هزاع عسّاف يا صاحبي.. لا تزال الشرفات تنتظرُ حديثاً لم يكتمل!!
تشرين- علي الرّاعي:
بالأمسِ خرج هزاع عسّاف من منزله، تماماً كما كان يفعل في سوابق الأمس من أيام، لا شيء تغير أو كان لافتاً، وإنما كما عادته مع كلِّ صباح متوجهاً إلى عمله – أمين التحرير للشؤون المحلية في صحيفة الثورة – غير أنّ الصادم في روتين الأمس؛ أنّ هزاع لم يعد إلى المنزل حيث دفء البيت والعائلة.. وإنما باتَ في مكانٍ موحش.. موحش لحد “الهول”، وبارد جداً، وكأنّ كلّ صقيع الكون تكثف في هذه المساحة “برّاد” مشفى المجتهد بدمشق..
هكذا ستكون الأيام شحيحة لحدِّ الخيبة مع الصحفي هزاع عسّاف، فبين سنة (1968) حيث الولادة في ريف اللاذقية، و(2023) في دمشق (55) من السنين، هي ما منتحه الحياة ليعيش كامل التجربة الإنسانية.. وأنا الذي تعرفتُ إلى (أبي حيدرة) منذ سنين طويلة، منذ السنة الأولى في كلية الصحافة – الإعلام لاحقاً – طالباً لطيف المعشر، سرعان ما تحولت المعرفة إلى صداقة لتزيدها فيما بعد “الجيرة” عمقاً، وتمنحها، أو تُلبسها معطف الأخوة..
عمل هزاع عسّاف محرراً صحفياً في صحيفة الثورة، فيما كان شغلي الصحفي في جريدة تشرين، وكتب في مختلف الأنواع الصحفية، من الزاوية والعمود الصحفي إلى التحقيق، وكان لافتاً شغله الصحفي ضمن “فريق” أو المشترك مع إحدى الزميلات الصحفيات، وهذا ما يندر في العمل الصحفي، كما كتب في مختلف الأنواع الصحفية، كذلك كتب في الكثير من الأقسام الصحفية ربما باستثناء الثقافة والرياضة.. ذلك أن قضايا الناس الحياتية كانت تشغله طول الوقت.. تلك الأمور في الصحافة وقضايا الناس كان لها تتمات فيما بيننا على شرفتين متقابلتين في “حي الورود” بدمشق.. يا لفخامة الاسم في حيٍّ مُدقع ياهزاع!!
وهزاع، كما عرفته صديقاً منذ أيام الجامعة، وكذلك زميلاً صحفيّاً مجتهداً نعمل في مؤسسة واحدة.. غير أن ثمة قرباً آخر، وأظنه كان الأكثر رقةً وجمالاً في علاقتي مع أبي حيدرة، وهو أننا كنا نعيش في الحي الشعبي ذاته، وكانت بيوتنا – ربما – إشفاقاً وقلة حيلة، وربما خشية الوحدة؛ كان لها أن تقاربت.. تقاربت صار ما القول عنه حديث الشرفات والنوافذ.. تقاربت حتى كادت أن نعرف ملامح الفرح أو الحزن على وجه الجار.. هنا في هذا التقارب لم نكن بحاجة لزيارة بعض في المنزل كما هي العادة بين الجيران، كان يكفي أن نجلس أنا وهزاع كلٌّ على شرفته، أو حتى على سطح المنزل لننشئ حديثاً لا ينتهي حتى آخر السهرات..
فقد كان يكفي أن ينظر أحدنا لوجه الآخر، حتى يعرف المرء صاحبه أي حالةٍ يمرُّ بها، وكانت الحركة ذاتها باليد اليمنى، بإدارتها نصف دورة، بمعنى ماذا يجري معك كسؤالٍ عن الحالتين إن كان الأمر خيبةً ومرارة – وهذه ما أكثرها – أو لحظة سعادة يمرُّ بها أحدنا، وبعد هذه الإشارة يبدأ حديث الشرفات المتقابلة..
وأنا أكتب هذا (النعي) لهزاع يكون جثمانه يُسافر من دمشق باتجاه ريف اللاذقية، في عودة أخيرة لجغرافيا كانت شاهدة على ولادته، يُسافر هزاع عسّاف تاركاً لي شرفة مقابلة انتظره ليعود لإتمام حديثٍ لم يكتمل خلال سهرة الأمس!!
في زمنٍ؛
لا قدرة للكلام على الرحيل،
تُحاولُ أقلامي
نسجَ رداءٍ ما
في بحثها الطويل
لمسك تلابيب المعاني..
و.. أنا
أحاولُ ترتيب الضوء
الهازئ بالعين..
علّني
أعيدُ الزمنَ
الهاربَ إلى الورد.
أسرة صحيفة تشرين تتقدم من زوجته وصال كحيلة، وأولاده: مايا، حيدرة، وذو الفقار بخالص العزاء، ولكلٍّ محبيه من أهلٍ وأصدقاء..