“جميلة أحبها .. واسمها شآم”.. عن إشكالات الأغنية الوطنية واستمرارها
تشرين- وصال سلوم:
حدث أن حضرت إحدى الفعاليات الكبيرة بتغطيتها الإعلامية المحلية والعربية، والحفل كان في صالة تشرين الرياضية وإلى جواري كان يجلس صحفي عربي ممن يتعاطى التعاطف والولاء لمشروع (الربيع العربي) وفورته قبل عقد من الزمن، لم استرسل معه بالكلام ورفض المشروع ونقد من يتبناه إلا أنه تعامل معي بازدراء لحظة معرفته بموقفي إلى أن غنى مقدم الحفل (بكتب اسمك يابلادي ..ع الشمس الما بتغيب)
وتابع معه الجمهور _وأنا معه_ كلمات الأغنية:
“لا مالي ولا اولادي.. على حبك مافي حبيب”..
انتبهت في منتصف الأغنية وأنا أغني ودموعي وصلت حدود رقبتي إلى أن الإعلامي جاري في المقعد يقف إلى جانبي ويصفق معي/معنا
لن أتعاطى الشأن السياسي في هذه اللقطة، إلا أنني أهتم فعلاً بتقدير الأغنية كلمة ولحناً وصوتاً والذائقة الإنسانية فيها التي جمعتني بزميل مهنة أختلف معه بالآراء.. كيف يمكن لأغنية عمرها خمسون عاماً، أن تترك أثراً آنياً نحتاج في السياسة لصناعته شهوراً أو يمكن سنوات؟؟
الأغنية الوطنية، العنوان الأميز بين العناوين الطربية لما لها من أثر (قيادي اجتماعي إنساني سياسي..) لذائقة شارع عام، أي نحن منها في حرب اليوم؟
وهل استطعنا تجييش الشارع واستقطاب أفئدته وتقديمها للخارج بمهنية أم استسهلنا الطريق وتركنا مع ما تركنا، أمور الطرب الوطني لهواة يعتمدون في سياستهم العملية على مقولة (الصلاة على الحاضر !!).
والدي عاصر حرب تشرين وانتصارها وخذلات النكسة وكثيراً ما كان يحدثنا عن انفعالاته وخبايا النفس العسكرية في الحرب، يقصّ لنا كيف أنه يعرف الفنانة منى واصف في شبابها وكيف كانت تحضر إلى الجبهات مع فرقة المسرح العسكري _أي نعم_ كان المسرح حاضراً في الثكنات، وأغاني السيدة فيروز وخاصة أغنية جسر العودة (وسلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة يا منزرعين. بمنازلكم قلبي معكم وسلامي لكم).
وأن جدتي كانت تخشى سماع فيروز لأنها تذكرها بالحرب، اختصرت كل أغاني الحب والشوق والفراق وخصت فيروز بالحرب لشدة تأثيرها ووقع صوتها وكلام ولحن أغانيها على ذائقة العامة.
وبالفعل، كان للأغنية الوطنية تأثير خلاق جماهير ولم تستطع بعض الأغاني المستهلكة والتافهة فنياً _تحت مسمى الأغاني الوطنية_ التي ظهرت في السبعينيات من القرن الماضي من الاستمرارية أو الثبات.. كما هناك أغانٍ وطنية قيمة حفظتها القلوب قبل الألسنة وغناها الشيب والشباب وهذا نتاج طبيعي في الحرب التي تفكك فكرة القيمة بشكل عام، والمعنيون فقط في المؤسسات الحكومية والرسمية عليهم توجيه الشارع وإلا لفَظهم ولفَظ كل من تثاقف وقال (الأوف) بغير مكانها أو قلل من قيمة اللحن والأداء.
واليوم، على من يقع اللوم في عدم تقديم أغانٍ وطنية مميزة تستنكر الحرب العدوانية وتؤرشف بذائقة فنية قيمة أغنية وطنية جامعة (كلمةً ولحناً وصوتاً) الحرب على سورية.
وهل تُنجز الأغنية الوطنية “بالتكليف” من جهات رسمية؟! أم إنها مجهود شخصي يقدمه الفنان للإذاعة _التي لا تدفع إلا القليل_ بالمجان؟!
وإن كانت فعلاً توجيهياً فلماذا لايتم العمل عليها كمشروع وطني عالي المستوى؟
وأغنية مثل “ويمر بي طيفها وتسكن الأحلام.. جميلة وأحبها واسمها شآم”.. تتر مسلسل (عناية مشددة) الذي ترك جميل الأثر في قلوب عامة السوريين ما هو السر المستحيل الذي لم نستطيع حله واستنباط أغنية ثانية توازيه؟!
ويكون الاختيار لنص عميق ولحن بديع وصوت جميل بعيداً عن أي محاباة، ويُقدم لها الأجر المادي الذي يوازي مخرجاتها وتكون الأغنية الأولى في الفضائيات والإذاعة والميكروباصات، فمن استطاع الوصول للعالمية بالقدود الحلبية يستطيع فعل الكثير لتقديم أغانٍ وطنية توازي عبقرية اللحن الحلبي ورغبات أفئدة شارع عام يقدس وطنه .. والسلام.