موسم العرافة والكآبة
دمشق- رغد أحمد:
رنت أجراس الميلاد في وطني، الذي يتهيأ من رحم المعاناة لميلادٍ جديد..
ها نحن ننهي عاماً ونتهيأ لاستقبال عام جديد، عساه يكون الخلاص والميلاد لوطن السلام ونهاية المأساة والسنين العجاف التي عانيناها طويلاً.. عساه صبراً جميلاً كصبر نبي الله يعقوب ورحمة من عنده تُنهي صبرنا بميلاد مجيد..
بدأت معظم دول العالم تستعد لاستقبال العام الجديد بأجراس الكنائس وأشجار الميلاد.. ميلاد سيدنا المسيح رسول المحبة والسلام.
بدايةٌ جديدة .. إشراقةُ شمس عامٍ جديد.. لعلهُ مفتاح سنوات الفرج الذي يأتي بعد طول صبر، هذا ما يرشدنا إليه إيماننا وديننا المقدس على اختلاف طوائفنا وتعدد قومياتنا.. إلا أنه، وعلى ما يبدو، للسوريين رأيٌ آخر، هذه الفترة بالنسبة لهم حافلةٌ بالترقب والبحث عن علماء الفلك والأبراج الذين سيتم عرضهم على مختلف المحطات، وعن المحطة التي ستعرض عرّافهم المفضل الذي تنبأ لهم بحدثٍ من الأحداث البدهية في حياتهم في سنةٍ من أربعين سنة عاشوها أو خمسين أو ستين، فأصبحوا من أشد المتابعين والمتتبعين لتنبؤاته التي “لا تخطئ” على حدِّ تعبيرهم.
مع إنه، كذب المنجّمون ولو صدقوا، ومع إن تركيبة مجتمعنا يغلب عليها اليوم المتعلمون والمثقفون والعقول التي تدرك كمية الخيال والأوهام في تلك التنبؤات، إلا إننا مع نهاية كل عام نشهد المشاهد نفسها، يذكرني هذا بلوحة فنية من بقعة ضوء للفنان القدير ياسر العظمة تحت عنوان “بحكم العادة” تتناول قصة سارق يسرق الأشياء علناً ثم يعتذر من المسروق ويقول له عذراً بحكم العادة..
نعم؛ مجتمعنا السوري يقوم بعشرات التصرفات وهو يعلم أنها خاطئة ولكن بحكم العادة.. هذه الظاهرة لا تمت للعلم ولا للدين بصلة فزمن سيدنا يوسف انتهى وعلم الغيب وحده الله من يعلم به.. فترى شعباً يعاني الجوع والفقر وتدني الخدمات ورداءة المعيشة جُلّ تحضيراته للعام الجديد أن يستطيع القفز مع عرافهِ المُفضّل من قناةٍ إلى أخرى وأن يستمع لكل حرفٍ يتلفظ به وكأنه القشة التي ستنجيه من طوفان نوح أو من ظلمات إلى نور، في حين وفي أماكن أخرى ليست ببعيدة عنّا وليست بقدرٍ مختلفٍ من الموارد المادية والبشرية، يتحضرون لاستقبال عامهم الجديد كما رسموه لأنفسهم كما خططوا له، بكمٍ هائلٍ من التكاسي الطائرة والروبوتات (الإعلاميين مدبرات المنازل ولاعبي كرة القدم ورواد الفضاء وغيرها)، وابتكارات مذهلة في الطب والهندسة والبناء والفن وكل مجالات الحياة يقررون إلى أي مدى سينعمون بمقدرات عقولهم وبما منّه عليهم الخالق من علم، ونحن مازلنا بما نحن فيه من تردٍ في كل شيء نعيش على حافة الهاوية، حصاراً وخنقاً، وننتظر عرافاً أبله ليخبرننا في عامنا الجديد بأي شكل سنموت.. ونحن ميتون بجهلنا وأفكارنا وحتى قلوبنا ماتت منذ لم تعد تنبض لخالقها..