قوارب الصيد تهجر البحر في هجمة عكسية على أسعار السمك… ومحاولات الإنعاش بحاجة لإعادة “حسبة حكومية”
اللاذقية- صفاء إسماعيل:
غداة قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك برفع الدعم عن الصيادين فيما يتعلق بمادة المازوت، لم يعد بالإمكان أكثر مما كان، حيث رفع الصيادون “العشرة” أمام الإسفين الأخير الذي دُقّ في نعش مهنة الصيد، فجميع وسائل التدبير والتقنين في رحلات الصيد لم تعد تجدي نفعاً بعد هذا القرار الذي شكّل صدمة للصيادين والجهات المعنية بواقع حالهم، بوصفهم لم يكونوا على علم مسبق بما كان في جعبة الدعم الحكومي للصيادين.
صيادون: قطع الدعم يهدّد عائلاتنا بالجوع… سنبحث عن مهن أخرى تؤمّن لقمة العيش
سريعاً عبّر عدد كبير من الصيادين عن الحالة التي وصلوا إليها، بالقيام برفع قواربهم إلى رصيف ميناءي الصيد في اللاذقية وجبلة، إيذاناً بهجمة عكسية ستشهدها أسواق السمك، والأسعار التي ستشهد ارتفاعاً غير مسبوق يحاكي قلّة العرض.
هجرة… بحثاً عن رزق بديل
وجوه منهكة، تلخّص الكثير من مشاعر الخيبة والامتعاض وقلّة الحيلة، ترفع الغطاء عن واقع حال الصيادين قبل أن ترويها ألسنتهم، إذ أكد عدد من صيادي اللاذقية في حديث لـ”تشرين”، أنهم يرفعون قواربهم على الرصيف لأنهم غير قادرين على شراء المازوت بسعر 11880 ليرة، حسب النشرة التموينية الأخيرة، شارحين: مهما كانت غلّة الصيد وفيرة، فإنها لن تغطي التكاليف التي يتكبّدها الصياد، وخاصة في فصل الشتاء، حيث تمرّ فترات تشهد فيها المحافظة أحوالاً جوية سيئة من حركة رياح وارتفاع أمواج، لا يمكن الإبحار فيها طلباً للرزق.
واتفق الصيادون على أن مهنة الصيد لم تعد “تجلب همّها”، على حد تعبيرهم، في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الصيد، ورفع أسعار المازوت وإقصائهم عن الدعم، مشيرين إلى أن تخصيصهم بكمية 90 ليتراً شهرياً لا تكفي، وخاصة أن رحلة الصيد الواحدة تحتاج وسطياً كمية 20 ليتراً، ما دفع بعدد من الصيادين إلى عدم الإبحار بعيداً عن الشواطئ من “باب التوفير بالمازوت”.
كما بيّن الصيادون أن واقع الحال يدفعهم مجبرين للبحث عن مصدر رزق آخر، يستطيعون من خلاله تأمين لقمة العيش لعائلاتهم، مضيفين: هذه المرة هجرة نهائية للمصلحة، إذ لم يعد هناك مجال للمجابهة و”الجود بالموجود.”
وتطرّق الصيادون إلى ما تناهى لأسماعهم من امتعاض شعبي من ارتفاع أسعار السمك في السوق، والذي قد يكون السبب وراء إقصائهم عن الدعم، مؤكدين أنه لطالما كانت الأسعار ترتبط بأنواع السمك، فهناك السمك الغالي كالقجاج واللقز والسلطاني وغيره، وهناك السمك الشعبي الذي تبقى أسعاره مقبولة كالبلميدا والسردين والسمليس وغيره. ناهيك بأنه من المتعارف عليه ارتفاع أسعار السمك في الشتاء بسبب قلّة الصيد.
رئيس جمعية صيادي جبلة يطالب بزيادة مخصصات المازوت تفادياً لابتزاز تجار السوق السوداء
وتساءل الصيادون عن السبب وراء الإبقاء على دعم الجرارات الزراعية في الوقت الذي تم فيه استبعادهم، مع العلم أن تكلفة حراثة الدونم الواحد تتراوح بين 100ألف ليرة -125 ألفاً ؟، مضيفين: إنه تمت معاملتهم مؤخراً أسوة بالجرارات الزراعية بوصفهم تابعين جميعاً لوزارة الزراعة.
زيادة مخصصات المازوت
بدوره، أكد رئيس جمعية صيادي جبلة سميح كوبش لـ”تشرين”، أن قرار رفع الدعم عن الصيادين فيما يتعلّق بالمازوت، سيدفع بالكثير من الصيادين لهجر المهنة نتيجة زيادة الأعباء التي يعانون تحت وطأتها، والتي تبدأ من ارتفاع أسعار مستلزمات الصيد من شباك وصيانة وغيرها، وانتهاء برفع الدعم وقلّة الكميات المخصصة لهم.
وطالب كوبش بزيادة مخصصات الصيادين من مادة المازوت، باعتبارها لا تكفي لعملية الصيد، وذلك تفادياً لابتزاز تجار السوق السوداء، مشيراً إلى أنه بعد رفع سعر ليتر المازوت، سيباع البيدون سعة 20 ليتراً بسعر يتجاوز 300 ألف ليرة، الأمر الذي يشكّل عبئاً ثقيلاً على الصيادين، يضاف إلى جملة هموم المهنة التي ينوء تحت وطأتها الصياد.
وأكد كوبش أن الكثير من الصيادين هجروا المهنة، والكثيرون أيضاً سيسيرون بركبهم بعد إقصاء الصيادين عن الدعم، واقع الحال الذي يهدد مئات العائلات التي يشكّل الصيد مصدر الرزق الوحيد لهم، ناهيك بانعكاس ذلك على أسعار السمك في الأسواق والتي سترتفع على إيقاع رفع الدعم عن الصيادين.
رئيس جمعية صيادي اللاذقية: الإسفين الأخير في نعش مهنة الصيد
الإسفين الأخير
من جهته، وصف رئيس جمعية صيادي اللاذقية نبيل فحام القرار الأخير برفع الدعم عن الصيادين أنه بمثابة الإسفين الأخير في نعش مهنة الصيد، حيث قام عدد كبير من الصيادين برفع قواربهم إلى رصيف الميناء إعلاناً بهجر المهنة، مبيناً أنهم سيتوجهون لمهن أخرى يستطيعون من خلالها تأمين مصدر رزق بديل لعائلاتهم.
وأضاف فحام: الصيادون يعانون من الظروف الجوية الحالية، وغلاء مستلزمات الصيد، ولم يكن ينقصهم إقصاؤهم من الدعم، مبيناً أنه بالرغم من تخصيص الصياد بكمية 90 ليتراً من المازوت بالسعر المدعوم شهرياً، إلا أنه كان هناك تأخير متكرر في منحهم مخصصاتهم.
وأوضح فحام أن الصيادين لن يستطيعوا الاستمرار مهما تحايلوا على الخسائر برفع سعر السمك “ما بتوفّي معهم”، لأن أقل تكلفة رحلة صيد تحتاج ما بين 10-20 ليتر مازوت، ناهيك بأجار النقل وثمن “الطعم”، وارتفاع أسعار الشباك والصيانة وغيرها.
الثروة السمكية”: سندعم الصيادين بإعانات المنظمات الدولية
وإذ نفى أي علم لجمعية الصيادين بقرار رفع الدعم عنهم، فإنه أوضح أن الصيد تابع للهيئة العامة للثروة السمكية التابعة بدورها لوزارة الزراعة، وأنه مشمول بالدعم منذ سنوات طويلة، فلماذا تم رفعه الآن؟!
زيادة إنتاج “الثروة السمكية”
من جهته، بيّن مدير عام الهيئة العامة للثروة السمكية الدكتور علي عثمان في حديث لـ”تشرين”، أنهم ملتزمون بتعليمات الحكومة، مؤكداً في الوقت ذاته أنهم سيدعمون الصيادين بشتى الإمكانيات المتاحة في حال توفرها، مدلّلاً بالإعانات التي تقدمها أحياناً المنظمات الدولية، بالإضافة إلى أنه عندما تتوفّر مادة المازوت فإننا سنطالب بدعم الصيادين.
وكشف عثمان عن عزم الهيئة العامة للثروة السمكية في خطتها، على زيادة معدل الإنتاج في مزارع التربية العائدة لها، كنوع من التدخل الإيجابي في السوق، لضبط أسعار الأسماك.
مراسلات قد تغيّر واقع الحال
عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور معلى إبراهيم، أشار إلى أن رفع سعر ليتر المازوت على الصيادين من 2000 ليرة إلى نحو 12000 ليرة، يعتبر كبيراً، وأضاف: نحن كمكتب تنفيذي سنحاول مساعدة الصيادين، من خلال قيام جمعية الصيادين بإعداد كتاب، يتضمن تظلّماً ومطالبة بإعادتهم للدعم، إلى المحافظ ليصار إلى مناقشته مع لجنة المحروقات التي يترأسها المحافظ، ومن ثم مراسلة وزارة النفط.
كما اقترح إبراهيم إعداد كتاب آخر إلى وزارة الزراعة باعتبار الصيد يتبع للهيئة العامة للثروة السمكية.
قرار سلبي
من جهته، أكد رئيس نقابة عمال النقل البحري والجوي في اللاذقية سمير حيدر لـ”تشرين”، أن مهنة الصيد مهنة حرفية قديمة ومتوارثة، وهناك أكثر من 1800 عائلة تعيش من غلّة الصيد، وفي حال توقفوا عن العمل، فإن تلك العائلات لن تجد ما تأكله، مضيفاً: قرار إقصاء الصيادين عن الدعم قرار سلبي، وإذا لم يتم دعم الصيادين، فإنهم لن يستطيعوا الاستمرار في العمل بالصيد، في ظل رفع سعر ليتر المازوت إلى 11880 ليرة.
“النقل البحري”: دعم الصيادين ضرورة لتأمين مادة السمك في السوق المحلية
ودلّل حيدر بأن محركات قوارب الصيد زراعية، كما الجرارات، وهم يعملون وفق ترخيص زراعي، وكانوا مشمولين بالدعم الزراعي، مطالباً بأن يتم دعمهم أسوة بالجرارات الزراعية، وإن لم يكن كما دعم المخابز والسرافيس والتدفئة، فأن يتم دعمهم بنسب معينة تضمن لهم الاستمرار في العمل من دون خسائر تنعكس أولاً على الصياد، وثانياً على المستهلك الذي سيضطر قريباً جداً لشراء كيلو السمك بـ 200 ألف ليرة بعد أن كان يشتريه بين 30-40 ألفاً، وذلك بعد أن يقلّ العرض في السوق مدفوعاً بعزوف أغلبية الصيادين عن العمل.
وأضاف حيدر: منذ صدور القرار، قام 50% من الصيادين برفع قواربهم إلى البرّ، و”الحبل على الجرّار” ، لافتاً إلى ضرورة دعم الصيادين لضمان استمرارهم في العمل وتأمين مادة السمك الضرورية في السوق المحلية.
وبيّن حيدر أن نقابة عمال النقل البحري ستقوم بإعداد كتاب للاتحاد العام لنقابات العمال، يتم فيه شرح واقع حال الصيد، ليصار إلى رفعه للحكومة، متمنّياً أن تلاقي جهودهم الاستجابة من قبل الجهات المعنية.