على إيقاعٍ من المولويّة «روزابيتي مونيوز» تنشدُ قصائدَها الجنوبيّة في دمشق
تشرين- علي الرّاعي:
«يُحاولُ
أن يرسمَ الخريطة،
لكنها تفيض..
من يحبهم يبقون خارجاً..
المخطط برمته بائسٌ:
السلسلة الجبلية على سبيل المثال؛
خطٌّ ممحوّ..
هذا تمرين؛ أن تُكبّر الصورة
قبل أن تُغلق..»
بمثل ما تقدم من صور ودفقاتٍ شعرية؛ حملت الشاعرة التشيلية (روزابيتي مونيوز) مشاهدها الشعرية – قصائدها من الجنوب التشيلي لتعلقها على جدران غاليري «ألف نون» في دمشق، إلى جانب مئات اللوحات مرت من هنا، كانت لها علاقاتها الحميمية مع هذه المشاهد اللونية، والتي يُطلق عليها صاحبها الفنان التشكيلي بديع جحجاح «تكيّة الدرويش»، الدرويش الذي كان ومنذ أكثر من عقدٍ من السنين (عنصراً) تشكيلياً يستمدُّ منه جحجاح جماليات فنية لا تنضب لعشرات الأعمال التشكيلية.
وفي العودة لنصوص التشيلية (روزابيتي مونيوز)؛ تقول أتيت لكم من جنوب التشيلي، أحمل قصائد من الجنوب، وكأنها تؤكد مقولة «زميلها» الداغستاني الشاعر رسول حمزاتوف:«العالم يبدأ من عتبة بيتي»، والشعر دائماً كان خلاصة الجماليات للأمكنة، تماماً كمن يُقطّر من العنب نبيذاً، أو من الجوري ماءه.. و(روزابيتي)، التي عاصرت زمن الديكتاتورية في التشيلي، تحمل قصائدها على أجنحة روح (بابلو نيرودا) الذي كثيراً ما رددت اسمه خلال الأمسية، كما يُردد المؤمن أسماء مقدسة لديه، سواء بهذه المشهدية المفعمة بالصور للنصوص، أو من حيث الاتجاه الروحي والسياسي كما عبرت عن ذلك..
في هذه الأمسية التي نُظمت بالتعاون بين السفارة التشيلية في دمشق، وغاليري «ألف نون»، قدمت الشاعرة الجنوبية روح التشيلي التي تمدُّ ملاءاتها على سلاسل الجبال وتوشح القرى والمدن.. تتميز نصوص الشاعرة بميلها إلى قُصارى القول، ومن ثمّ تأتي الصور الكثيفة لتقدم المشهد الشعري مُفعماً وممتلئاً بالوصف والحكاية من دون ترهل، وإنما برشاقة غزلان السفوح في جنوب تشيلي.
وبكلّ هذا التصوير، وبقليلٍ من المجاز، تروي الشاعرة حكايات المدن والقرى، والعمال، والصيادين، وهجوم الفئران على الحقول.. تسرد بنصٍّ، أو نصوص قصيرة، بأشكالٍ أطلقنا عليها في العالم العربي (الأدب الوجيز)، إذ إن النصوص تركّز على الدهشة في الخواتيم.. بما يُشبه المقولة الأخيرة للنص ومسك الختام.. بمعنى، إن الزبدة الشعرية تكون في الخاتمة، ومن ثمّ لا معنى لنص، أو يُعوّل عليه إن لم ينته بالإدهاش، وهذا ما اشتغلت عليه الشاعرة – على ما يبدو- في مختلف نصوصها.. ولعلّ أكثر ما تجلت هذه التقنية لدى الشاعرة في مجموعة النصوص – الومضات التي حملت بـ«ليخيا» التي هي مجموعة سلسلة جبال في جنوب التشيلي..
«في خريطة جسدها،
اختارت جزيرةً
على مستوى رحمها
من أجل العودة..»
بهذه النصوص والصور الشعرية، التي تُعادل الهايكو الياباني في التكثيف، وحتى بالمشهدية العالية، أو بالخاتمة المدهشة التي لها مُعادل جواني نفسي – على الأغلب – حضر أمس الجنوب التشيلي شعريّاً إلى جنوب سورية، وعلى ما يبدو؛ دائماً للدول ثمة جنوب، ودائماً مفعم بالحكايا والشعر والمشاهد..
بقي أن أشير إلى أنّ الأمسية الشعرية في (ألف نون)؛ كان ختامها «مولويّاً» خُتمت بدهشةٍ لا تقلُّ جمالية عن خواتيم القصائد، وذلك على وقع رقصٍ لدرويشٍ لا يملُّ الدوران..
«للمدينة اليوم نظامٌ آخر:
تحت سمائها القذرة
تمشي الحافلاتُ التي بصقتها العاصمة،
وتبتلعُ أدوار العمال الذاهبين
إلى مصائد الأسماك..
تُفتحُ محال جديدة ومقاهٍ لها أقدام،
وفي الملاهي الليلية الجديدة؛
ترقصُ بناتُ الجيران
دون اعتبار..»