العقوبات الجزائية والمادية والمعنوية لم تعد تردع استباحة المواقع الأثرية.. تعديل قانون الآثار أضحى ضرورة ملحّة
تشرين- وليد الزعبي:
لم ينكفئ ضعاف النفوس عن تصيّد المواقع الأثرية، بقصد التنقيب السرّي غير المشروع عن الكنوز واللقى الأثرية للمتاجرة بها وتهريبها إلى خارج الحدود، فيما نهب مكونات بعض المباني الأثرية من حجارة وأقواس ومنحوتات متواصل، إلى جانب الاستمرار بتشويه البلدات القديمة، بإزالة أجزاء منها وتشييد أبنية بيتونية صمّاء مكانها، ما يتسبب بخسارة معالم أثرية وتقليدية وضياع سويّات تاريخية توثق للحضارات التي تعاقبت على بلادنا، ويأتي كل ذلك في ظل استغلال دنيء للظروف التي لا تسمح بضبط المتعدّين والمخالفين، الذين لا يهابون العقوبات، لكونها لم تعد إلى حدّ كبير رادعة، وهنا تبرز ضرورة التطرق إلى مدى صلاحية مواد قانون الآثار العقابية جزاءياً ومادياً ومعنوياً ضمن ظروفنا الراهنة بعد كل المتغيرات التي حصلت في السنوات الماضية.
رئيس دائرة آثار درعا الدكتور محمد خير نصرالله، أشار إلى أن سنوات الحرب البغيضة فسحت المجال لتجرؤ البعض من ضعاف النفوس بالتعدّي على المواقع الأثرية في أرجاء مختلفة من محافظة درعا مستغلين الظروف السائدة، حيث طالت تلك التعديات المتمثلة بالتنقيب السري غير المشروع عن اللقى والكنوز للمتاجرة فيها وتهريبها خارج الحدود، الكثير من التلال والخرب والبلدات القديمة والمباني الأثرية، كما تم التعدي بسحب وسرقة مكوناتها من حجارة وأقواس ومنحوتات لاستخدامها في مبانٍ خاصة أو بيعها، إضافة إلى إزالة أجزاء من مباني البلدات القديمة وتشييد أبنية مكانها من البيتون من دون العودة إلى جهات الآثار وأخذ الموافقات اللازمة مرفقة بضرورة الالتزام بالاشتراطات الناظمة لذلك، علماً أن هناك جهوداً كبيرة تبذل من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف ممثلة بوزارة الثقافة، لاستعادة القطع الأثرية المهربة خارج القطر، وخلال فترة الحرب على سورية على سبيل المثال لا الحصر تمت استعادة ساكف حجري (جائز حجري عليه نحت نافر يركب عادة فوق الأبواب) جرى تهريبه من البلدة القديمة في مدينة نوى إلى إحدى الدول الأوروبية.
التنقيب السري غير المشروع ونهب الأوابد يهدّد بانهيارها وضياع معالمها
وأوضح د.نصر الله أن الحراس الجوالين كضابطة عدلية على قلة عددهم، يقومون بمتابعة التعديات الحاصلة في بعض أرجاء المحافظة وإبلاغ الدائرة بها، والتي تقوم بدورها بتوثيق تلك التعديات والمخالفات مع بيان كل التفاصيل المتعلقة بها، ومراسلة الجهات المعنية لقمع تلك التعديات وإزالة المخالفات، ومراسلة مديرية المصالح العقارية لوضع إشارة منع تصرف لصالح المديرية العامة للآثار والمتاحف (دائرة آثار درعا) على الصحيفة العقارية لكل العقارات القائمة عليها هذه المخالفات، علماً أنه لا يتوفر في قسم كبير من الريفين الغربي والشرقي من المحافظة وجزء كبير من منطقة اللجاة، حراس جوالون لتغطية حراسة المناطق والمواقع الأثرية.
التنقيب لا ينقطع
من جانبه، ذكر رئيس شعبة المباني في دائرة آثار درعا الآثاري أحمد الحريري، أنه تم خلال العام الفائت رصد حدوث مخالفات بتشييد أبنية في البلدات القديمة ضمن كل من المتاعية والصنمين ومحجة وعلما وموثبين وغباغب، والقيام بأعمال هدم وتجريف وترحيل حجارة وحفر في بلدات قديمة أخرى مثل علما وخربة غزالة وإزرع، وكذلك أعمال تجريف وزراعة أشجار في خربة السامرية وأعمال تنقيب غير شرعية في المدرج الروماني في درعا البلد وقلعة المزيريب، وسرقة أبواب حديدية من قصر زين العابدين في إنخل، وتخريب وسرقة لعناصر معمارية من بيت الضيافة بدرعا البلد، مبيناً بالعموم أن التنقيب غير الشرعي لا ينقطع في الكثير من الخرب والتلال والطواحين والجسور الأثرية ومحطات وسكك الخط الحديدي الحجازي وغيرها، علماً أنه تم تنظيم محاضر ضبوط بتلك المخالفات، إلى جانب إرسال كتب بها إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف ومحافظة درعا وإدارة قضايا الدولة لأخذ العلم واتخاذ الإجراءات اللازمة حسب الاختصاص.
البلدات القديمة في مرمى الإزالة وإحلال كتل بيتونية صمّاء مكانها
ولفت الحريري إلى أنه تجري المتابعة للأعمال الواردة ضمن موافقات البناء والترميم الممنوحة في المناطق الأثرية، وذلك من خلال تكليف الحراس الجوالين، كل ضمن نطاق عمله بالتنسيق مع الوحدة الإدارية، في مسعى لضمان الالتزام بالشروط والمواصفات الفنية المحددة بالموافقات الممنوحة لها، وفي حال مخالفة أحد الشروط يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.
الغرامات غير كافية
وتطرّق الحريري إلى أن ثمة نقاطاً كمعوقات بخصوص المخالفات وطرق مكافحتها، وتتمثل بصدور العديد من الأحكام القضائية التي تتضمن تنفيذ الشق المالي فقط، وبأقل من قيمة الضرر المقدر من قبل الدائرة في كثير من الأحيان، من دون الإشارة إلى الشقّ المتعلق بإزالة المخالفة رغم تضمين جميع المراسلات لإدارة قضايا الدولة الإشارة لضرورة إزالة المخالفة وإعادة الوضع لما كان عليه، وكذلك عدم القدرة على تنفيذ قرارات إزالة المخالفات بسبب الظروف السائدة في العديد من المناطق وعدم التزام المخالفين بإيقاف الأعمال، رغم التنبيه وعمل ضبط مخالفة في موقع أثري ومخاطبة السلطات التنفيذية، إضافةً إلى عدم القدرة على قمع وإيقاف المخالفات ضمن العديد من المناطق والمواقع الأثرية، وخاصةً في الريفين الغربي والشرقي من المحافظة، لقلة مراقبي الآثار وعدم ملاءمة الظروف فيها وتعرض المراقبين في الكثير من الأحيان للتهديد الشخصي من قبل المخالفين والمنقبين، وعدم تعاون بعض البلديات لجهة التنسيق مع السلطات الأثرية عند منحها تراخيص البناء والهدم، والمهم أن العقوبات الواردة في قانون الآثار لم تعد صارمة ورادعة جزاءياً ومالياً ومعنوياً.