في اليوم الـ100.. أميركا وكيانها بين خياري التصعيد والاحتواء.. ماذا في خلفية الاستهداف الأميركي البريطاني لليمن؟
تشرين- هبا علي أحمد:
مع كل يوم من العدوان الإسرائيلي الهمجي المتواصل على قطاع غزة المحاصر، يُكتب فصل جديد من فصول المواجهة من الداخل الفلسطيني إلى الإقليم الذي يشهد تصعيداً متواصلاً من دون أي رغبة من أحد بإعلان حرب شاملة ليست في مصلحة أياً كان، ولا سيما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، باعتبارهما أكثر من يدفع باتجاه الحرب وأكثر منْ يتهرب منها في الوقت ذاته، تحت مزاعم «لا نعمد إلى التصعيد»، ومع دخول العدوان على غزة يومه الـ100 تبقى الجبهات على اتساعها وامتدادها مشتعلة ومتأهبة لأي طارئ ومستجدات قد تحملها الساعات القادمة، ولا سيما بعد التصعيد الأميركي- البريطاني ضد اليمن صباح أول أمس الجمعة ويوم أمس، تصعيدٌ بدا واضحاً من تتبع تسلسله والتحضير له ليس إلّا لفرض أمر يتماشى مع المصالح الأميركية السياسية والاقتصادية التي تعيش على وقع تهديد دائم ولاسيما إذا ركزنا الحديث على الهيمنة والنفوذ.
أميركا وكيانها أكثر من يدفع باتجاه الحرب وأكثر من يتهرب منها ما يُبقي الجبهات على اتساعها وامتدادها مشتعلةً ومتأهبةً لأي طارئ ومستجد
ماذا في التوقيت؟
منذ الدخول الأول لليمن في معركة المساندة لغزة باستهداف ميناء «إيلات» في 31 تشرين الثاني الماضي، كانت أميركا ومعها الكيان الإسرائيلي بطبيعة الحال يراقبان بصمت مجريات البحر الأحمر مع تسويق إعلامي شرس حول «تهديد اليمن لأمن الملاحة البحرية» وغيرها من المزاعم والتهديد مع تسريب معلومات حول الضربة قبل أن تتم وصولاً إلى الاستهداف المباشر لمواقع ومحافظات يمنية، ما يثير التساؤل حول التوقيت لماذا انتظرت واشنطن كل هذا الوقت حتى تنفذ عدوانها على اليمن؟ لا يختلف عاقلان على أن واشنطن تريد استعادة هيبتها التي اهتزّت أمام العالم في غير ساحة من ساحات الإقليم ومن قوى حاولت الماكينة الإعلامية الأميركية والغربية عموماً تشويه صورتها وإلصاق صفة «الإرهاب» بها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن دلالة التوقيت غاية في الأهمية لتحويل الأنظار عما جرى في محكمة العدل الدولية من محاكمة لكيان الاحتلال الغاصب بناءً على دعوى تقدمت بها جنوب إفريقيا، حيث وجد الكيان نفسه مُداناً بصورة غير مسبوقة وعلى مرآى من العالم. إذاً كان ضرب اليمن للتعتيم على الحقائق التي قدمتها جنوب إفريقيا بالأدلة والوثائق والتواريخ منذ نكبة 48 حتى اليوم الـ100 من العدوان على غزة، هذا أولاً، وثانياً يرى مراقبون أن العدوان الأميركي- البريطاني على اليمن يرمي إلى ضرب ملف إنهاء الحرب في اليمن، مع خشية واشنطن من تحول سعودي في هذا السياق يصب في سياق مصلحة البلدين أي اليمن والسعودية، بما لهذا الإنهاء من تداعيات ليست في الصالح الأميركي بأي حال من الأحوال.
الكيان وضيق الخيارات داخلياً وفلسطينياً وإقليمياً.. والعدوان على اليمن لم ينفع في انتشاله من دائرة المحاكمة والإدانة القانونية والدولية بصورة غير مسبوقة وعلى مرأى العالم
«قوة في صراع مع قوى عالمية»
العدوان الأميركي- البريطاني على اليمن لم ولن يحقق أي هدف من أهدافه المرجوة حتى جرّ المنطقة إلى حرب لن يحدث أقله راهناً، بل انعكست أهدافه وتحول من خلاله اليمن إلى قوة في الصراع مع قوى عالمية، كما أوردت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، مشككة فيما إذا كانت الضربات ضد اليمن ستكون فاعلة في ردعه عن استهداف السفن الإسرائيلية، لافتة إلى أنه من غير المرجح أن يتحقق هدف الردع، وقدرت المجلة أنّ استهداف القوات اليمنية من الولايات المتحدة، في حين معاداة واشنطن تتصاعد بسبب دعم بايدن لـ«إسرائيل»، سيزيد من شعبية اليمن، كما أوضحت أن هذه الضربات ستعزز رغبة السلام لدى السعوديين مع صنعاء ووضع حد للحرب بما يخدم إعادة التموضع السعودي الإقليمي والعربي.
في السياق، يشكك الأدميرال جي سي وايلي، مؤلف كتاب «الاستراتيجية العسكرية.. نظرية عامة للتحكم في القوة» بأن الهجوم الجوي الصاروخي على اليمن سيحقق أي نتائج حاسمة في الردع، حيث إن هدف الاستراتيجية العسكرية هو السيطرة على الفضاء المادي، وفق وايلي، ويتطلب هذا الأمر جنوداً أو مشاة بحرية على الأرض وليس طيارين أو قاذفي صواريخ بحراً، ويعلق وايلي: إن الرجل الموجود في مكان الحادث الذي يحمل مسدساً هو في النهاية حكم النصر، والجندي الذي يحمل قوة نيران متفوقة هو من يحدد من سيفوز، ونخلص من كلام وايلي إلى أن اليمنيين هم على الأرض وهم من يحدد لمن ترجح الكفة.
«منعطف حاسم وخياران»
بعد مئة يوم من العدوان الإسرائيلي على غزة، لا حديث في كيان الاحتلال الإسرائيلي إلا عن الأثمان التي يجب أن يدفعها الكيان للخروج من مأزقه لإنهاء العدوان، إذ رأى مدير ما يسمى «معهد أبحاث الأمن القومي» في كيان الاحتلال ورئيس جهاز «أمان» السابق اللواء احتياط تامير هايمان أنه مع وصول الحرب على غزة إلى يومها الـ100، تصل «إسرائيل» إلى منعطف حاسم، وتقتصر خيارات المستوى السياسي فيها على خيارين: الأول الذهاب إلى صفقة تبادل – بوساطة قطرية – تؤدّي إلى نهاية الحرب، وثمن هذا الخيار هو أن تكون لـ«حماس» فرصة بمواصلة الحكم. أما الخيار الثاني فهو الذهاب إلى صفقة إقليمية بوساطة الولايات المتحدة مع السعودية، وفي هذه الحالة أيضاً ستنتهي الحرب من خلال صفقة تبادل، لكن الثمن سيأتي على شكل موافقة إسرائيلية على عملية سياسية «عملية سلام» مع السلطة الفلسطينية.
التكلفة البشرية للاحتلال تعمق مأزقه السياسي وتضاعف الأثمان المستقبلية التي يجب على الكيان دفعها في حال مواصلة عدوانه على غزة
ويشير هايمان بقوله إنّ تحقيق أهداف الحرب، في حال مواصلتها، سيكون موضع شك، وخاصة تلك التي تتعلق بإعادة الأسرى.
وإلى جانب الأثمان السياسية السابقة الذكر، فإن الأثمان البشرية لدى الاحتلال تزيد من مأزق المستوى السياسي أمام «المجتمع الإسرائيلي»، إذ أقرّ جيش الاحتلال تحت بند سُمح بالنشر، بمقتل رقيب احتياط جديد في المعارك البرية في قطاع غزة، وبذلك ارتفعت حصيلة الجنود الإسرائيليين نتيجة المواجهات مع المقاومة الفلسطينية في غزة إلى 189 قتيلاً منذ بداية التوغل البري، وبالتالي ترتفع أيضاً حصيلة القتلى منذ 7 تشرين الأول الماضي إلى 522 جندياً قتيلاً.