في ثالث الجلسات الحواريّة في مهرجان المسرح التجريبيّ.. مسرحيّون عرب: التجريبُ دافعٌ لتطوير المسرح ولا يخضع لقيود السلطة
القاهرة- بديع صنيج:
من ضمن الجلسات الحوارية التي أقامها مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثلاثين ندوة تحت عنوان «التجريب المسرحي في العراق والشام»، أدار الجلسة الدكتور هشام نور الدين من لبنان، وقدَّم كل من الدكتور عبيدو باشا من لبنان، الدكتور عمر نقرش من الأردن، الدكتورة ميسون علي من سورية، الدكتور رياض موسى من العراق أوراقهم الفكرية، وعقب على الجلسة الدكتور عبد الواحد بن ياسر من المغرب.
قالت الدكتورة ميسون علي أستاذة المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق: إن التجريب كمفهوم ظهر عند العرب، وارتبط بالحداثة والتطور التكنولوجي، موضحة أن صفة التجريب في المسرح لم تتبع تياراً فنياً أو فترة زمنية معينة، إذ كان دافعه الأول تطور المسرح، لافتة إلى أن الحداثة في العالم العربي طرحت إشكالية الصراع بين القديم والجديد، فالتجريب في الستينيات شكّل همّاً من الدرجة الأولى وطرح كشعار، أما في فترة السبعينيات فتزامنت مع عودة المخرجين السوريين الذين درسوا في الخارج، ولاسيما في أوروبا الشرقية، وبدؤوا في تقديم عروض مختلفة شهدت كسراً للأشكال المسرحية التقليدية، ولاحقاً بدأت روح المعاصرة تسود بعض التجارب التي تقدم، ولاسيما من جهة البحث عن علاقة مختلفة مع الجمهور. كل ذلك ساهم في التجريب، والاهتمام التجريبي في سورية كان دافعاً لتأسيس المسرح التجريبي الذي قدمت فيه ثلاثة عروض وهي «يوميات مجنون» لـسعد الله ونوس، و«رحلة حنظلة» سعد الله ونوس، والعرض الثالث «ثلاث حكايات» الذي أعيد مؤخراً بتوقيع المخرج أيمن زيدان.
كما تحدثت الدكتورة علي بشكل بانورامي عن أهمّ العروض المعاصرة التي استمرت في انتهاج التجريب كبوصلة لها، وكان مخرجون يداورون رؤيتهم حيث يسعون لابتكار أشكال جديدة ومضامين تناسب تجربتهم الراغبة في التحرر من قيود المدارس المسرحية، ومن ذلك عروض كل من المخرجين عجاج سليم، هشام كفارنة، سامر إسماعيل، مأمون الخطيب، مجد فضة، أسامة غنم، وغيرهم.
من جهته، أوضح الدكتورعبيدو باشا من لبنان بأن أسوأ ما يحصل في العالم العربي أننا نقوم بصناعة الآلهة المسرحية، وهذا ما حدث في التجريب، يقول: بالنسبة لي التجريب أن تحذر من أن تعيش حياة مملوءة بالأخطاء، وأن تتمرد على ما عندك، مضيفاً أن كل المسرحيين في العالم العربي قاموا بالتجريب، وأعتقد أن التجريب يمثل حركة تدفعك إلى الأمام، ولكن لا شيء ضد التجريب إلا المؤسسة، ومع الأسف تحول التجريب في الوقت الراهن إلى مؤسسة متخلياً عن صفة المغامرة، فالتجريب ليس قائماً على منهج، ولا يأتي إلا بعد معاناة، وأرى أنه لابد من أن تتهيأ له الظروف المناسبة، لأن التجريب يقوم على الغريزة في الأساس.
الدكتورعمر نقرش من الأردن قال: لقد قطعنا شوطاً كبيراً في التجريب، لكننا لم نتفق إلى الآن على معنى واحد له، ومن وجهة نظري، الفن لا بد من أن يكون له معيار حتي ولو كان تجريبياً، فالتجربة الإنسانية الحسية هي أساس المعرفة، لذا أصبح لدينا تراجع للعقل، مشيراً إلى أن التجريب لا يخضع لفكرة السلطة سواء على مستوى الشكل أو المضمون، موضحاً أن التجريب ساعد على إزالة الحواجز والصراعات بين الفنون وعناصر العرض.. يقول: أعتقد أن التجريب هو موقف إنساني وجمالي، وهو ليس من العلوم التطبيقية، هو حالة متطورة من تطور الإنسان نفسه.
بينما قال الدكتور رياض موسى من العراق: في السابق كان المخرج المسرحي يصارع من أجل البقاء في العراق، ووجدنا تجارب مهمة مثل ما قام به صلاح القصب الذي قدم التجريب في عروضه، مبيناً أن التجريب في المسرح العراقي لم يكن بحثاً وإنما استجابة لنداء الضرورة.. وأشار موسى إلى أن المسرح العراقي كان حريصاً على التجديد، وكانت رؤى كل المخرجين العراقيين تختلف بشكل كبير من مخرج لآخر، وتوقف مطولاً عند مفهوم التجريب في مسرح الصورة للدكتور صلاح القصب، تلك التجربة التي شكلت بالنسبة إليه منعطفاً كبيرا،ً وواجهت كثيراً من وجهات النظر، وكانت مغرية لكثير من الشباب والمسرحيين في العراق للاقتداء بها، وكان أهم ما يميز تجربته أنها لم تكن أسيرة التقليد، فالمسرح العراقي مازال أباً شرعياً للخوض في المسرح التجريبي.
عقب الدكتور عبد الواحد بن ياسر من المغرب على أبحاث المشاركين بالقول: إن الفجوة كانت كبيرة بين الأبحاث التي قرأها بأقلام الباحثين، و ما قدموه ضمن الندوة، إذ إن الفارق كبير في الرؤى والأفكار وطرائق الصياغة وإيصال المغزى، مبيناً أن قسماً كبيراً منهم اتكأ على صناعة بانوراما للمشتغلين في التجريب، من دون أن يقدموا خصائص ما قاموا به، أو ذكر أبرز الملامح التجريبية في اشتغالاتهم، إذ إن الأوراق الفكرية التي ستنشر في نهاية المهرجان، والتي كتبها أولئك الباحثون، ستشكل مرجعيات مهمة للتجريب المسرحي في العراق وبلاد الشام لدرجة أن ما دار حوله النقاش اليوم لن يشكل أكثر من عشرة في المئة من أهمية ما كتب على اختلاف الرؤى وأساليب الطرح والمدة الزمنية التي تناولها كل باحث في ورقته.