الثقافة بخطا ثقيلة ما بين مراكزنا الثقافية.. وتربُصات المواقع الإلكترونية
دمشق- شذا خضر:
ربما ليس من اللياقة أن نتساءل عن وقع خطواتنا الثقافية على طريق حياة نعاني فيها ما نعانيه، لكن وكنوع من التربيت على ذاكرة كانت تعجُ يوماً بالكثير من الإنجازات الثقافية، وبدلاً من احتضان الذكريات يجدر بنا أن نمضي بها قُدماً ولو على استحياء، هذا ما فطنت إليه شريحة كبيرة من محبي الأدب ورواد الثقافة، فلجؤوا لفضاء الإنترنت الواسع ليجدوا فيه مركزاً لمناقشة اهتماماتهم الثقافية من كتب وروايات محددين التاريخ والتوقيت والموضوع، بعيداً عن أبنية كبيرة أرخت بثقلها على الأرض.
لا تُغني لكن تُضيف
يُقر عدد كبير من مرتادي هذه المواقع الثقافية على “السوشيال ميديا” بأنها لا تغني عن المراكز الحقيقية، لكنها تمثل فرصة جيدة لمناقشة الأفكار والاهتمامات، وما يميزها هو أنها تُتيح لجمهور واسع ومتنوع إمكانية المشاركة والتفاعل متخطية حواجز الجغرافيا والمكان، كما أنها تكسر حاجز الخجل والرهبة لدى البعض، فمن وراء شاشتك الصغيرة بمقدورك أن تُبدي رأيك أياً كان، فالمناقشة فيها عبارة عن مجموعة آراء تصل للكاتب أو من يعرض الفكرة، تباعاً ليبادر بدوره بالرد عليها.
حسن: المراكز الثقافية نشطة وفعّالة وتستقطب جمهوراً واسعاً من فئة الشباب، ولديها برنامج متكامل
أما سلبياتها فتتمثل بأنها تفتقد نمط الحوار التقليدي من أخذ و ردٍّ، كذلك لا يمكنك الوصول لرد فعل المتلقي لغياب اللقاء الفعلي بين المجتمعين، أضف إليه أن هذه المناقشات تبقى معرضة لتدخل أفكار سلبية ومسيئة للحاضرين من قبل حسابات وهمية أو مجهولة، وفي هذه الحال تخرج الأمور عن السيطرة
نشطة وفعالة
مديرة المراكز الثقافية في وزارة الثقافة غروب حسن طمأنت أن المراكز الثقافية نشطة وفعالة وتستقطب جمهوراً واسعاً من فئة الشباب، ولديها برنامج متكامل لتعزيز البناء الفكري للطفل والهوية الوطنية لكونه الأساس الذي يرتكز إليه المستقبل، فالإستراتيجية الموضوعة هي عمل تشاركي مع اتحاد شبيبة الثورة ومنظمة طلائع البعث ووزارات وجمعيات غير حكومية وفرق تطوعية لدعم الإبداع بكل أشكاله، فمهمة المراكز الثقافية لا تقتصر على المحاضرات والأمسيات وعرض الأفلام، إنما عرض الثقافة الشعبية، كورشات الخياطة والأشغال اليدوية ودورات الحاسوب، وفي هذا السياق تنوه بأن المديرية افتتحت مركزاً ثقافياً في منطقة برزة مطلع الشهر الحالي.
لا صلاحيات إلكترونية
تُعزي “غروب حسن” التفات البعض لثقافة الإنترنت إلى محاولة الهروب من النمطية التي قد تتصف بها بعض المحاضرات، لكن هذه المشكلة محلولة بمجرد توافر عوامل مساعدة، كوجود شاشة عرض وتأمين الكهرباء والمحروقات، مع اختلاف الإمكانات بين مركز وآخر.
أيضاً مواقع التواصل الاجتماعي لا تتطلب منهم قطع المسافات الطويلة وبالتالي تحرر من مشكلة صعوبة المواصلات المعيشة.
وبالنسبة لرقابة المناقشات الإلكترونية تبين أنه لا صلاحيات رقابية للوزارة على نوع كهذا من المناقشات، لكونها خارج نطاق عملها، وتجدها لا تغني عن المراكز الواقعية بالأخص عند التعرض لأفكار ومناقشات سلبية لا تتناسب مع الأعراف والتقاليد السائدة، حينها لن نكون قادرين على الاعتراض فنحن أمام حاجز أصم.
مواكبة تحديات
توضح مديرة المراكز الثقافية أنه وعد عملية الدمج مع مديرية التخطيط والتعاون الدولي الذي جرى منذ عامين وفيه تحولت من مديرية مستقلة إلى دائرة ضمنها، علماً أنها عصب الثقافة الفاعل المترافق مع نشأة الوزارة، ومع هذا عادت هذه المراكز مع بداية الشهر الخامس لهذا العام بهيكلية جديدة بعد إضافة دائرة ثالثة إليها لتشمل كلاً من دائرة البرامج الثقافية والمكتبات ودائرة معاهد الثقافة الشعبية ودائرة الأنشطة الثقافية غير الحكومية، لتواكب التحديات الكبيرة لعصر التكنولوجيا وما يفرضه علينا من متغيرات.
مراقب ثقافي: الثقافة العربية بصورة عامة متعبة حتى وإن ظهرت بصورة براقة لدى بعض البلدان المرفهة.. لكن جوهرها الذاتي يعاني عملية تجهيل
تجربة غير ناجعة
تشير “حسن” إلى أن الوزارة استخدمت الإنترنت لمتابعة نشاطاتها الثقافية خلال أزمة “الكورونا” ولكن بحذر وتلك التجربة كانت بمثابة سبر لمعرفة مدى تفاعل المحيط معها، إلّا أنها وجدتها غير ناجعة، فالأفراد فيما يخص موضوع الثقافة يفضلون كل ما هو حسي بصورة تفاعلية، والمعارض لا تجذبهم إن لم تكن مباشرة كمشاهدة اللوحات والمجسمات المنحوتة، أما مجرد صور على الشاشة فهي لا تلبي اهتماماتهم.
ظل الأزمات
ترى أنه من الطبيعي أن يتأثر المستوى الثقافي للأفراد بعد الحرب التي تعرضنا لها وما خلفته من أزمات خاصة الاقتصادية منها، فمن بين ٥٥٨ مركزاً يمثل وزارة الثقافية في سورية مقسمة إلى قصور ثقافية ومراكز ثقافية ومحطات ونوافذ ثقافية تعرّض لما يقارب النصف ٥٠٪ منها للتدمير، خارجاً من الخدمة أو أنه بحاجة لإعادة تأهيل وعدة تجهيزات.
لا صلاحيات رقابية لوزارة الثقافة على المناقشات الإلكترونية
وبالرغم من هذا فإننا مازلنا نحافظ على اهتمامنا بالثقافة ونسعى لتفعيلها بكل الوسائل، كمراكز محافظتي الحسكة والقامشلي اللذين رغم الظروف الصعبة لا يزالان يقدمان خدمات ونشاطات ثقافية تحاكي اهتمامات المجتمع القائم، والعاملون في المراكز الثقافية بصورة عامة لا يوفرون أي جهد، فشهرياً تدرس الخطة الثقافية وفق إستراتيجية عمل الوزارة بشكل دقيق لإعداد الإحصاءات ومؤشرات الأداء والتطور البياني لعمل المراكز، إضافة للاستبيانات المستمرة لسبر اهتمامات زوار المراكز والتركيز على نقاط القوة فيها، وكشف الثغرات لمعالجة نقاط الضعف.
عزلة ثقافية
نتفاجأ عندما نرى الشرود بادياً على بعض الوجوه بمجرد استفسارنا عن رأيه المتواضع بالمستوى الثقافي السائد حالياً، وكأنه ينبغي أن نذكره بمصدر الكلمة
أما أماكن المراكز الثقافية فلن تفوته فهو يعتمد عليها كعلامات استدلال طرقية ” يمين المركز، على بعد مسافة كذا” وكأن الثقافة باتت مُخصصات ثمينة يحظى بها من سعى لها شغفاً، أو من مهدت الرفاهية له الطريق.
غياب نقدي
يرى مراقب ثقافي أن الثقافة العربية بصورة عامة مُتعبة حتى وإن ظهرت بصورة براقة لدى بعض البلدان المُرفهة، لكن جوهرها الذاتي يعاني عملية تجهيل من قبل أفراد يعتقدها العامة مُثقفة، في ظل اختفاء الدور النقدي وسلطته التقويمية، ما أدى لخلط الصفوة المثقفة مع أنماط لا تمتلك مقومات الثقافة وإحلالهم محلها، فالنقد البناء برأيه هو المحرك الأساس لروح الثقافة.
ضيافة إلكترونية
وبما أن القراءة عمل غير حسي في زمن بتنا نتخوف فيه من كل ما هو محسوس، استغلت المساحات الافتراضية هذا التخوف داعمةً إياه بتقليص الوقت والجهد والمسافة التي تتطلبها المراكز الثقافية، لتقدم نفسها كراعٍ معرفي يتمتع بقدرة فتح الباب الثقافي على مصراعيه، بابتسامة مجهولة مرحباً بظلنا الثقافي والاجتماعي، لنتكىء على آراء ومعتقدات يُبهرنا تنوعها وجرأتها، من دون أن نمعن النظر في وجوه جُلاسنا “فالبروفايل” الخاص بكل منهم ينوب عن الملامح المُتخيلة، لتمضي الساعات في مناقشات واعتقادات لا يهيمن عليها رقيب أو حسيب.