١٣ عاماً من العُزلة

يحيى الفخراني في فيلم «الكيف» وفي واحد من أهم مشاهده الكوميدية، انفجر بالضحك في مجلس عزاء، لدرجة أنه استطاع أن ينقل هستيرية ضحكه ولامنطقية تصرفه للمعزّين الحاضرين معه، مع العلم أن علماء الاجتماع برروا سلوكاً كهذا بأنه أسلوب دفاعي، يعتمده البعض للهروب من موقف غير مرغوب فيه أو موقف محرج، أو لايمكن مواجهته.
ومع أن ضحك الفخراني كان بسبب جرعة «كيف» أعطاه إياها (ابن حماه) لكنها حالة يمكن أن تكون مألوفة، يعني الضحك هنا وفي مشاهد حياتية كهذه يمكن أن يكون بلا أي سبب (ضحكاً إسعافياً) وليس دليلاً على قلة الأدب، ولا الجبن أو الانهزامية، بل (قلة الحيلة) بكل ماتعنيه هذه الجملة من معنى.
جدتي في العزاء لم تكن من مدرسة قلة الحيلة، ولا أظنها شاهدت فيلم «الكيف»، وحتى إن شاهدته فلن تكون من معجبي يحيى الفخراني إذا ضحك أو همس مجرد همس غير لائق في حضرة الموت، ولن تقتنع بما يقوله علماء النفس أو الاجتماع، لأنها من مدرسة (كل حيّ يبكي على موتاه) أي إنه وفي مجالس العزاء، الشخص الذي يقوم بواجب العزاء يبكي أحبته ومعارفه الذين توفاهم الله.
ومابين قلة الحيلة ومدرسة ستي، استسلمت بعد ١٣ عاماً من روزنامة حرب لفكرة جديدة «كل واحد يبكي من العين يلي بتريحه..!!»
يعني «بلاه» التنظير وتقديم الدروس والمواعظ في لحظة الفاجعة والكوارث والموت، و«بلاه» التدقيق والتمحيص في أقوال وأفعال ولباس وتصرفات الناس المكلومين.. وفي حال الناس خافوا، وهلعوا، واستنفروا، وجلسوا في العراء خوفاً من احتمالية حدوث زلزال، خففوا قهقهاتكم وتعليقاتكم، واتركوا كل حيّ يمشي في سبيل أفكاره وحدسه، وإذا لم تستطع تهدئة فزعه بمنطقية قلب، ووجدانية عقل، فالصمت في حضرة الفواجع «حلّ».
فالمرء لا ينتمي إلى أيّ مكان، ما دام ليس له فيه ميّت تحت التراب .. هذا ماجاء في رواية «غابرييل غارسيا ماركيز» في روايته «مئة عام من العزلة»… وها نحن نواصل فعل الانتماء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار