في حوار سابق مع المؤلف الموسيقي نوري اسكندر .. الذي رحل عن دنيانا أمس: التراث الموسيقي ليس مُنَزَّلاً وأجواؤنا الموسيقية رخوة
تشرين- بسام لولو:
حاول المؤلف الموسيقي السوري نوري اسكندر، في أعماله، أن يتجاوز عيوب أغانينا وموسيقانا السائدة، فهي – في رأيه – أضرت بمجتمعاتنا، ولم تستثمر طاقاتها كما يجب، ولم تتحاور مع عطاءات الموسيقا العالمية.. هذا إلى جانب أن أغلب محاولات النهضة بها كانت وقتية وفردية وخجولة.
محاولات الإسعاف في بلادنا لا تصل إلا متأخرة
هنا حوار خاطف مع الموسيقي نوري اسكندر، في محاولة للتعرف إليه وإلى آرائه في عدد من قضايا موسيقانا الراهنة:
توصيف الحال
* الموسيقا من ألصق الفنون بالإنسان، وأسرعها تأثيراً وقدرة على نقله إلى عوالم أخرى، فأين كرّست موسيقانا سلبياتنا، وأين حاولت أن تنهض بنا؟
** في توصيف سريع لحال موسيقانا نجد – في أغلب الأحوال- أن إنساننا العربي راح يجمّد المذهب الجمالي الطربي، فاستسلم له، وارتضى بالعيش في أجواء موسيقية رخوة ومهلهلة، الأمر الذي أضر به وبالمجتمع كثيراً.. وقد كرّس هذا الواقع أغلب الفنانين، عندما اكتفوا بالاتكاء على هذا المجد الطربي، ولم يتواصلوا مع نتاجات الموسيقا اللازمة للتجديد ولانتشال إنساننا من هذا الواقع.
أغلب طفراتنا الإبداعية وقتية وفردية ومتباعدة
وإضافة إلى هذا وذاك، فإنّ الجهات الرسمية لم تشجع على خلق مناخات إبداعية موسيقية، فكانت أغلب طفراتنا ومنعطفاتنا الإبداعية وقتية وفردية.
منعطفات الطريق
* لنقف معك عند هذه الاستثناءات والمنعطفات…؟
** في بعض مراحل النضال العربي، استطاع بعض الفنانين أن يخرجوا على البوتقة التقليدية الطربية، وعبّروا بإيجابية عن حالات لصيقة بإنساننا العربي، في عدد من الأناشيد الوطنية، فاستطاعوا- مثلاً – أن يجعلوا من (مقام الصبا) مقاماً محارباً ومقارعاً، وهو المعروف بأنه رخو وحزين، فدللوا بذلك على طاقات المقامات التي لم تستثمر، والتي يمكنها أن تخلق عوالم جديدة ورائعة.
ولكن أغلب محاولات التجديد ظلت متفارقة ومتباعدة، لم يتح لها التواصل والعمل الجماعي وتبادل الإمكانات، فكانت في أغلب الأحوال هادئة تنقصها الجرأة والديناميكية.. ما عدا الشجاع والمعبّر الرائع زياد الرحباني.
* أين أنت من هذا الوسط الموسيقي؟
** أنا لست مع الأفكار المسبقة في المقام، فالتراث ليس مُنَزَّلاً، لذلك رحت أعالج المقام بتفكيكه و إعادة تركيبه، في محاولات لاكتشاف أسراره وطاقاته الكامنة، والتعبير ضمنه بالاستفادة من عطاءات الموسيقا العالمية، في أعمالي التي يبلغ عمرها ثلاثين سنة، والتي يحتاج تنفيذها بأوركسترا راقية إلى تكلفة عالية، فلم يتح لهذه الأعمال من يتبنى تنفيذها إلا أخيراً.. وأنا بصدد تحضيرها لذلك.. هكذا هي الحال.. دائماً لا تصل محاولات الإسعاف والإنقاذ إلا متأخرة.
موسيقا حلب
* أنت ابن حلب التي شهدت وتشهد حراكاً موسيقياً لافتاً، فهل بالإمكان توصيف هذا الحراك واتجاهاته؟
** حلب لم تسيطر عليها الحياة الاستهلاكية بقوة، فمازالت تتيح لفنانيها العمل بتمهّل وجودة عالية، لكنها لا تستطيع أن تصنع منهم نجوماً، فالنجومية تحتاج إلى أمور أخرى متعلقة بالتسويق وغيره.
وهي، أي حلب، غنية جداً بالأصوات الجميلة والمتمكنة من المقامات، والتي تندرج في إطار المدرسة التراثية التقليدية، ما ميزها عن أساليب الغناء الدارجة هذه الأيام في الوطن العربي.
ولكن على الرغم من هذا الغنى، فقد كانت حلب في كثير من الأحيان مقبرة للفنانين، إذ لم تتح لهم إبراز قدراتهم وعطاءاتهم، الأمر الذي أدى ببعضهم إلى السفر والعيش خارجها في دمشق أو بيروت أو القاهرة، في حين راح أغلب من بقي فيها يطارد لقمة عيشه في ملاهيها وحفلات أفراحها.
أما على صعيد المحاولات الموسيقية الجادة والمجددة واللافتة، فقد شهدت حلب قبل أكثر من ثلاثين عاماً بعض المظاهر الموسيقية التي تدعو إلى التفاؤل، لكن هذه المظاهر تراخت ولم تتابع المسير، ولم تصر على قرع الأبواب، ولم يبقَ منها حالياً إلا بعض الاجتهادات الفردية التي راحت تعمل على تطوير المفهوم التراثي بحسب فهمها للمقام مثل بيرج قسيس وفواز باقر.
في المقامات والموسيقا الشعبية إمكانات لم تُستثمر
* أليس غريباً أن تصر هذه المدينة على الغناء التراثي، وألا تعمل على حفظ تراثها الموسيقي في الوقت نفسه؟
** كما قلت سابقاً، فنانو حلب إما أنهم يعيشون خارجها، وإما أنهم يبحثون عن لقمتهم داخلها، والجهات الرسمية فيها لم تعطِ لهذا الأمر الأهمية التي يستحقها، فمن سيفكر في جمع تراث الموسيقا الدينية الإسلامية ليصدره في كتاب عن وزارة الثقافة السورية، في حين جمعت تراث الموسيقا السريانية وأصدرته في كتابين، طبعهما مطران حلب إبراهيم يوحنا.
زياد الرحباني شجاع ومعبّر رائع
لكن يجب التنويه إلى أن هذه المحاولات بطيئة، لم تستطع أن تطول موسيقا بعض الطوائف الدينية، وعطاءات الموسيقا الشعبية ذات الإمكانات التعبيرية الهائلة!.
شيءٌ من السيرة
هو واحدٌ من أهم المؤلفين السوريين الذين جمعوا التراث الموسيقي السوري ووثقه إصافةً إلى التجديد في الموسيقا السورية.. نوري اسكندر (١٩٣٨ – ٢٠٢٣) الذي رحل عن دنيانا أمس ولد في دير الزور لعائلة رهاوية نزحت من مدينة الرها ( أورفة حالياً ) وهي المحتلة من قبل التركي الغاشم مثلها مثل الكثير من مناطق سورية بعد مذابح سيفو التي أقامها بنو عثمان للسريان ولغيرهم من القوميات..
تنقل أهله بين عين عرب وتل أبيض.. عاش في دير الزور أربع سنوات واستقر بعدها مع عائلته في حلب في حي السريان.. بداياته كانت مع الفرقة الكشفية السريانية الأرثوذكسية في حلب(كنيسة بني تغلب وكنيسة الغسانيه في حي السريان) كعازف ترومبيت.. درس آلة الكمان لمدة سنة واحدة.. حاصل على ليسانس من المعهد العالي للتربية الموسيقية في القاهرة سنة 1964م . قام بالتدريس في مدارس حلب بتكليف من وزارة التربية والتعليم في المدارس الإعدادية ومنهم مدرستا: الإنجيلية الوطنية بالإضافة إلى دار المعلمين حتى عام 1989م.. شغل منصب مدير المعهد العربي للموسيقا في حلب بين عام 1994 ولغاية 2003
أعماله كثيرة جداً ومنها :
ــ 1965 أسس كورال السرياني في حلب
ــ 1970 أسس فرقة شاميرام في بيروت
ــ 1974 قدم في بيروت حفلة اليونيسكو شارك فيها الفنان اللبناني الكبير وديع الصافي قدمت فيها أغاني شعبية سريانية .
ــ 1986- 1989 تجارب الثلاثي الوتري
ــ كونشرتو لآلة العود مع أوركستراالحجرة
ــ كونشرتو لآلة التشيللو (Cello) مع أوركسترا الحجرة.
ــ تأليف وتلحين قصيدة خطامة للكورال وأوركسترا الحجرة للشاعر حسين حمزة .
ــ 1986 كنز الألحان بيث كازو :(بالسريانية:ܒܝܬ ܓܙܐ) حيث جمع الألحان السريانية من مدرسة الرها ومدرسة دير الزعفران ضمن كتابين ، وقام بكتابتها وفق نظام الكتابة الموسيقية الحديثة “التنويط”.
ــ 1989 مجموعة حفلات في السويد .
ــ 1989- 1990 أسس في السويد الكورال السرياني وتم تسجيل أغانٍ سريانية.
ــ 1995 حوار المحبة
ــ 1995 قدم في العديد من العواصم الأوروبية (باريس ، بروكسل ، جنيف) مع فرقته الكورال السرياني قوقويه (ܩܘܩܝܐ)
ــ 2002 تأليف موسيقى للمسرحية اليونانية “باخوسيات”، لمؤلفها اليوناني يوريبيدس عام 400 سنة قبل الميلاد . وتم تقديم هذه المسرحية الغنائية بالاشتراك مع الفرقة المسرحية الهولندية Z. T. Hollandia ، في مهرجانات صيف عام 2002 في بروكسل ، فيينا ، كوبن هايکن ، أثينا ، وأمستردام . ولاقت استحساناً حيث قام بإدخال لألحان سريانية (الحاشو) (ܚܐܫܐ) وبعض من مؤلفاته .
ــ 2003 تأليف الآهات .
ــ 2007 تأليف “يا واهب الحب” مدخل إلى الصوفية
ــ 2008 حفلتان في دار الأوبرا في دمشق بمناسبة احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية قدم فيها مؤلفاتهِ.
ــ تأليفه الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية.