ربما تكون حلاً لضبط الأسواق وتحقق انخفاضاً في التكاليف التسويق الإلكتروني.. سلاسل التوريد الأقصر.. ثورة التجارة الرقمية القادمة لا محال

تشرين- حيدرة سلامي:
تعتزم أغلب دول العالم خلال الفترة القريبة القادمة، تفعيل قانون السوق الرقمية، القانون الذي يعنى بوضع التشريعات التي ستقوم على حماية المستهلك في ظل انفتاح العالم المعاصر على السوق الرقمية الحديثة، وبتشريع هذا القانون في هذه الدول، صارت السوق الإلكترونية، وبشكل شبه رسمي، هي السوق المعتمدة ضمنها.

ولقد تم وضع السوق الإلكترونية في موضع الاختبار في ظل أزمة الـ COVID19 العالمية، التي أجبرتنا جميعاً على انتهاج سياسات جديدة في العمل والتجارة والتعليم، وبالفعل فقد أثبتت هذه السوق مدى كفاءتها وفعاليتها في بناء الاقتصاد ودفع عجلة التنمية المستدامة. واتضح من جراء تطبيقها في السنوات الأخيرة، حجم النفقات الكثيرة التي تقللها على الاقتصاد الوطني والعالمي، إضافة إلى حجم الخدمات العملاقة التي تقدر هذه السوق على تأمينها.

حراس البوابات
وفي خطوة لافتة، فقد أدخل الاتحاد الأوروبي، المنصات الكبرى والشركات البارزة، ليتقلدوا دور حراس البوابات الإلكترونية، التي ستكون مهمتهم، حماية مصالح الأفراد ضمن هذه السوق، واختصار خطوات التسويق التقليدية، إلى خطوة واحدة، من المعمل فالمستودع، حتى المستهلك، أي إن هذه الشركات ستلعب دور الوسيط الوحيد بين الشركات الحكومية والخاصة وبين المستهلكين، وتعتمد مبدأ تطبيق التحليل الديناميكي المستقبلي.
فمن مساوىء النمط التقليدي للتجارة البسيطة، أنها تمر بعدة مراحل ويثقلها عدة وسطاء، فمن المصنع إلى سلسلة التوريد، ثم للموزع الرئيسي فالموزع الفرعي ومن ثم إلى المتجر فالمستهلك، ولكلٍ من هؤلاء الوسطاء عمولتهم من هذه العملية. فهي تخفض أعباء خطوط التوريد وخطوط التوزيع عن المصنّع وتجنبه خسارة تقلبات السوق.

السوق المحلية
اليوم السوق السورية التقليدية، قاصرة ومنهكة في مواجهة التحديات الاقتصادية الجديدة، فقد استمر الخنق الاقتصادي لفترة طويلة، وضعفت القوة الشرائية لدى المواطن، وارتفعت تكاليف العمل بشكل عام والتجارة بشكل خاص وذلك على الصعيد الوطني، كما إن أسعار العقارات، هي فوق طاقة تحمل الأفراد سواءً كان ذلك من ناحية الشراء أو الاستئجار، وبات استثمارها يحتاج ثروة طائلة.
وفي الوقت الحاضر، تفتقد سلاسل التوريد المرونة، حيث كثرت فيها عمليات الوساطة وارتفعت تكاليف النقل بشكل محسوب على أسعار السلع، ما أدى إلى اختلال في التوزيع العادل ضمن مراحل السلسلة، ونجم عن ذلك الفوضى التي تعاني منها السوق المحلية من تفاوت كبير في أسعار السلع والبضائع بين المتاجر والأسواق، وفي ظل هذه الظروف القاسية، لا بد من اتباع أسلوب جديد في التجارة قادر على تخفيف أعباء الشكل التقليدي للسوق، الذي بات حملاً ثقيلاً على الاقتصاد السوري الداخلي.

منظومة حديثة
أما الحلول التي يمكن أن تقدمها هذه المنظومة الحديثة من التقانة (السوق الإلكترونية)، للهيكل الداخلي للسوق السورية، فيمكننا أن نبدأ من أصغر حلقة في سلسلة التوريد، في المتاجر الصغيرة وصغار الموزعين، الذي يعانون دوماً من اضطراب سعر الصرف، فهم دائماً مجبرون على تعديل أسعار البضائع، بما يتناسب مع صعود وهبوط قيمة النقد، ما يؤدي إلى تجميد البضائع لفترات طويلة، ويزيد في ميزان الخسارة. بل يفضل التجار الصغار أن يقوموا بإغلاق المتجر وإيقاف عرض البضائع للمستهلكين، على أن يبيعوا بضاعتهم بسعر متدنٍ ما سيؤدي بهم للمديونية.
وذلك بالإضافة، إلى وجود مشكلة الإيجار التي تهدد الداخلين الجدد على مهنة التجارة، إضافة إلى الفواتير الضخمة، وغيرها من المعاملات المالية، الضرائب، كلها عوامل تجبر صاحب المتجر أو الموزع، على رفع سعر منتجاته، بشكل يتناسب مع ميزانية المتجر، ما يسبب تفاوتاً كبيراً بين أسعار السلع بين متجر وآخر، فيدفع الزبون سعراً عالياً، ويبيع البائع بسعر لا يحقق له الربح الذي يصل فيه إلى مرحلة الملاءة المالية المطلوبة للمتجر، وهذا بدوره يودي إلى اختلال في سلسلة التوريد كما سبق وذكرنا.

أما بالنسبة للمعامل والمصانع الضخمة، فلا يكون هناك في هذه الحال، أي حاجة أو دافع، إلى تقليل طرح موادها، للمستهلكين بحجة نقصها، أو بحجة فقدانها، مادامت أنها؛ كمعامل، وكمؤسسات ضخمة، ليست بحاجة أساسية إلى الاحتكار أو الاستغلال لتحقيق ربح كما تفعل المتاجر الصغيرة، التي يقوم معظم ربحها على استغلال بعض المنتجات المطلوبة وبيعها بسعر أعلى.
فالعلاقة هنا هي بشكل مباشر، من المعمل للمخزن، وحتى المستهلك، ما يعطي شفافية ووضوحاً لحركة التجارة داخل الأسواق السورية، التي تعمها الفوضى في الوضع الحالي.
ففي هذه السوق الحديثة، تكون عامة الشعب على اطلاع بمقدرات المصانع المحلية والخاصة، ما يعطيها دور المستهلك والرقيب على الإنتاج، لاسيما، عند محاولة إخفاء إنتاج المعامل عن الدوائر الحكومية، تهرباً من دفع الضرائب للخزانة العامة.

تجربة شركات النقل
وقد حذت حذو الاتحاد الأوروبي في هذا السياق الحديث، دول الخليج العربي، التي قامت حتى بتطويره عملياً، حيث أصبحت البوابات هي مجرد تطبيقات وبرامج، تسهل حياة الأفراد من كل النواحي، الاقتصادية، التعليمية، النقل، الخدمات، وغيرها..
ومن التجارب الرائدة في هذه السوق الحديثة، يمكننا أن نقيس على تجربة الخليج العربي، الذي قام باستقطاب آلاف الموظفين في مجال التسويق الإلكتروني ما يعرف اليوم بعلم التوظيف الحديث، Digital marketing، فقام بزيادة عدد الموظفين القائمين على رأس عملهم وكافح البطالة بنسبة كبيرة.
ويمكننا أن نلمس نتائج ازدهار هذه السوق الإلكترونية، ليس فقط عند البلدان المتقدمة، بل وعندنا في سورية أيضاً، فقد تمكنت شركات النقل الخاصة، من تلبية الحاجات المتزايدة على قطاع النقل، ورفعت عبئاً عن المواطن في تأمين حركة المواصلات، التي تعاني أزمة خانقة في الوضع الحالي، وقد أمنت هذه الشركات خدمة المواصلات على قدر عالٍ من الكفاءة وبتكلفة مناسبة ومريحة على المواطن، ضمن ما يمكننا أن نطلق عليه مصطلح، سلاسل التوريد الذكية، التي ضخت بعض الروح في هذا القطاع الحيوي المنهك.

القانون رقم 3
وفي الداخل السوري وعلى الساحة القانونية، نسلط الضوء، على القانون رقم /3/ للعام 2014 النّاظم للمعاملات الإلكترونية، والذي انطوى في فصله السابع ومادته السابعة عشرة حتى مادته الثالثة والعشرين، على موضوع حماية المستهلك الإلكتروني وتنظيم التسويق الإلكتروني، للتجار والمستهلكين.
وأرجع كل ما لم يرد فيه نص ضمن هذا القانون، إلى الأحكام العامة في قانون التجارة وقانون الدفع الإلكتروني، إلا أن المواد القانونية التي تغطي عمل هذه السوق، تتعرض فقط إلى موضوع التزامات البائع، وحقوق المستهلك، بشكل موسع على البائع، ولم يقم هذا القانون باعتماد مبدأ التقابل بين التزامات وحقوق هذين الطرفين.
فيعاني هذا القانون من نقص في المواد الجامعة المانعة، التي تمنع اختلاط العمليات التجارية التي تقع داخل هذه السوق الإلكترونية، مع العمليات التي تقع داخل العقود المدنية والتجارية، والحفاظ على خصائص السوق الإلكترونية، الأمر الذي سيوفر سهولة ومرونة في إجراءات التقاضي والاعتماد داخل هذه السوق الفعالة، بل حبذا لو أدخل المشرع بعضاً من أحكام مواد القانون التجاري ضمن هذا القانون، وذلك نظراً لما تتطلب معاملات هذه السوق، من السرعة والدقة والفعالية في إنجاز المعاملات التجارية، إذا نرى واجباً في التوسع في هذا القانون، وحبذا أن يتم اشتقاق قانون مستقل من هذا الفصل يناقش أحكام هذه السوق بشكل أكثر تفصيلاً، لاسيما فيما يشكله التسويق الإلكتروني في العصر الحديث، كأحد الأساليب الأكثر تقدماً ونجاحاً، في الوصول إلى تحقيق التنمية المستدامة.

لكن، وبكل تأكيد الأمر يحتاج استثمارات ضخمة في البنى التقنية التحتية، وتعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني، وهذا ربما يحتاج مزيداً من الوقت..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار