ستكون البديل الأسلم للسوق السوداء.. تفعيل «بورصة» دمشق أحد الحلول المتاحة لمواجهة التضخم وتنمية القاعدة الصناعية والاقتصادية

تشرين- المحامي حيدرة سلامي :

تم إنشاء سوق دمشق للأوراق المالية بموجب المرسوم رقم (55) لعام 1/10/2006.
وتنطلق هذه السوق من منطلق فكرة مميزة، وهي الاستثمار الحر بين الأفراد والدولة بشكل مستقل عن الارتباط في منظومة السوق العالمية للأوراق والسلع، محققة بذلك استقراراً في القرار الاقتصادي، وقد كانت السوق مبادرة الحكومة السورية بهدف توسيع البنى التحتية في سورية وإقامة بنى صناعية لديها قاعدة تمويل شعبية مستقلة، ليس لها أي ارتباط بالسوق العالمية، وذلك عن طريق دفع الشعب للاستثمار بنفسه ولنفسه.

تتميز هذه السوق بصفة القطاع المشترك.. حيث إنه في أوقات العجز لها الحق في طلب قرض من الحكومة.. ما يعتبر اعتماداً ثابتاً تتم إضافته لرأس مالها

قطاع مشترك
وتتميز هذه السوق بصفة القطاع المشترك، حيث إنه في أوقات العجز لها الحق في طلب قرض من الحكومة، ما يعتبر اعتماداً ثابتاً تتم إضافته لرأس مالها، وهي بذلك تتفوق على السوق العالمية من ناحية الاعتماد، إذا إنها تتميز بصفتي القطاع الخاص والمشترك ولها ميزات كلا القطاعين ومن مصادر تمويل خاصة وحكومية، أما عن مكونات هذه السوق الاستثمارية، فتتألف من 27 شركة مدرجة تتكون الغالبية منها، من البنوك في المقام الأول، ومن شركات التأمين، في المقام الثاني كالشركة السورية الدولية للتأمين والشركة المتحدة للتأمين، ومن شركات الخدمات، الشركة الأهلية، وشركات زراعية وصناعية وشركات اتصالات وتعتبر هذه الفئة الأصغر من السوق.

ثلاثة مؤشرات
ينقص سوق الأوراق المالية في دمشق، وجود الشركات الصناعية القوية حيث تتألف معظمها من شركات تأمين، ووساطة مالية، والبنوك، وعدد قليل من الشركات الصناعية، وتعتمد سوق دمشق للأوراق المالية DSE ، على ثلاثة مؤشرات هي: DIX: مؤشر الأسهم الإسلامية والذي يضم مؤشر المؤسسات المالية الإسلامية كالبنوك الإسلامية وشركات التأمين، و DLX مؤشر الأسهم القيادية أو الأسهم الحرة القابلة للتداول وتحقيق الأرباح المباشر، و DWX مؤشر الأسهم المؤشر المثقل بالقيمة السوقية في سوق دمشق, ويعنى عادة بالاستثمارات طويلة الأجل.
عادة هناك عائدان للسهم، وفق النظام العام للربح في البورصة، هما: عائد تشغيل وهو عائد طويل الأمد وهو العائد الذي تقوم الشركات بتوزيعه بنهاية العام، وعائد رأس مالي ينتج عن عمليات التداول السريعة، حيث تقوم الشركة بطرح أسهم حرة في مؤشر DLX .

تأثير العقوبات
لكن، وفي السنوات الأخيرة تعرضت هذه السوق إلى هجوم شرس وتهميش دولي ومحلي، لاسيما من قبل الدول الغربية التي منعت أي مؤسسة أو شركة أجنبية من الاستثمار مع الحكومة السورية.
ونتج عن هذه العقوبات، عزلة تامة اقتصادياً، وتضخم هائل في سعر الصرف، جراء قطع الاستثمارات الأجنبية، وإيقاف تدفق القطع الأجنبي المطلوب من أجل تغطية متطلبات الإنفاق العام، وجراء هذه العزلة التي استمرت لسنوات طويلة، حيث لم يعد ممكناً للمواطن السوري الاعتماد على اكتناز العملات الصعبة والذهب، للحفاظ على ماله من فقدان القيمة، وصار لا بد من الاتجاه للاستثمارات الأخرى ضمن المتاح، لأجل صنع اقتصاد أكثر تنوعاً واستقراراً، فكما نعلم فإن الاقتصاد العالمي ليس قائماً على الدولار وحده.

أنماط مطلوبة
ولذلك لابد في هذا الوقت من إدخال أنماط استثمار جديد تشمل كل أساليب التداول للبورصة وهي: تداول العملات الرقمية، وتداول المواد الخام، والفوركس، وتداول أسهم الشركات، وتداول صناديق الاستثمار.
لكن للأسف هناك بُعد للمواطن عن سوق دمشق، فمعظم المواطنين الذين يستثمرون أموالهم في السوق السوداء المحلية، التي لا تسير على مبدأ العرض والطلب، يقومون بتدوير أموالهم، وليس أمامهم إلا ثلاث سلع أساسية، الذهب ، الدولار، المشتقات النفطية، أي إن هذه السوق، تشكل نسخة مصغرة عن السوق العالمية، فهي تحتوي على الفوريكس (العملات) والذهب والنفط، إلا أنها تفتقر إلى الضمانات الموجودة في السوق العالمية المنظمة، فبالإضافة إلى أنها لا تخضع لمبدأ العرض والطلب، فهي أيضاً سوق بدائية، وتعمل كأول أشكال المقايضة، وتفتقر إلى وجود الأسهم أي القيم المعنوية التي تثبت أسعار السلع، والسهم هو وحدة قياسية تستخدم عوضاً عن الموجودات المادية في عملية المقايضة.

مساوئ “السوداء”
ويأتي من مساوئ هذه السوق، أنها قائمة على الاستغلال، فالمواطن البسيط الذي يدخل هذه السوق لحماية أمواله من التضخم، يتعرض للضغط غالباً من المالكين المتحكمين الذين يقومون بتغيير قيمة السلع وفقاً لاحتياجاتهم، ما يجبر المواطن صاحب هذه السلعة على أن يفرط بها، لحماية ماله من الخسارة، فيكون دائماً خاضعاً لإرادتهم لا لإرادة السوق.

السوق السوداء التي يستثمر فيها المواطنون تشبه السوق العالمية لكن بلا ضمانات وهي سوق بدائية تعمل كأول أشكال المقايضة

ويجب تسليط الضوء أيضاً على إحدى المساوئ الناجمة عن عمل هذه السوق، فالأصول المالية من ذهب أو مشتقات نفطية أو غيرها مما يدخل في عملية التداول تكون على حساب الاستهلاك الشخصي للمواطن، الذي سيعاني من جراء هذا التجميد، فترتفع أسعار السلع بشكل يجعلها مطلوبة دائماً، ويجعل عرضها نادراً، أي احتكار للمواد الأساسية للحياة.

الانتقال من الاستهلاك للصناعة
والأمر الذي يجب علينا أن نشير إليه هو أن الإسهام المباشر في العملية الصناعية، هو أحد الأهداف الأساسية التي تم وضع سوق البورصة لأجلها، فالآلية المعتمدة في طرح الشركات أسهمها للتداول، هي عملية قائمة على مشاركة المساهمين في عملية تصنيع المنتجات، فحين يشتري الأفراد السلع التي تم تصميمها من أموالهم، سيتأثر رصيدهم النقدي بشكل طردي مع ذلك، وسيتم الانتقال حينها من مرحلة الاستهلاك إلى مرحلة الصناعة، وتلك هي الحالة التي تصبو سوق دمشق للأوراق المالية إلى الارتقاء نحوها.

كيف يؤدي الاستثمار إلى تقليل النفقات على المستثمر؟
نضرب مثالاً في السوق العالمية، على شركة تسلا موتورز، فهذه الشركة التي قامت بتصنيع السيارة الكهربائية، وقامت بطرح أسهمها للسوق راغبة بالبحث عن مستثمرين يدخلون معها في استثمار منتجهم الجديد، وبذلك حصلت على تمويل منهم لدعمها عن طريق شراء أسهمها، هؤلاء المستثمرون الذين قد دخلوا في هذا الاستثمار، في شهر شباط 2023، حين كانت قيمة السهم 113 دولاراً وقبل نهاية ذاك الشهر، ارتفعت قيمة السهم إلى 203 دولارات، فمن دخل في الاستثمار بمئة سهم أي ما يقارب ال 10000$، فقد حصل على ربح فوق حصته السهمية، بما يقارب التسعة آلاف دولار، فحين قام بعدها بشراء المنتج الذي يدعمه، وهو السيارة الكهربائية، والتي عرضت بما يقارب الثلاثين ألف دولار في السوق العالمية، ففي هذه الحال قام بخصم ربحه الصافي من عمليات التداول من سعر شراء السيارة، وبالتالي فقد حصل على هذا المنتج كمستثمر بمعزل عن بقية المستهلكين، بأقل من سعر رأس المال.
ورغم ذلك فنحن لا نستطيع وضع حل جذري حالياً للوضع الاقتصادي، إلا أنه حتى لو لم يتم استبدال نظام العملة الخضراء أو الذهب في الوقت الحالي ، فلا بد من طرح الاستثمارات الجديدة التي وبلا شك سوف تقلل في هذه الأوقات الصعبة من الحاجة المفرطة لاكتناز الذهب والدولار.
فالطريق إذا موجود والبدائل موجودة وتبقى الحاجة الماسة، لتفعيل سوق الأوراق المالية السورية بحيث لا تقتصر فقط على الشركات والمؤسسات، بل وأيضاً إدخال إجراءات مناسبة ليدخل المواطن وبشكل مباشر في عملية الاستثمار الوطني، ما سيحمي له أمواله ومتطلبات حياته الأساسية، دون أي ضغط من جهة محلية كالسوق السوداء أو الخارجية كالعقوبات الاقتصادية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار