مواقع درعا الأثرية فريسة للتعديات.. والطامعون باللقى والكنوز لا يأبهون لقيمتها كثروة وطنية.. أما الإجراءات فليس بالإمكان أكثر مما كان

تشرين – وليد الزعبي:
مئات المواقع الأثرية، التي تزخر بها محافظة درعا وتعود إلى حقب زمنية قديمة، لم تسلم من التعديات خلال سنوات الحرب على سورية، حيث قام ضعاف النفوس بالتنقيب السري والعلني ضمنها بحثاً عن اللقى والكنوز ظناً منهم بوجودها للمتاجرة بها والتربح غير المشروع من ورائها، غير آبهين بمدى قيمة هذه المواقع الأثرية كثروة وطنية هي ملك لنا وللأجيال القادمة وشاهد على تعاقب العديد من الحضارات العريقة على بلادنا.

نقص مراقبي الآثار في المواقع الأثرية لتسرب الكثير منهم

التلال في الواجهة
كشف الدكتور محمد خير نصر الله رئيس دائرة آثار درعا أن معظم التلال الأثرية في المحافظة لاقت تعديات كثيرة أدت إلى تخريب وطمس العديد من معالمها، ومثالها تل الأشعري في الريف الغربي الذي يعود للعصر البرونزي، حيث حدثت فيه أعمال تنقيب سري وعلني بآليات ثقيلة ما أدى إلى تشويه وتخريب في سويات التل التاريخية ونهب بعض موجوداته من اللقى الأثرية، وكذلك تل السمن بمدينة نوى الذي تعرض لأعمال تجريف بآليات ثقيلة وتعرض لأضرار بالغة في كثير من جنباته، والحال ليست بأحسن في تل شهاب وتل الجموع وتل الحارة وغيرها الكثير، حيث طالها الحفر بمختلف أنواع الآليات ما تسبب في تشوه معالمها ونهب بعض ما تزخر به من آثار.
الخرب لم تسلم
كثيرة هي الخرب المترامية في أرجاء مختلفة من المحافظة، وبشأنها لفت رئيس الدائرة إلى أنه جرى أيضاً استغلال الظروف التي سادت أثناء الحرب والقيام بالتعديات التي أساءت لتلك الخرب وبددت الكثير من معالمها الأثرية، والأمثلة كثيرة عليها، ولاسيما خربة السامرية (كفر سامر) قرب جلين التي تعرضت للتجريف، وخربة سمخ الواقعة بين مدينة طفس وبلدة المزيريب التي جرت فيها أعمال تنقيب كثيرة إلى جانب استخدامها مكباً للقمامة، كذلك خربة كفر البصل بمدينة الشيخ مسكين وخربة كوم غرز شرق مدينة درعا، حيث تعرضتا لحفريات كثيرة، وبيّن أن معظم البلدات القديمة وقعت عليها تعديات بالحفر غير الشرعي بغرض التنقيب والبحث عن الكنوز، كما طال الهدم بعض أبنيتها وتشييد أبنية حديثة مكانها، ومثالها البلدات القديمة في كل من المتاعية وبصر الحرير ونوى وغيرها الكثير.
المباني على المنوال نفسه
تتفرد الكثير من مناطق محافظة درعا بوجود مبانٍ أثرية تعود إلى حقب زمنية قديمة متعددة، وهي أيضاً كانت تحت أنظار الطامعين بمقتنياتها، وعلى صعيدها أوضح رئيس شعبة المباني في دائرة آثار درعا محمود الحريري أن عدة أبنية للخط الحديدي الحجازي ضمن مدينة درعا تعرضت للهدم خلال سنوات الحرب، كذلك تعرضت مباني محطة غرز ومحطة الطيبة لأعمال تنقيب سرية وتخريب وهدم جدران، كما تعرضت قلعة المزيريب التي يزيد عمرها على ٥٠٠ عام لأعمال حفر سري عشوائي وهدم بعض مكوناتها، علماً أنه جرى العمل على تنفيذ مراحل في سبيل إعادة ترميمها وما زالت تحتاج إلى مراحل ترميم أخرى لاحقة، وإلى الغرب منها طاحونة المزيريب الأثرية التي أنشئت على مجرى مائي في القرن الثامن عاشر والتي تعرضت أيضاً لهدم كبير وحفر في جنباتها، وقد جرى رفع مقترح لترميمها، وبالنسبة لمعبد المتاعية النبطي أو قصر “الإسكندر ذي القرنين” فقد تعرض هو أيضاً لحفريات أضرت به، وجرت أعمال ترميم له على عدة مراحل حتى اكتملت.

تعديات كثيرة أدت إلى تخريب وطمس العديد من المعالم ومواقع بحاجة إلى ترميم

أما قصر زين العابدين في مدينة إنخل، الذي يعدّ من أجمل قصور العالم الروماني فتعرض لحفريات وتخريب وهدم لبعض جدرانه وتمت أعمال إعادة ترميمه بالكامل، وكذلك مدرج درعا الروماني لا يختلف عن سابقاته حيث طالته تعديات الحفر والتخريب، وقد بدأت فيه أعمال الترميم لموسم واحد على أن يتم النظر بتنفيذ أعمال ترميم أخرى لاحقة لمكوناته، وقلعة ناحتة على المنحى نفسه حيث تعرضت للهدم والحفر بقصد البحث عن الكنوز، وهي بحاجة لأعمال ترميم للحفاظ عليها كما المباني آنفة الذكر من التداعي والانهيار وإعادتها إلى حالتها الأصلية، حيث إن أعمال الترميم تتم بالمواد والمواصفات نفسها من دون أي تعديل بالشكل أو الأبعاد والمواد المكونة لها.
ولفت رئيس الشعبة إلى أن هناك بشكل عام أبنية أثرية رومانية ضمن البلدات القديمة في كل من بصر الحرير ونوى والمتاعية وإبطع وكفر شمس وعاصم وشعارة بمنطقة اللجاة متضررة وتعرضت لتعديات مختلفة كما بقية المواقع الأثرية وتحتاج هي الأخرى إلى ترميم، مبيناً أنه جرى في المواقع المتاحة توثيق وتوصيف الحالة الراهنة للمواقع الأثرية على اختلافها لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها.
حسب المتاح

إن الإجراءات المتخذة إزاء التعديات الحاصلة لا تزال دون الطموح، والسبب يعود للظروف السائدة في بعض مناطق المحافظة التي لا تسمح بتطبيق الإجراءات العقابية أو الرادعة بحق مرتكبي المخالفات والتعديات على المواقع الأثرية، وهنا أشار د. نصر الله إلى أن الحراس الجوالين يقومون بالإبلاغ عن حالات التعديات أياً كان نوعها، ومن ثم يجري تنظيم الضبوط اللازمة بها ومراسلة القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالها، توازياً مع إعلام المحافظة والجهات ذات العلاقة والمختصة بتلك التعديات لتكون على دراية بواقع ما يحدث وتقديم العون لتسريع الإجراءات تجاهها، مع أهمية الإشارة إلى أنه تم رصد واقع بعض التعديات في المناطق المتاحة، بينما مناطق أخرى لا تزال هناك صعوبة في بلوغها ورصد الأضرار التي لحقت بها، والأمل لدى تحويل الضبوط إلى القضاء ألا تتم المصالحة على بعض المخالفات الخاصة في البلدات القديمة وغيرها من المواقع الأثرية لجهة هدم أبنيتها وتشييد أبنية حديثة مكانها، لأن مثل هذه المخالفات غير قابلة للتسوية أصلاً وينبغي اتخاذ القرارات القطعية بهدمها وعدم المصالحة عليها، مع المؤازرة للتنفيذ في حال أتاحت الظروف ذلك.
وتطرق إلى مشكلة نقص حراس أو مراقبي الآثار في المواقع الأثرية نظراً لتسرب الكثير منهم، وعدم المقدرة على ترميم النقص الحاصل، والمطلوب تعيين مراقبين من مكان وجود المواقع الأثرية نفسه، إذ من غير المعقول وضع حارس أو مراقب مكان إقامته في مدينة درعا على سبيل المثال لا الحصر ليراقب المواقع الأثرية في اللجاة البعيدة جداً عن مكان إقامته، على أمل أن تراعي مسابقات التعيين هذه الخصوصية.
صحوة ولو متأخرة!
ما تقدم يوصف بعضاً مما تعرضت له العديد من المواقع الأثرية في محافظة درعا طوال عقد من الزمن تقريباً، حيث كانت بمنزلة مرمى للتعديات الجائرة التي خربت الكثير من أركانها وطمست الكثير من معالمها، وأدت إلى تهريب العديد من كنوزها خارج الحدود، ولا بد من صحوة مسؤولة ولو متأخرة من المجتمع المحلي بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية والمختصة لوضع حدّ لتلك التعديات للحفاظ على ما تبقى من أوابدنا التاريخية التي توثق لأعرق الحضارات التي احتضنتها بلادنا على مرّ العصور.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا