ساعات معدودة وينتهي العام الحالي بكل ما كابدناه من مشّقات وواجهناه من صِعاب، و للأثر الخارجي فيها دور كبير، وسوء التخطيط و”النوايا” كانا يشكلّان نسبة من أسباب الأزمات.
الأغلبية يذكرون العام الحالي وكأنه كأس فارغ، ولا يتوسمون بمعطيات العام القادم خيراً، لأنّ الأسباب لم تعالج ولن تختفي لوحدها.
لكن برأيي يوجد الكثير من المعطيات التي ستملأ جزءاً مهماً من كؤوس حياتنا، وأهمها ثقافة حبّ التعلم، وأخذ العبر من التاريخ والأيام من شعب محب للحياة، قادر على العطاء والإبداع.
هناك بعض البوادر التي ظهرت خلال العام الحالي شجعتني على رأيي، أولها انخفاض حدة أزمة النقل في العاصمة على الأقل، ما يدلل على أنّ الحلول موجودة ومتاحة أمامنا منذ زمن، وكان ينقصها بذل الجهود بشكل منظم.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي ظهرت أزمة البصل والثوم وارتفعت الأسعار بشكل كبير، ما شكّل صدمة للمواطنين عبر موجة غضب وتنمر وشكوى، لكن الآن سعر كيلو البصل بقي في حدود أسعار موسمه ولم يرتفع، وسعر الثوم يتجاوز الخمسين ألف ليرة، ورغم ذلك لم ترتفع الأصوات مقارنة بالعام الماضي، السبب الذي يقف وراء ذلك ليس الجهود المبذولة من قِبل الجهات الحكومية المعنية بهذا الأمر، ولا لهبوط الرحمة في قلوب التجار، وإنّما بسبب عودة المواطن إلى ما تعلّمه من أهله وأجداده بضرورة تموين كل شيء في موسمه، وعدم المخاطرة بأي توفير لفرصة متاحة من أجل تخزين المواد الغذائية كما ورثناها وتعلمناها.
سعر كيلو البندورة الآن قد يرتفع إلى مستويات كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وعلى رأسها الأسمدة، لكن أتوقع ألّا يشكّل ذلك مشكلة كبيرة لعائلاتنا، التي استغلت الانخفاض الكبير في أسعارها خلال فصل الصيف، وقامت بعصرها أو تجفيفها أو تفريزها.
وهناك الكثير من المواد التي تضاعفت أسعارها هذه الأيام، لكن المواطن تأقلم وسلّم بعدم “النق” وتمني مواد لا تنتج في موسمها، طالما توجد بدائل شتوية يمكنها أن تغنيه عن خضار منتجة في بيوت محمية بلا أي طعم أو فائدة صحية..
تبقى مشكلة اللحوم بأنواعها والبيض والتي ترتفع بشكل مستمر بسبب اختلال معادلة العرض والطلب، والاعتماد على استيراد نسبة كبيرة من احتياجات الثروة الحيوانية وتالياً ارتفاع التكاليف ومن ثم الأسعار، إلا أنه خلال الأشهر الماضية ظهرت بوادر فرج قد تظهر لاحقاً، منها ما هو تشريعي يؤمن مناخاً مناسباُ للعمل وزيادة الإنتاج، وآخرها القانون الذي يجيز تأسيس شركات مساهمة مغفلة مشتركة في القطاع الزراعي، وقبله قانون يعفي استيراد الأبقار لأغراض التربية من الرسوم والضرائب، ومنها ما هو إجرائي كتأمين المجففات اللازمة لزيادة القدرة على تخزين موسم الذرة العلفية..
هناك أمثلة كثيرة عن تطور قدراتنا كمواطنين للتكيف مع أشد الظروف وتحويل المحن إلى فرص لا يتسع المجال لذكرها هنا، تدفع إلى التفاؤل بأننا قد تجاوزنا المراحل الأصعب وتعلّمنا منها، ما يعطينا مناعة ضد مخاطر المستقبل، والابتعاد عن الأحلام وانتظار المساعدة حتى من أقرب المقربين، ومما سبق نتوقع الأفضل مستقبلاً..
وكل عام وأنتم بخير