تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول.. هل ينعش المشاريع الصغيرة ويتجاوز أعباء المصارف والفوائد..؟
تشرين: يسرى المصري:
من يقول إن الأزمات رغم تحدياتها لا تفتح الفرص الجديدة .. بدأت الفكرة بخجل من تحويل الأموال الصغيرة عبر الهاتف المحمول بشكل مباشر لتسديد المدفوعات وبدأت القصة تنتشر بسرعة نتيجة سهولتها وسرعتها ..وبذلك لم تعد المسافات البعيدة حائلاً للبيع والشراء والتسويق بين الشرائح المتوسطة والهشة وتلك التي لا تملك حسابات مصرفية
التجربة مازالت في بداياتها لكن إذا ابتعدنا أكثر نحو القارة السمراء سنجد أن هذه التجارب وصلت إلى أوجهها وبرهنت على جدوى وفاعلية كبيرة .
وقد نجد دولاً تعاني من الأزمات والويلات وعلى سبيل المثال فإن الحروب الداخلية المشتعلة في إثيوبيا لم تمنع أكبر شركات الاتصالات من أن تقتحم السوق وتقدم خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، لاشك أن عدد سكان إثيوبيا الذي يزيد على 120 مليون نسمة كان بمنزلة إغراء كبير لأي شركة راغبة في تقديم الخدمات الرقمية المصرفية، لكن الأهم هو الإقبال المتزايد من قبل الإثيوبيين على هذا النوع من الخدمات المالية لتيسير شؤون حياتهم المالية.
تغيير حياة الناس
إثيوبيا ليست استثناء في القارة السمراء، التي تشهد انتعاشاً شديداً لخدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، فقد نجحت الهواتف المحمولة في تغيير حياة الناس عبر العالم، كما أفلحت في تغيير حياة كثير من الفقراء في الدول الأكثر فقراً، خاصة في المناطق الريفية، فقد ولت أيام التعامل مع الهواتف المحمولة باعتبارها أحد مظاهر الترف لدى الأثرياء، وباتت اليوم وسيلة لتمكين الفقراء اقتصادياً في البلدان النامية وذات الدخل المحدود، حيث يغيب في معظم الأحيان الحد الأدنى من البنية التحتية الضرورية لعمل الأسواق المالية بكفاءة.
التجربة نجحت في تغيير حياة كثير من الفقراء بالدول الأكثر فقراً خاصة بالمناطق الريفية
في عالم اليوم يبلغ عدد مستخدمي الهواتف الذكية 6.92 مليارات نسمة، ما يعني أن 86 في المائة من سكان الكوكب يمتلكون هواتف ذكية، ويشير البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي إلى أن هناك 650 مليون مستخدم للهاتف المحمول في إفريقيا وهو ما يتجاوز العدد الموجود في الولايات المتحدة أو أوروبا، ومع شيوع هذه الهواتف المحمولة الذكية فإن تحويل الأموال عبر الهاتف بالسرعة ذاتها التي تنتقل بها الرسائل النصية، جعل في مقدور كثير من الأشخاص وأصحاب الأعمال الصغيرة إرسال وتسلم الأموال لتيسير حياتهم الشخصية أو أنشطتهم التجارية، ليتغلبوا بذلك على بطء التحويلات البنكية وتكلفتها المرتفعة نسبيا، خاصة أن ملايين من سكان القارة السمراء لا تتوافر لديهم إمكانية الوصول إلى حسابات التوفير أو الائتمان أو التأمين.
مازال الوقت مبكراً
تقول الـوكالات” الدكتورة دينيس لويس أستاذة الدراسات المالية في جامعة برمنجهام “إفريقيا ثاني أكبر قارات العالم والثانية أيضاً من حيث عدد السكان، مع ذلك فهي تظل متخلفة بأعوام عن بقية العالم في مجال الخدمات المالية، فنحو 57 في المائة من الأفارقة ليس لديهم حساب مصرفي، وفي نيجيريا الدولة الأكثر سكاناً في القارة تبلغ النسبة 60 في المائة، لكن الفضل يعود إلى كينيا في تحقيق نجاح ملحوظ في تقديم خدمة التحويل المالي عبر الهاتف المحمول في كثير من بلدان القارة، ومع هذا لايزال النقد يسيطر على 90 في المائة من المعاملات السائدة بين الأفارقة”.
وتستدرك قائلة “ما زال الوقت مبكراً بالنسبة إلى التكنولوجيا المالية في إفريقيا، لكن المؤشرات جيدة، وهناك إقبال متزايد من الطبقة المتوسطة على تلك الخدمة، لأنها تمثل وسيلة مريحة للدفع بل وللحصول على قرض لشراء سيارة أو منزل ومن ثم رفع مستوى المعيشة، كما أن هناك اتجاهاً واضحاً من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم لرقمنة أعمالها، وبذلك تسعى لتجاوز البنوك التقليدية للحصول على مصادر سريعة للتمويل”.
ويرى عمالقة المدفوعات المالية التقليديون من أمثال “ماستر كارد” و”فيزا” وغيرهم، أن الآفاق واعدة في القارة السمراء، وفي الآونة الأخيرة تركز اهتمامهم على مشغلي خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، في ضوء النمو الاستثنائي في التجارة الإلكترونية في إفريقيا، حيث يتوقع أن يُنفق 435 مليون مواطن إفريقي أموالاً عبر الإنترنت، وهو ما يقارب ضعف العدد قبل جائحة كورونا.
من جانبه، يلقي هولمز أدنجتون المحلل المالي، الضوء على هذا الاهتمام الدولي بهذا النوع من الخدمات المالية في إفريقيا، بالقول “في عام 2021 استثمرت (ماستر كارد) 100 مليون دولار في أعمال الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول لشركة (ايرتل إفريقيا) التي تقدر قيمة أعمالها بـ2.65 مليار دولار، وفي شهر آب الماضي وافقت شركة ماستر كارد على الاستحواذ على حصة أقلية في أعمال التكنولوجيا المالية الخاصة بمزود الاتصالات الجنوب إفريقي مجموعة MTN Group MTNOY”.
وأضاف لـ”وكالات” أنه “على الرغم من أن الشركة الإفريقية غير معروفة فإنها شركة كبيرة في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، والصفقة لم يتم الانتهاء منها بعد، لكن (ماستر كارد) قدرت أعمال الشركة الإفريقية في مجال التكنولوجيا المالية بنحو 5.2 مليارات دولار، وسط توقعات بأن تبلغ حصة (ماستر كارد) 30 في المائة”.
وتابع “تلك الصفقة جاءت في أعقاب إعلان شركة فيزا المنافسة لـ(ماستر كارد) في أواخر العام الماضي أنها ستستثمر مليار دولار في إفريقيا على مدى العوام الخمسة المقبلة، لتوسيع أعمالها في القارة وعلى وجه الخصوص نطاق الدفع الرقمي”.
وغالبا ما تكون شركات التكنولوجيا المالية الإفريقية المحلية أكثر قدرة على اكتشاف الفرص المتاحة في السوق، ويمكنها ذلك من التحرك بشكل أسرع لطرح منتجات جديدة في إطار فهمها لطبيعة التحديات التي تواجه السكان المحللين، ما يجعل التكنولوجيا المالية في القارة تتمتع بنكهة إفريقية تختلف نسبيا عما قد يوجد في المجتمعات الأكثر تقدما”.
تكلفة الوصول إلى الإنترنت
تكلفة الوصول إلى الإنترنت لاتزال مرتفعة في أغلب البلدان الإفريقية، وتشير البيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات إلى أن ما يقرب من 75 في المائة من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى الإنترنت أو استخدامه، تلك الوضعية تدفع بكثير من الشركات -في إطار سعيها للنجاح- إلى تنفيذ نماذج أعمال هجينة بعضها عبر الإنترنت والبعض الآخر خارجه، لتلبية احتياجات وقدرات العملاء.