قمة الأسد- بوتين: ترقبوا انقلاب المشهد؟!

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:

يختلف المراقبون أي القضايا كانت هي الرئيسة على طاولة مباحثات الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، وباعتقادنا أن كل القضايا تكاد تكون في الأهمية نفسها، وتالياً فإن جميعها كانت حاضرة وبالمساحة ذاتها تقريباً، أما من يحدد أهمية القضايا وأيها أكثر أولوية، فهي مصالح البلدين، فهناك قضايا ربما تهم سورية ولها أولوية أكثر مما هي عليه بالنسبة لروسيا، والعكس صحيح، لكن هذا لا يقلل من مسألة أنها كلها قضايا مهمة، بل وحساسة جداً في ظل أن التطورات الإقليمية والدولية باتت تفرض مقاربة جديدة في مسألة بحثها وإدارتها، وصولاً إلى وضع حلول حاسمة لها.
بالنسبة لسورية كل القضايا مهمة، من الميدان إلى الاقتصاد إلى التقارب مع تركيا، إلى تطوير وتوسيع وتعميق مسار التعاون مع الحليف الروسي، لكننا نحن كمراقبين في الإقليم ربما تكون لنا رؤية مختلفة، نعتقد فيها على سبيل المثال أن عودة العلاقات السورية – العربية، والسورية – التركية، هي مسألة مهمة جداً لناحية إراحة سورية وتخفيف حجم الضغوط التي تتعرض لها، والجميع يعلم أن عدداً من الدول العربية الوازنة كان لها ما لها فيما تعرضت له سورية خلال أكثر من عقد مضى، فيما لا تزال تركيا بوابة عدوان رئيسة على سورية منذ بداية الحرب الإرهابية عام 2011 ثم عبر تواجدها الاحتلالي في شمال سورية.
حتى المباحثات بين الرئيسين الأسد وبوتين ستكون أكثر مرونة، حيث إن انفراج العلاقات السورية مع كل من الدول العربية وتركيا سيسمح للحليفين، سورية وروسيا، بحرية الحركة والتفاوض واستقطاب الدعم والمساندة على مستوى الإقليم، وبما يوسع مُمهدات الوصول إلى حلول على مستوى الحرب والحصار والعقوبات الأميركية الجائرة على سورية.
هذا لا يقلل من أهمية القضايا الاقتصادية، وتعويل سورية على استثمارات روسية ضخمة في المرحلة المقبلة، في إطار عملية البناء وإعادة الإعمار، وربما كانت هذه القضية لها أولوية في سورية استناداً إلى ضرورة تقوية الجبهة الداخلية، اقتصادياً بالدرجة الأولى، وهذا أمر بات ممكناً في ظل البيئة الآمنة التي تحققت على مساحة واسعة من الأراضي السورية بفضل الانتصارات التي حققها الجيش السوري.

زيارة مفصلية وانعطافة حاسمة باتجاه مرحلة جديدة.. سورية اليوم لم تعد سورية الأمس، ولا حتى سورية العام الماضي.. فلنتفاءل بسورية أقوى على كل الجبهات

في الإقليم، كان التركيز كبيراً عما سيخرج من مباحثات الرئيسين الأسد وبوتين حول التقارب السوري- التركي، وكما كان متوقعاً، جدد الرئيس الأسد مواقف سورية الثابتة تجاه هذه القضية، المتمثلة بشكل أساسي في سحب تركيا قوتها المحتلة من سورية والتوقف عن دعم الإرهاب.. وبعدها سيكون الطريق مفتوحاً أمام التقارب، وعلى جميع اللقاءات بما فيها لقاء الرئيس الأسد مع أردوغان، كما أكد الرئيس الأسد في مقابلة مع وكالة «سبوتنيك» الروسية، مشدداً على أن «أي شيء يمكن أن يغير مسار الحرب باتجاه إنهاء هذه الحرب مع استعادة كامل الحقوق السورية واستعادة الأراضي المحتلة واستعادة سيادة الدولة السورية كاملة، نحن لا بدّ أن نسعى باتجاه تجريبه.. وهذا ما تعمل عليه روسيا بالتعاون مع سورية».
هنا، بلا شك ثار لغط وجدل كبيران بشأن توقيت زيارة الرئيس الأسد لروسيا، وأنها جاءت في الموعد نفسه الذي كان من المفترض أن يتم فيه لقاء رباعي تستضيفه موسكو على مستوى نواب وزراء الخارجية لكل من سورية وتركيا وروسيا وإيران.
لا بدّ أن نعيد التذكير من جديد أن:
– الحديث عن اللقاء الرباعي وموعده المحدد في 15 و16 آذار الجاري، أي اليوم وأمس.. كان حديثاً من جانب واحد وهو تركيا، ولم يتم تأكيده رسمياً من سورية ولا من روسيا ولا من إيران.. علماً أن هذا اللقاء، في حال تم، كان سيُعدّ تراجعاً، أو انتكاسة بعبارة أدق، مقارنة بالاجتماع الأول في كانون الثاني الماضي الذي كان على مستوى وزراء الدفاع، «وكانت وسائل إعلام تركية قالت إن الاجتماع الرباعي تم تأجيله لأسباب فنية، من دون تحديد موعد جديد».
– إن استعجال اللقاء الرباعي، ليس من الطرف السوري، بقدر ما هو من تركيا بصورة أساسية، وهي التي تلح على الوسيطين الروسي والإيراني في تحقيق هذا اللقاء، واستعجال إنجاز ملف التقارب قبل الانتخابات التركية المقررة في 14 أيار المقبل.
– سورية فعلياً، وإن كانت وافقت على بدء مسار التقارب، لا تريد الموافقة اعتباطياً على اجتماعات ولقاءات لا طائل منها، ولا يدعمها عمل ملموس على الأرض، هذا أمر أعلنته مراراً وتكراراً وستبقى تعلنه حتى ينتظم مسار التقارب في إطار هذه الرؤية.

باعتقادنا لم يكن هناك من أمر، أو مسألة، أو قضية، بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة، إلّا وكانت على طاولة مباحثات الرئيسين الأسد وبوتين، لذلك يُنظر إلى زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو على أنها مفصلية، وأن ما قبلها ليس كما بعدها، وأن العديد من التحركات والإجراءات سنراها على الأرض في الأيام المقبلة ما بعد الزيارة. وكما قال الرئيس الأسد: هناك متغيرات إقليمية دولية تطلبت منّا اللقاء لنضع تصوراتنا».. من هنا ينطلق المراقبون والمحللون في تأكيد مفصلية زيارة الرئيس الأسد لروسيا، وبأنها نهاية مرحلة، وبداية لأخرى ستكون حاسمة على صعيد ملفات كثيرة، وبما يدفع سورية خطوات واسعة جداً نحو الاستقرار وتعزيز مواقعها وتثقيل أوراق القوة التي تمتلكها.
هناك أمر آخر يركز عليه المراقبون لتأكيد أهمية هذه الزيارة واختلافها عن سابقاتها، هذا الأمر يتركز على زاوية الإعلان عن الزيارة فوراً وتنظيم حفل استقبال رسمي، وما رافق ذلك من حفاوة، أي أن الزيارة هذه المرة لم تكن بأثر رجعي، حيث يتم الإعلان عنها بعد انتهائها، هذا جانب عظيم الدلالة إذا ما وضعناه في إطار كل المتغيرات التي يشهدها الإقليم على مستوى علاقاته البينية، وإذا ما وضعناه في إطار أن سورية اليوم لم تعد سورية الأمس، حتى إنها لم تعد سورية التي كانت العام الماضي.. هذا ما يبشر وما يدعو للتفاؤل.. فلنتفاءل إذاً.

كاتب عراقي

 

اقرأ أيضاً:

الرئيس الأسد في موسكو.. سورية على أعتاب مرحلة جديدة!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار