد دواي أن ذلك لا علاقة له بتنفيذ الاستملاك على الأقل لكون التنظيم والاستملاك منفّذاً منذ عام 1966، فعندما قرر مجلس المدينة توسيع شارع العنابة وفق المخطط التنظيمي المصدّق حينذاك، تبيّن أن الجزء المضروب من العقارات المتبقية خارج حدود الطريق ولا يمكن البناء عليه لصغر المساحة.

وحسب دواي، في هذه الحالة وعلى غرار الحالات المماثلة، يستملك كامل العقار وهذا الجزء الصغير المتبقي خارج حدود الطريق يكون على المخطط الاستملاكي باللون الأحمر، وتقوم البلدية ببيعه حكماً إلى العقار أو العقارات المجاورة بغض النظر من هو مالك العقار أو العقارات الأخرى.
وأكد أنه تم تحقيق الغاية الأساسية من الاستملاك بتوسيع الشارع مكان العقارات المستملكة أولاً، وبيع “الفضلة” الناجمة عن التوسّع لاحقاً، علماً أن قرار الاستملاك في الجهة التي تقع فيها المحلات ليس على كامل الشارع ، وإنما متقطّع من أجل التوسيع وفق المخطط الاستملاكي حينذاك.
وبالنسبة لتعويض مالكي العقارات أو مستثمريها أو مهما تكن التسمية، بيّن دواي أن الموضوع أخذ أبعاده في القضاء لسنوات، وليس من صلاحية مجلس المدينة إعطاء تعويضات غير المنصوص عنها في القانون كبديل للإخلاء، وأنهم مستفيدون لشغلهم هذه المحال المستملكة لأكثر من عشرين عاماً بعد وضع البدلات في المصرف.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار