نجاح العبد الله… سيرة امرأةٍ صَلبَة
دمشق- لبنى شاكر:
يتوازى اسم الراحلة نجاح العبد الله 1939- 2003 مع “ضباع”، الشخصية الأشهر في مشوارها الفني الحافل، قدمتها في مسلسل الزير سالم للكاتب ممدوح عدوان والمخرج حاتم علي، وأدّت من خلالها ببراعةٍ لافتة،.
“تُتقن العبد الله المُوازنة بين القسوة والضعف من دون استجداء العواطف أو استثارة الكراهية”
دور امرأة تجرعت ويلات الحرب بين أبناء العمومة، وشهدت مقتل زوجها وأولادها وأخيها، من دون أن تستطيع المُفاضلة بين انتمائها الأول لإخوتها بني ربيعة، وما يفترضه الإخلاص لزوجها “همّام بن مرّة” وأبنائهما، ومع إن هذه الشخصية هي الأكثر حضوراً في أذهان الناس، غير أن رصيد العبد الله من الأدوار التي يصعب نسيانها كبيرٌ، ولاسيما في مسلسل خان الحرير للمؤلف نهاد سيريس والمخرج هيثم حقي، في شخصية أم ربيع، التي يصعب عليها تقبّل زواج ابنها، رغم رغبتها برؤيته سعيداً، وفي الشخصيتين المُتباعدتين زماناً ومكاناً، تُتقن الفنانة الموازنة بين القسوة والضعف، من دون استجداء العواطف أو استثارة الكراهية، وهو ما يجعلها في مرتبةٍ أعلى من فنانات أخريات، ناجحاتٍ بالتأكيد، لكن تنقصهن الصلابة.
محطاتٌ أولى
في ذكرى رحيلها الذي يصادف هذا الشهر، استعاد الباحث والقاص محمد عزوز، سيرة العبد الله المؤلمة في كثيرٍ من تفاصيلها، منذ ولادتها في بلدة حيش في محافظة إدلب، حيث غادرت مقعد الدراسة، وهي في الصف الرابع الابتدائي، وأصبحت زوجة وأماً في الرابعة عشرة من العمر، وفي السن ذاتها كان الطلاق، وفي السادسة عشرة من العمر، تنخرط في معمعة الحياة، عاملة في معمل (الريجي) بمدينة حماة.
“في السادسة عشرة من العمر انخرطت في معمعة الحياة عاملة في معمل (الريجي) بمدينة حماة”
وعلى ما يذكر عزوز في موسوعته (راحلون / في الذاكرة)، كان والدها العسكري ينتقل من مكان إلى آخر في أرجاء البلاد، وهي معه تحمل ابنها الصغير وتسير مع عائلتها في ترحال طويل، من طرطوس إلى الغاب ثم القنيطرة وقطنا، وأخيراً دمشق، حيث تبدأ العائلة بالاستقرار تدريجياً، ومرة أخرى عاملة في (ريجي دمشق)، حيث سمعت لأول مرة عن المسرح وتقدمت مع بعض الزميلات في المعمل إلى لجنة القبول في الفرقة المسرحية، تقول نجاح في ذلك: “شخصياً لم أعرف سبب تقدمي لهذه الفرقة يوماً، إذ دفعتني إحدى الزميلات إلى ذلك، فوجئت بأني نجحت، ولكن المفاجأة الأكبر هي أني أحببت هذا المكان الساحر الذي يُسمى المسرح”.
ومع تأسيس المسرح العمالي في أوائل السبعينيات، واكبت العبد الله انطلاقته، وكانت نجمته في عروض كثيرة على مدى سنوات، وخلال ذلك أخذت تقرأ الكتب، قصة ورواية ومسرحاً وشعراً، للتعويض عما فات، وكي تصقل ملكاتها وكان لها في المسرح الفلسطيني أيضاً بصمات.
أهم المُشاركات
في صيف 1985، كان المخرج ريمون بطرس يعمل مع المخرج السينمائي محمد شاهين، بصفة مخرج مساعد في فيلم الشمس في يوم غائم، المأخوذ عن رواية بالاسم ذاته للكاتب حنا مينه، فاقترح في ذلك الحين على شاهين اسم نجاح العبد الله ضمن قائمة الممثلين المرشحين للعمل في الفيلم، وتعرف إليها شاهين في المؤسسة العامة للسينما، وكانت مساحة دورها لا تتجاوز بضعة مشاهد، لكن الدور على صغره كان علامة مميزة في الفيلم.
“ضباع” الشخصية الأشهر في مشوارها الفني الحافل قدمتها في مسلسل الزير سالم للكاتب ممدوح عدوان والمخرج حاتم علي
وفي عام 1991، تعاونت مرة أخرى مع المخرج ريمون بطرس في فيلم الطحالب ولعبت فيه دور الأخت الكبرى للإخوة الذين يتصارعون على الميراث وينتهي الصراع بمقتل اثنين من إخوتها، ويكون صوت نجاح المفجوع، الذي مازال في البال حتى اليوم. وفي صيف عام 1996، اقترح عليها دور “أم عزمي” الأم الفلسطينية النازحة مع عائلتها إلى حماة بعد النكبة في فيلم الترحال، ومن دون تردد قبلت الدور رغم أنه مشهدين فقط قبلت وكان الدور بمشهديه شاهداً على غنى موهبتها، وقدرتها اللامتناهية على العطاء.
“في فيلم الترحال قدمت دور “أم عزمي” الأم الفلسطينية النازحة مع عائلتها إلى حماة بعد النكبة”
بعد الرحيل
عام 2008 أي بعد خمس سنوات على رحيل العبد الله، ظهرت في إحدى لوحات الجزء السادس من “بقعة ضوء”، وهي لوحة تعود إلى الجزء الثاني من المسلسل الذي أخرجه الليث حجو ومنعت من العرض وقتها، لكن المخرج سامر برقاوي استعادها لاحقاً في الجزء السادس، بعدما عادت الرقابة عن قرار المنع، فقدمها وأهداها إلى روح الفنانة نجاح العبد الله، التي تتزاحم في مشوارها التجارب في المسرح والسينما والتلفزيون، كسبت فيها محبة ملايين المشاهدين العرب وتقديرهم، فكانت لها مكانتها رغم أنها لم تبحث عن الأدوار الأولى التي مُنحت لغيرها باستمرار، بل اجتهدت لتصنع من المساحة المُخصصة لها، حضوراً مشغولاً بالجسد والروح.