عشوائية وارتباك في تقديم الخدمات الطبيّة.. وكلمة “لاتوجد مستلزمات” أصبحت هي الدّارجة في اللاذقية

صفاء إسماعيل – سراب علي:

نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، سمّة عامة باتت ترسم مشهد الواقع الصحي في اللاذقية، كما بقيّة المحافظات، في ظل حصار جائر ليس فيه استثناءات إنسانية. واقع الحال الذي أرخى بثقله على الخدمات العلاجية في المشافي العامة، التي لم تعد كما كانت عليه في السابق، فالمريض أصبح في كثير من الأحيان مطالب بشراء بعض أنواع الأدوية والمستلزمات الطبية من خارج المشفى لعدم توافرها داخلها، على الرغم من رصد مبالغ كبيرة للقطاع الصحي ودعمه بكل الإمكانات المتاحة.

مرضى: شراء الأدوية والمواد الطبية من المشافي الخاصة والصيدليات على مبدأ “خيار وفقوس”

من يتتبع واقع الحال داخل المشافي العامة، يتوصل إلى نتيجة سريعة ترشح عن تداخل الوضع الاقتصادي بالواقع الصحي، حيث بات عدد كبير من ميسوري الحال يتوجهون إلى المشافي العامة بدلاً من الخاصة، للحصول على الخدمات العلاجية المجانية بدءاً من الإقامة إلى صور الأشعة والتحاليل وانتهاء بما يتوفّر داخل المشافي من مواد وأدوية، الأمر الذي زاد الضغط على المشافي العامة وخلط الحابل بالنابل بين مستحقي الحصول على الخدمات الطبية المجانية، ما يستوجب إعادة تصحيح هذا المسار المهم في حياتنا.

مخول: نعاني نقصَ فنييّ التخدير.. وما يزوّد به المشفى يوضع في خدمة المريض

الامتعاض هو السمة العامة لدى المرضى ومرافقيهم الذين يؤكدون على عجل، عند سؤالهم عن الخدمات العلاجية المقدمة لهم في المشافي العامة، أنها باتت دون المستوى المطلوب مع عدم توفر أنواع عدّة من المواد والأدوية الإسعافية الضرورية.

خدمات علاجية ناقصة

أحد المرضى والذي جاء بحالة إسعافية إلى مشفى الشهيد حمزة نوفل “الوطني” في اللاذقية نتيجة سقوطه وتأذي إحدى قدميه وتفتّت العظم فيها، بين لـ”تشرين” أنه تم إجراء الإسعافات الأولية والصور الشعاعية له مجاناً، لكن بسبب وضع قدمه تم إجراء عمل جراحي له وتركيب أسياخ وصفائح، وكان عليه شراء عبوة المخدّر والمواد سابقة الذكر على حسابه الشخصي لعدم توافرها في المستشفى، ليتابع بعدها العلاج مجاناً.

فيما تساءلت إحدى المريضات عن عدم توفّر المسكّنات ومادة التخدير في المشفى وهي من المواد المفترض توافرها بكثرة في أي مشفى؟.

هجرة الكوادر الطبية

بدورها، أشارت مديرة المشفى الدكتورة سهام مخول في حديثها لـ”تشرين” أن المشفى يقدم كل الخدمات الطبية الداخلية والجراحية وحالات الإسعاف والخدمات التشخيصية من أشعة ومخبر والعيادات الخارجية، حيث يتلقى المريض الخدمة الطبية كاملاً.

وعند سؤالنا عن عدم توافر بعض الأدوية أحياناً، أشارت مخول إلى أن موارد المشفى متعلقة بالوزارة عن طريق المديرية وكل ما يتم رفد المشفى به من مواد وتجهيزات توضع مباشرة في خدمة المريض، مبينة أن المشفى يعاني كبقية القطاعات في البلد من هجرة الكوادر وخاصة العنصر الشبابي سواء الأطباء المقيمين أو التمريض لظروف وأسباب مختلفة منها المادية والعلمية وغيرها، وهذا يحتم زيادة العبء على الكوادر الموجودة.

وأكدت مخول أن هذا النقص لم يؤثر على تقديم الخدمات الطبية للمريض، وأن أكثر ما نعاني منه هو النقص في شعبة التخدير ونحن بحاجة لفنيي تخدير، متمنية زيادة الأعداد في هذا الاختصاص وهذه المشكلة تعاني منها المشافي بشكل عام وهي مشكلة على مستوى البلد.

وأوضحت مخول أنه بلغ إجمالي خدمات المشفى 515 ألف خدمة خلال العام الماضي، متضمنة العمليات الجراحية ( جراحة عامة – عظمية – أوعية – بولية – تناسلية – أذنية – عينية – صدرية – تجميل – فكية )، بالإضافة للعمليات الإسعافية وغيرها من الخدمات في أقسام المشفى كلها.

المعاناة ذاتها

وفي مشفى تشرين الجامعي أكد عدد من مرافقي المرضى لـ”تشرين” أنه يتم تقديم الخدمات الصحية في المستشفى بشكل عام ولكن هناك نقص ببعض المواد حيث يتم شراؤها من أحد المراكز الطبية خارج المشفى، وأشارت مرافقة مريض في قسم البولية إلى أنه لم تتوافر في المشفى بعض أدوية الالتهاب والمسكنات إضافة للقثطرة البولية إذ تم شراؤها من خارج المشفى.

كما أضافت إحدى المرافقات والتي يخضع زوجها للعلاج في قسم الصدرية أنه طلب منها شراء بعض المسكنات والقثطرة الوريدية فأحياناً تتوافر هذه المواد وأحياناً أخرى لا، مؤكدة حسن الرعاية والاهتمام بشكل عام، فيما اشتكى عدد من المرضى المقبولين في المشفى بشكل عام من برودة الطقس لعدم وجود التدفئة إلا ما ندر .

مستلزمات إسعافية من خارج المشفى

في مشفى الشهيد إبراهيم نعامة “المشفى الوطني” بمدينة جبلة، كانت شكاوى المرضى تعيد إنتاج المعاناة نفسها في تأمين الأدوية والمستلزمات الإسعافية، من خارج المشفى، لبعض الحالات الإسعافية التي تصل إليها، بحجة جاهزة وهي عدم توافر المواد اللازمة داخل المشفى.

الصوفي: زيادة الضغط على المشافي العامة نتيجة صعوبة الوضع الاقتصادي

في قسم الإسعاف، أم تجلس إلى جانب طفلها تتحسّس جبينه كل دقيقة لتتأكد من استجابة طفلها لسيروم خافض الحرارة الذي تم إعطاؤه إياه، وتروي لـ”تشرين”: جئت أنا وزوجي بطفلنا مساءً إلى المشفى بسبب ارتفاع حرارته، وعند قياس الممرضة الحرارة تبين أنها 40 درجة، فتوجهت للاتصال بالطبيبة المقيمة التي طلبت منها أن تعطي طفلي سيروم سيتامول وريدي وتراقب حرارته وفي حال لم يستجب أن تعاود الاتصال بها، وتضيف: طلبت الممرضة من زوجي إحضار قثطرة وريدية من خارج المشفى لعدم توافرها لديهم، ونظراً لعدم وجود صيدلية قريبة مناوبة اضطر زوجي للتوجه إلى أقرب مشفى خاص يقع على أطراف المدينة لإحضار القثطرة.

وأكدت الأم أنها عند جلوسها إلى جانب طفلها، جاء مريض آخر وتم اعطاؤه قثطرة وريدية من ممرضة أخرى في قسم الإسعاف، متسائلة عن السبب وراء ذلك، هل يعقل أن تكون المستلزمات الإسعافية في المشافي العامة “لناس وناس”!.

بدوره، أكد مرافق أحد المرضى أنه جاء بأخيه إلى المشفى، الساعة 2 فجراً، بحالة اختلاج، فطلبوا منه إحضار حقنة من خارج المشفى، فيما أشار آخر إلى أنه جاء برفقة والده إلى المشفى بحالة قولون عصبي، فطلبت منه الممرضة إحضار حقنة “رايسك” من خارج المشفى، وعند تأمينها والعودة للمشفى، قالت له لا توجد قثطرة وريدية فطلبت منه التوجه مجدداً لخارج المشفى لإحضارها.

الأمر ذاته ينسحب إلى “السيرنكات” وكمّامات الرذاذ، حيث بينت إحدى السيدات أنها اشترت كمامة الرذاذ من صيدلية قريبة من المشفى بسعر 18000 ليرة فيما سعره في بقية الصيدليات 7000 ليرة، والقثطرة 12000 ليرة فيما سعرها 4500 ليرة.

كما أشار مرضى إلى تكاليف العمليات التي ارتفعت كثيراً في المشافي العامة نتيجة تأمين معظم المواد من خارج المشفى، مدللين بتكلفة عملية تركيب صفائح معدنية ب 5 ملايين ليرة، والزائدة مليوني ليرة.

كما اشتكى مرضى أنهم عند مراجعتهم المشفى الوطني طلب منهم إجراء فحص الأشعة “ايكو” خارج المشفى، على الرغم من وجود الجهاز في المشفى.

الوضع الصحي صعب

بدوره، بيّن عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع الصحة في محافظة اللاذقية الدكتور موفق الصوفي في حديث لـ”تشرين” أن الوضع صعب فيما يتعلق بتأمين المستلزمات الإسعافية والطبية اللازمة في المشافي، ونحن غير قادرين على فعل شيء في هذا المجال في ظل الحصار والعقوبات المفروضة على البلاد، وهو أمر ينسحب على جميع مديريات الصحة في المحافظات وليس اللاذقية فحسب، مشيراً إلى أنه تم الطلب من منظمة الصحة العالمية تزويدهم بمستلزمات طبية.

وأكد الصوفي أنه عندما يتم تزويد مديرية الصحة بمواد طبية من وزارة الصحة فإنه يتم توزيعها على المشافي، لافتاً إلى زيادة الضغط على المشافي العامة نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، مدللاً أن أشخاصاً ميسوري الحال أصبحوا يتوجهون للمشافي العامة بدلاً من الخاصة للحصول على الخدمات المجانية، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف العمليات الجراحية فعملية الزائدة أصبحت تكلفتها مليوني ليرة.

وإذ أشار الصوفي إلى المساعدات الطبية التي حصلت عليها محافظة اللاذقية بعد الزلزال الذي شهدته المحافظة في شباط الماضي، لكن يتم حتى اليوم يتم توزيعها بالتساوي على المشافي العامة لتقديم الخدمات الطبية بالإمكانات المتاحة، مضيفاً: لكننا في الوقت نفسه، نحن نعمل على الإبقاء على مواد طبية لدينا، في حال حدوث أي حالة طارئة للاستجابة لها بالسرعة المطلوبة، مؤكداً أن الاستجرار المركزي يرخي بثقله على الواقع الصحي.

طبيب مقيم: لا توجد ضوابط في عملية توزيع الأدوية والمستلزمات الطبية داخل المشافي

وفيما يتعلّق بشكاوى مرضى حول مشاهداتهم لسياسة “الخيار والفقوس” في التعامل مع المرضى بالطلب من بعضهم جلب المواد الإسعافية من خارج المشفى وتقديمها لآخرين، أكد الصوفي أنه لم تصله أي شكوى تخص هذا الموضوع، مطالباً أي مواطن يتعرض لهذه المشكلة بتسجيل شكوى خطية ليتم التحقّق منها، مضيفاً: لا يمكن التعميم والأخذ بالاتهامات والكلام الأجوف من دون شكوى بالحادثة ومكانها وتاريخها، ليتم اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالف وتصويب الخلل.

إيجاد آلية واضحة

من جهته، أشار أحد الأطباء، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن هناك غياباً لدور المراكز الصحية وفاعليتها على الأرض، ما يضاعف الضغط على المشافي العامة، وذلك لافتقار تلك المراكز للأطباء، مشيراً إلى أن هناك عدداً من الأطباء في المشافي والمراكز الصحية يداومون في عياداتهم أثناء الدوام الصباحي في المشفى، كما لا يلتزمون بجدول المناوبات المطبّق في المشفى العام الذي يعملون به، في الوقت الذي تجد فيه الطبيب يلتزم بالمناوبات في المشفى الخاص المتعاقد معه، وذلك لتقاضيه راتباً جيداً.

وأضاف: حتى الطبيب المقيم في المشافي العامة لا يلتزم بالجلوس في قسم الإسعاف، خاصة ليلاً، وتلبية الحالات الطارئة إلا بعد اتصالات عدّة من قسم الإسعاف أو غيره.

كما أشار إلى عدم وجود ضوابط في عملية توزيع الأدوية والمستلزمات الطبية داخل المشافي، مقترحاً إيجاد آلية واضحة لضبطها وتوزيعها بشكل عادل منعاً للهدر واستنزاف القطاع الصحي، وحتى يتسنّى لجميع المرضى الحصول عليها من دون محسوبيات بحكم المعرفة الشخصية أو القرابة أو غيرها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار