مطرقة الاقتصاد وسندان الحروب في الشرق السوري
تشرين – وائل الأمين:
يبدو أن العالم يعيش على صفيح ساخن، فأمريكا التي تعمل على إشعال الحرب بين الصين وتايوان هي ذاتها تحاول تحريك الأطراف في أذربيجان وأرمينيا، وكذلك الأمر في سورية والعراق، حيث تسعى أمريكا إلى قطع الطريق التجاري بين دمشق وبغداد.
مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تصرّ على إبقاء العالم يعيش حالة من الخوف والرعب من ويلات الحروب، هذه السياسة الأمريكية جعلت شعوب العالم تنظر إليها نظرة ازدراء، خصوصاً في سورية والعراق بعدما ظهرت عدة تقارير صحفية تفيد بنية واشنطن قطع طريق دمشق – بغداد، هذا الطريق الاستراتيجي الذي يعد شرياناً اقتصادياً مهماً لكل من سورية والعراق.
كل المؤشرات تفيد بعدم دخول المنطقة في حرب مباشرة بين أمريكا ومحور المقاومة، ولعل من أهمها وجود قواعد وجنود أمريكان في المنطقة، وهذا الوجود يضع الكثير من العراقيل أمام أي معركة قادمة خاصةً قبيل الانتخابات الأمريكية، لأن قتل أي جندي أمريكي يضع الديمقراطيين الأمريكان في ورطة لدى الشارع الأمريكي، والأمر الثاني الذي يجعل المعركة أمراً مستحيلاً هو أن سياسة أمريكا في الفترة الأخيرة هي عدم القتال بجنودها، حيث اعتمدت القتال بأجندات وعملاء كـ«داعش» و«النصرة» وبعض المجموعات المرتبطة بهما، وهذا ما يجعلني أستبعد حدوث أي معركة مباشرة في هذه الفترة.
تقول تقارير إعلامية عراقية إن المعدات العسكرية التي جلبتها أمريكا مؤخراً إلى قاعدة عين الأسد هي معدات هجومية وهذا مخالف للاتفاق بين الجيشين العراقي والأمريكي، فذلك يوحي بأن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط لشيء ما، فما هو؟
تحاول أمريكا زيادة الضغط على الشعب السوري الذي يعاني من عقوبات أحادية الجانب وغير قانونية من قبلها، ولذلك تريد قطع الشريان السوري – العراقي، ولكونها لن تقاتل بجنودها فهي تريد إعادة تجميع وتسليح المجموعات الإرهابية المرتبطة بها من «جبهة النصرة» وما يسمى «جيش سورية الحرة» هذا التنظيم الذي يضم بقايا إرهابيي «داعش»، عبر تشكيل حزام يربط الشمال السوري بقاعدة التنف، وذلك بالاتفاق مع تركيا حيث قامت الأخيرة بنقل عناصر من مجموعاتها الإرهابية في شمال سورية إلى قاعدة التنف، والهدف تشكيل طوق يزيد الخناق على السوريين، وكذلك وضع ورقة قوة في يد الاحتلال التركي في أي مفاوضات قادمة، لكن ذلك لن يحصل فالجيش السوري صدّ الكثير من الهجمات في ريف منبج من مسلحين مدعومين من تركيا في محاولة منهم لتغيير خريطة السيطرة، والضربات الجوية لهذه المجموعات الإرهابية قد أوصلت الرسالة إلى أنقرة بأنه لا يمكن إحداث أي تغيير في خريطة السيطرة، وكذلك روسيا وإيران الحليفتان لسورية لن تسمحا بتمرير مشروع أمريكا وإلا لماذا نقاتل الإرهاب منذ اثني عشر عاماً؟
كل تصريحات رئيس النظام التركي رجب أردوغان حول التقارب مع سورية هي بسبب ما يواجهه من ضغوط اقتصادية وسياسية من معارضته، حيث الاقتصاد التركي ينهار بشكل لا بأس فيه، لذلك هو يريد تصدير أزماته خارج الحدود، ولن تعطيه سورية مجالاً للتفاوض قبل انسحابه من الأراضي السورية وتقديم جدول زمني محدد لخروج قواته من شمال سورية وإلا يحاول عبثاً.
استغلال أردوغان للقتال بين العشائر العربية وميليشيا «قسد» الانفصالية كان محاولة لتنفيذ مخططه مع الأمريكي الذي وقف على الحياد في البداية محاولة منه جس النبض لدى «قسد»، وهل يمكن تنفيذ مخططه؟ ولو استطاعت قوات العشائر السيطرة على مقرات «قسد» وعناصرها في مناطق الحسكة ومنبج والرقة لكانت أمريكا أول الراقصين لسببين:
الأول: إعطاء تطمينات لأردوغان بإبعاد «قسد» عن حدوده، وهذا الحلم عند التركي لو تحقق لكان الفرحة الكبرى، وربما هذه الخطوة تم الحديث عنها عندما اجتمع بايدن مع أردوغان حول انضمام السويد وفنلندا لـ«ناتو» وتم التنازل عن «قسد» لمصلحة تركيا.
الثاني: تنفيذ مخطط بالشراكة مع أردوغان بعزل سورية عن العراق، وبالتالي لن يكون مهماً الحوار مع دمشق بالنسبة لأنقرة حول فتح طرق التجارة من باب الهوى إلى الأردن، لأن البضائع التركية سوف تسلك طريق الجزيرة نحو التنف إلى الأردن وبذلك تكون أوراق القوة بيد أنقرة.
إبقاء المنطقة مشتعلة يضر بالشعب السوري واقتصاده المنهك بسبب العقوبات، لذلك فإن دخول الجيش العربي السوري إلى منطقة شرق الفرات وتدمير الحلم الأمريكي باتا ضرورة اقتصادية وسياسية وأمنية، لأن الجيش ومؤسسات الدولة هي الضامن الوحيد لكل المكونات السورية التي تشكل فسيفساء جميلة عنوانها الهوية السورية، لكن هل تسمح السياسة بقلب المعادلة في الشمال والشرق السوري؟ أم إن للجيش السوري والميدان كلمة الفصل؟ يتساءل مراقبون!