الاحتفال بعيد القوزلة تقليد موروث للاحتفال برأس السنة الشّرقية
اللاذقية- يوسف علي
اليوم هو أول أيام العام الجديد حسب التقويم الشرقي، حيث تمّ الاحتفال ليل أمس بعيد القوزلة وهو رأس السنة الشرقية، والذي يعد إرثاً سورياً قديماً يحتفل به الساحل السوري ومناطق عدة في سورية.
وبيّن الباحث الدكتور بسام جاموس في حديث ل”تشرين” أنه تبلورت المعتقدات والأعياد منذ عشرة آلاف عام خلت في القرى السورية، فجاءت الفنون ثم الكتابات التي تركها لنا الآباء والأجداد كوثائق وشواهد للباحثين للدراسة والتوثيق، وتقديم المعلومات عن أسرار الكون، وابتكاراته وطقوسه وثقافاته، وأضاف: السومريون عرفوا عيد الربيع وعرس الألهة منذ الالف الرابع قبل الميلاد، وهو عيد بعث الإله تموز من عالم الاموات، وعيد الطبيعة والزهور ودورة الحياة، واستمر هذا العيد عند الشعوب الآكاديةوالعمورية والكنعانية والفنيقية، والآشورية، والآرامية والسريانية إلى يومنا هذا.
وأوضح جاموس أنّ جذر فعل قوزلة (قزل) أي أضرم النار، وهو عيد يحمل إرثا ثقافياً واجتماعياً بامتياز ويحتفل به أهالي قرى الساحل السوري بشكل خاص ، ومتأثر بالطقوس الأوغاريتية، والآشورية والسريانية، وما زلنا ننتظره كل يوم، وتتميز الطقوس الأساسية لهذا العيد بتقديم الأضاحي، وتحضير الأكلات التراثية المشتقة معظمها من القمح ( الكبة بأنواعها، المعجنات، زلابيا، القروص، زحيلوطات)، حيث يجتمع أهالي القرية في بيت أو ساحة ويوقدون النار، ثم يدورون حولها، فيما تصدح الأغاني والأهازيج في تعبير عن الفرح.
وأكدّ الباحث الدكتور حسين صلاح الدين علي من اتحاد علماء بلاد الشام ل”تشرين” أنّه يصادف اليوم 14 كانون الثاني بداية السنة الشرقية، وهو ما يُسمى بعيد القوزلة، الذي لا تزال قرى الساحل تحتفل به، حيث يتبادل الناس عبارات التهنئة بالقول: “عيد مبارك عليك أوعليكم” أو” كل عام وأنتم بخير”.
وأضاف: “القوزلة” تسمية آشورية من كلمة “قوزلو” وتعني قزل النار أو إشعال النار، حيث كانت توقد النار طلباً للدفء وللطبخ، وتوقد على رؤوس الجبال وأمام المنازل ابتهاجاً وإعلاناً لهذه المناسبة.
وحسب علي، سبب الاحتفال يأتي ببدء السنة الشرقية في يوم 14 كانون الثاني، إلى وجود فارق بين التقويمين الشرقي والغربي، سببه الإصلاح الذي قام به البابا غريغورس الثالث عشر الروماني على التقويم اليولياني في عهد يوليوس قيصر، حيث يعدّ التقويم اليولياني السنة 365.25 يوماً، أما التقويم الغريغوري فهو يعدّ السنة 365.2425 يوماً، وحسابياً تشكل فارقاً مقداره 13 يوماً بين التقويمين الغريغوري واليولياني، حيث يتأخر بها التقويم اليولياني عن التقويم الغريغوري.
وأكدّ علي أنّ القوزلة ليست عيداً دينياً، بل هي مناسبة اجتماعية سورية وفلكية، وتراث وإرث سوري قديم وأصيل وتقليد جميل مازالت بعض مناطق وأحياء محافظة اللاذقية، وعدد من المناطق في أنحاء سورية، في حماة وحمص وإدلب وحلب ودمشق والقنيطرة وطرطوس، مشيراً إلى استمرارية الاحتفال بالعيد من العهد الآشوري، حيث يجتمع فيه الناس ويقدمون الضيافات الشعبية والأكلات التراثية ومنها خبز التنور أوخبز القوزلة الذي يخبز فقط بهذا اليوم، وهي فطاير عجين بالزيت وحب البركة والفليفلة، كما تحضر الكبيبات وأقراص السلق وأقراص العجين المحشوّة لحماً وتسمى “زنكل”، ويقدم التمر وحب الأس والحلويات.
وأضاف: كما كانت بعض القرى وأحياء المدينة كباب جنة وكفردبيل وبسّين ودمسرخو وبشلاما وبسنادا والحارة وبكسا والبودي والمران وزاما والدرباشية والمشيرفة، تقيم أعراساً شعبية تشبه ما كان يُقام فيما يُسمى عيد الزهورية الاجتماعي، الذي تحتفل فيه كل شعوب المنطقة، وهو يسمى في مصر بعيد “شم النسيم”، كما أن بعض الناس يقدر عمرهم بسنوات القوزلة، فيقال مثلاً إنّ أحدهم عمره يتجاوز (90) قوزلة!.
وتابع علي: يستقبل المعايدون بداية رأس السنة الشرقية بسهرة في 13 كانون ثاني، فقد اعتاد أهل القرى على إعلانه يوماً للتّسامح، وإصلاح ذات البين، ومساعدة الفقراء بالعطايا المادية، وتبادل الزيارات صباح العيد.
وبيّن كل من يونس ياسمين وفراس شانا وحسين ساتيك ووليد تجور من أهالي القنينص والمشيرفة ودمسرخو ومرج معيربان ل”تشرين” أنّ الظروف الحالية أثرت سلباً في الاحتفال بهذا العيد كما كان سابقاً، لكن مايزال عدد كبير من العائلات تزور بعضها بمناسبة العيد، وتحرص على إعداد الأكلات التراثية وإشعال النار وتقديم النقود إلى الأطفال.