طرد “إسرائيل” من البحر الأحمر تَضامُناً مع أهلنا في غزة؟.. والقوى الكبرى تحول الملاحة إلى أداة لتوسيع دائرة النفوذ

تشرين – يسرى المصري:
في الوقتِ الذي يُحقّق فيه الأشقّاء اليمنيّون ضغطاً كبيراً وحصاراً اقتصادياً باعتِراض السّفن الإسرائيليّة أو تِلك الدوليّة المُحمّلة ببضائع إلى موانئ فِلسطين المُحتلّة مُروراً بباب المندب والبحر الأحمر دعماً للمُقاومة وحاضنتها الشعبيّة التي تتصدّى لحرب الإبادة في قِطاع غزة في محاولة للضغط على (إسرائيل) لإدخال بعض المساعدات إلى غزة من وقود وطعام وأدوية ..
وتؤدي الحرب التي تشنها (إسرائيل) على غزة إلى تقويض الاستقرار في البحر الأحمر، الأمر الذي يخلق تعقيدات للمصالح الجيوستراتيجية للجهات الفاعلة الإقليمية المتنافسة. وقد تزايدت الاشتباكات التي تضمنت سفناً عسكرية وتجارية في البحر الأحمر منذ بدء الحرب على غزة في تشرين الأول. امتد الصراع في غزة إلى البحر الأحمر.وقالت المقاومة اليمنية إنها ستستهدف جميع السفن في البحر الأحمر المتجهة إلى (إسرائيل)، بغض النظر عن جنسيتها، “إذا لم تحصل غزة على الغذاء والأدوية التي تحتاجها”، وأطلقت منذ ذلك الحين صاروخاً على ناقلة ترفع العلم النرويجي.

وتشكل هذه التطورات ضغطاً على الملاحة في واحد من أكثر الممرات البحرية ازدحاماً واستراتيجيةً في العالم، والذي يمر عبره 40 % من تجارة أوروبا مع آسيا والشرق الأوسط. وبعيداً عن النتائج السلبية على اقتصاد (اسرائيل) تسلط الهجمات الضوء على المحاولات المتزايدة للدول الكبرى لبسط سيطرتها المتزايدة على البحر الأحمر، الذي أصبح نقطة ساخنة للمنافسة الجيوسياسية. ما يستدعي المعالجة بشكل شامل الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في منطقة البحر الأحمر من خلال إيجاد حلول مستدامة للصراعات في المنطقة – من الحرب المستمرة في غزة إلى الصراع طويل الأمد في اليمن وتدهور الوضع في السودان وإثيوبيا.
البحر الأحمر (من باب المندب إلى قناة السويس)
يعد البحر الأحمر، باتصاله بقناة السويس، أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم، ويوفر بديلاً للطريق حول رأس الرجاء الصالح. هذه قناةٌ أساسية وضرورية للحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي في العديد من البلدان. يتمتع البحر الأحمر بأهمية استراتيجية كبيرة، حيث يقع بين قارتيّ آسيا وإفريقيا، ويفصل بين الشرق الأوسط والشرق الأقصى وكذلك بين أوروبا وآسيا.

ويُعَد الموقع الجيوسياسي للبحر الأحمر مهماً لأنه حدود طبيعية بين الساحل الشرقي لإفريقيا والساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية وطريق حيوي لنقل النفط غير المستخدم لأغراض عسكرية عبر باب المندب جنوباً إلى قناة السويس في الشمال. ومادام ظل النفط مصدر الطاقة الرئيسي للعالم، فإن هذا الممر الملاحي سيظل قناة حيوية لنقله من الخليج.
أهمية اقتصادية متزايدة
يتمتع البحر الأحمر بأهمية اقتصادية متزايدة نتيجة لاحتياطيات النفط الكبيرة في جميع أنحاء المنطقة وموارد المعادن الثمينة. لقد اكتُشِفَت كميات هائلة من الزنك والنحاس والفضة والذهب وعناصر مثل الكادميوم والكوبالت والهيدروكربونات في الأعماق المعزولة للبحر الأحمر.

ويُعَد البحر الأحمر مركز العالم العربي على المستويين الوطني والجغرافي. تستخدم الدول العربية البحر الأحمر كأداة لممارسة نفوذها والضغط على اللاعبين الإقليميين الآخرين. وهو طريق تجاري رئيسي لدولها الساحلية وخاصة السودان وإثيوبيا والأردن وفلسطين المحتلة، وهو كذلك المنفذ البحري الرئيسي والوحيد للأردن وجيبوتي والسودان، ونظراً لأن البحر الأحمر هو طريق التصدير الرئيسي للنفط العربي، فهو أيضاً ذو أهمية كبيرة لاقتصاداتها حيث يمثل من 93% إلى 100% من إجمالي صادرات بعض الدول العربية.
تصاعد الصراع ومزيد من المنافسة

من قناة السويس التي تربطه بالبحر الأبيض المتوسط، إلى مضيق باب المندب الذي يربطه بالمحيط الهندي، يُعَد البحر الأحمر شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي. ما يزيد على 10% من البضائع المنقولة بحراً تبحر عبر مياهه كل عام، بما في ذلك أغلبية التجارة الآسيوية مع أوروبا.
يحظى البحر الأحمر، وهو قناة رئيسية للتجارة العالمية منذ عام 1869 عندما بدأت قناة السويس في العمل، أيضاً باهتمام متزايد من القوى الإقليمية والعالمية، مع دوره المتنامي كحلقة وصل مهمة في مبادرة الحزام والطريق الصينية في القلب من المنافسة الجيوسياسية في النصف الشرقي من الكرة الأرضية خلال العقد الماضي. وبالنسبة لأي قوة بحرية تطمح إلى الوصول إلى منطقة عبر المحيطات، يشكِّل البحر الأحمر نقطة تفتيش بالغة الأهمية، وليس من قبيل المصادفة أن تختار الصين إنشاء أول منشأة بحرية لها في الخارج في جيبوتي. وعلى هذا النحو، من جيبوتي عبر البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، هناك توسع في الاستثمار في البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق إلى جانب الوجود الصيني، مع وجود قوى أخرى أكثر نشاطاً أيضاً.
على المستوى الاستراتيجي، كُشِفَ مؤخراً في (إسرائيل) عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا في أيلول الماضي، كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو يتجاوز البحر الأحمر تماماً. هذا الممر الاقتصادي، الذي يتألف من جناح شرقي يربط الهند بشبه الجزيرة العربية وجناح شمالي من هناك يرتبط بأوروبا، هو مناورة جيوسياسية كبرى تربط بعض الدول الإقليمية بعيداً عن مبادرة الحزام والطريق.
مستقبل البحر الأحمر

إن الحرب التي تشنها (إسرائيل) على غزة تمثل تحدياً جيوسياسياً للجنة الدولية لتحليل الصادرات. ومن دون انتهاء الحرب، سيكون الاتصال الإقليمي موضع شك، وينبغي أن يكون للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة خيار المشاركة في المشروع بدلاً من استبعادهم.
وتثير التصريحات المقاومة اليمنية مخاوف بشأن الاضطرابات المحتملة في طريق تجاري عالمي حيوي، يمر عبره حوالي 14% من التجارة العالمية، وخاصة المواد الهيدروكربونية. ويُعَد البحر الأحمر أيضاً أحد الممرات التجارية الأكثر خضوعاً للحراسة في العالم؛ حيث إن هناك وجوداً عسكرياً في جيبوتي للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والصين واليابان والمملكة السعودية، ولا تبعد جيبوتي سوى 30 كيلومتراً عن جنوب اليمن.
ولا يُعَد البحر الأحمر مجرد شريان حياة اقتصادي، بل إنه يلعب دوراً أساسياً في تسهيل التجارة، ودعم تطوير البنية التحتية، وتوفير الفرص التي يدعمها النمو في منطقة شرق إفريقيا. إنه طريق تجاري مهم يربط شرق إفريقيا بالشرق الأوسط وأوروبا وآسيا. وهو بمنزلة بوابة بحرية رئيسية للشحن والتجارة. وتستفيد دول شرق إفريقيا مثل السودان وإريتريا وجيبوتي والصومال من قربها من هذا الممر التجاري العالمي الرئيسي.
التنافس على النفوذ والسيطرة
أصبح البحر الأحمر نقطة خلاف محورية حيث تستمر دول المنطقة في التنافس على النفوذ والسيطرة على هذا الممر المائي الحيوي.
التحدي الأبرز
إن التحدي الأبرز أمام العالم الآن وهو يحتفي باليوم العالمي للملاحة أن يشدد على ضرورة الالتزام ببنود اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 التي تضمن استخدام البحار والمحيطات والممرات المائية استخداماً سلمياً ومنع أي توظيف سياسي لها لتعزيز نفوذ وسلطة قوى بعينها على حساب المصالح البشرية.
ويبدو أن الواقع الجديد للشحن البحري في باب المندب يفاقم الأزمة الاقتصادية، ويكبد (إسرائيل) خسائر إضافية إلى جانب خسائرها من جراء الحرب على غزة، حيث يشكل إغلاق باب المندب في وجه السفن المتجهة إلى (إسرائيل) ضربة استراتيجية للتعاملات التجارية، إذ إن بدائل الشحن البحري مكلفة للغاية، ولا يمكن للاقتصاد الإسرائيلي تحملها على المدى البعيد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا